حظيت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بإجماع واسع النطاق داخل المجتمع الإسرائيلي بمختلف تياراته وتوجهاته وفئاته، وذلك منذ يومها الأول، وكان من أبرز تمثّلاته التشجيع واسع النطاق، والدعم المطلق للمستويين السياسي والعسكري في الأهداف التي تم تبنّيها في الأيام الأولى، والتشجيع على الانتقام وارتكاب المجازر وعمليات الإبادة في قطاع غزة، ناهيك عن تصريحات بعض السياسيين، وما شهدته أستوديوهات التحليل في الفضائيات والمقابلات في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من عمليات تحريض على القتل والإبادة الجماعية واستخدام السلاح النووي وغير ذلك.
منذ بدء "المناورة البرية" في نهاية تشرين الأول من العام الماضي، ازدادت مؤشرات الإجماع هذه بشكلٍ لافت وفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة، وقد ساهم في ذلك تجنّد المؤسسة الإعلامية في هذه الحرب بشكلٍ مُطلق حدّ أنها شكّلت كلب حراسة للمستويين السياسي والأمني- العسكرية في عملية "التعبئة الحربية" وبثّ الحقد والكراهية وإعلاء خطاب الإبادة، هذا الأمر ساهم في تعزيز تمسّك المستوى السياسي بأهداف للحرب سرعان ما بدأ يصفها القليل جداً من الجمهور، وبعض المحللين والمراسلين، والمسؤولين السابقين في المؤسستين الأمنية والعسكرية، بـ "غير الواقعية" أو غير قابلة للتطبيق (ناهيك عن الحسابات السياسية الداخلية التي حكمت سلوك النخبتين السياسية والأمنية- العسكرية منذ بداية الحرب).
ومع انقضاء الشهر الأول لـ "المناورة البرية"، استعرضنا في مساهمة سابقة في "المشهد الإسرائيلي" تقريراً إسرائيلياً تناول مسألة "التأييد الشعبي الواسع للحرب ومحدّداته"، سلّط فيه مُعدّو التقرير الضوء على العوامل المؤثرة في مستوى هذا الدعم والتأييد، والتي من الممكن أن تقود إلى تقويضه وتراجعه مثل طبيعة الحرب ومدّتها؛ قضية الأسرى الإسرائيليين؛ قضية الإسرائيليين الذين تم إخلاؤهم من المستوطنات المحاذية لقطاع غزة ومن الجبهة الشمالية؛ التحدّي المدني على الجبهة الشمالية؛ توسّع المواجهة (حرب متعدّدة الجبهات)؛ الاقتصاد القومي والشخصي؛ الإهمال في أداء الوزارات الحكومية؛ الوضع الدولي والسياسة الإسرائيلية الداخلية.
إن العوامل المُشار إليها أعلاه أسهمت على مدار الأشهر الأربعة الماضية في تشكيل الرأي العام الإسرائيلي من كافة المسائل المرتبطة بالحرب ومستقبلها، وعلى الرغم من أن حالة الإجماع والتأييد الشعبي الواسع في إسرائيل للحرب ما تزال مستمرّة، فإن تأثير هذه العوامل يترك أثره في التراجع الملحوظ في مستوى الثقة في أوساط الجمهور في قدرة الجيش والمستوى السياسي على تحقيق "النصر" الذي تعهّدوا به في بداية الحرب مع استمرار غياب "إنجازات واضحة" في أهداف الحرب التي تبنّتها إسرائيل في الأيام الأولى: 1) القضاء على حركة حماس؛ 2) إعادة الأسرى الإسرائيليين من خلال العملية العسكرية. وقد انعكس هذا التراجع في دعوة العديد من المحللين إلى ضرورة استبدال "المفاهيم القديمة في الحرب الجديدة"، والانتقال من البحث عن "النصر" إلى البحث عن "صورة نصر"، كذلك في استطلاعات الرأي العام التي أجرتها بعض المراكز البحثية ذات الصلة.
نستعرض أدناه بعض معطيات استطلاع الرأي العام الذي أجراه "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب قبل عدّة أيام، وتُظهر أن هناك تراجعاً واضحاً في ثقة المجتمع الإسرائيلي بقدرة إسرائيل على "تحقيق النصر"، بالإضافة إلى توجهات المجتمع في القضايا المرتبطة بالحرب.
- القبول بشروط حركة حماس من أجل إعادة الأسرى الإسرائيليين: بعد انقضاء أكثر من 4 أشهر على الحرب أبدت أغلبية كبيرة (60%) معارضتها لشروط حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخيرة بوقف شامل لإطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين؛
- الاعتقاد بـ "تحقيق النصر": بعد مرور 4 أشهر على الحرب، 78% فقط من المجتمع الإسرائيلي يعتقدون أن الجيش "سينتصر" في الحرب، في تراجع واضح في هذا المعطى، إذ إن 92% من المجتمع الإسرائيلي كانوا يعتقدون أن الجيش سيُحقّق "النصر" في بداية الحرب في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، وانخفضت إلى 83% في منتصف كانون الأول الماضي.
- مواصلة الحرب: أظهر الاستطلاع أن 61% من الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب على الجيش الإسرائيلي مواصلة الحرب حتى "القضاء على حماس" حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون من الممكن إعادة جميع الأسرى والمُحتجزين الإسرائيليين.
- نقل السيطرة على غزة للسلطة الفلسطينية: 5% من الجمهور الإسرائيلي فقط يؤيدون نقل السيطرة إلى السلطة الفلسطينية في "اليوم التالي" في غزة، 34% من الجمهور يؤيدون نقل السيطرة إلى سلطة فلسطينية يقف على رأسها رئيس يعترف بوجود دولة إسرائيل وبالشرعية الدولية، في حين يرفض 44% من الجمهور بأي حال من الأحوال نقل السيطرة إلى السلطة الفلسطينية.
- الثقة بالجيش والحكومة: نسبة الثقة بالجيش في أوساط الجمهور الإسرائيلي ما تزال مرتفعة (86%)، على الرغم من وجود تراجع طفيف. أما نسبة الثقة في جهاز الشرطة الإسرائيلية فهي 57%، و24% فقط في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
- اتخاذ القرارات (إدارة الحرب): يُشير الاستطلاع إلى أن 64% من الجمهور الإسرائيلي لا يرون أن قرارات الحرب يتم اتخاذها استناداً إلى "اعتبارات أمنية" فقط.
- إعادة الأسرى الإسرائيليين: يُشير الاستطلاع إلى أن 56% من الجمهور الإسرائيلي لا يتفقون مع مقولة أن القرار في هذه المسألة يتم اتخاذه وفقاً لاعتبارات موضوعية وليس تبعاً لحسابات سياسية.