ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن "إسرائيل أطلقت قبل الساعة الثانية من صباح يوم الأحد بقليل صواريخها الاعتراضية للدفاع الجوي لمواجهة وابل من الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية. ودوت صفارات الإنذار والانفجارات في أنحاء تل أبيب وجنوب النقب ومنطقة الحدود الشمالية. سارع الإسرائيليون، الذين انتظروا بفارغ الصبر لعدة ساعات بعد أن تم تحذيرهم لأول مرة من أن ترسانة المقذوفات تتجه نحوهم، إلى الملاجئ".
وبحسب الصحيفة، "بعد أكثر من أربعة عقود من العداء بين الخصمين اللدودين، تعرضت إسرائيل للمرة الأولى لهجوم مباشر من إيران، وهذا الهجوم يجعل الشرق الأوسط أقرب من أي وقت مضى إلى الدخول في صراع إقليمي شامل يخشاه الزعماء الغربيون والعرب منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول والذي أدى إلى قيام إسرائيل بشن حرب انتقامية في غزة. وتتجه كل الأنظار الآن نحو الكيفية التي سترد بها إسرائيل على الهجوم غير المسبوق على أراضيها. وأرسلت إيران رسالة انتقامية إيرانية من نوع ما رداً على الهجوم الإسرائيلي المشتبه به الذي استهدف قنصلية الجمهورية الإسلامية في دمشق في الأول من نيسان، مما أسفر عن مقتل كبار القادة في الحرس الثوري وضرب ما تعتبره طهران منطقة سيادية. لكن الرد جاء أكبر مما كان متوقعاً، فقد تم إطلاق أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصواريخ باليستية وصواريخ كروز من جبهات متعددة على إسرائيل".
وتابعت الصحيفة، "بدعم من الولايات المتحدة، قال الجيش الإسرائيلي إن الدفاعات الجوية تمكنت من تدمير 99 بالمائة من الصواريخ، وتبدو الأضرار المادية محدودة ولم يتم الإبلاغ عن أي وفيات. ولكن من خلال إطلاق مثل هذا الوابل الهائل، بعثت الجمهورية الإسلامية برسالة مفادها أنها مستعدة للمخاطرة بأمنها من خلال مواجهة إسرائيل مباشرة، وربما جر الولايات المتحدة إلى القتال. فهي توجه ضربة قوية للآمال الغربية والعربية في وقف تصعيد الأعمال العدائية الإقليمية، ووضع حد للحرب في غزة. وعلى مدى ستة أشهر، أوضح القادة الإيرانيون أنهم يسعون إلى تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة، أو اندلاع حريق إقليمي شامل".
وبحسب الصحيفة، "بدلاً من ذلك، بدت إيران راضية عن إظهار عدائها لإسرائيل من خلال ما يسمى بمحور المقاومة. ويعتقد المحللون أن أولوية إيران هي ضمان بقاء النظام الإسلامي من خلال إبقاء الصراع بعيدًا. بل كانت هناك دلائل على أن طهران كانت تسعى إلى تهدئة الأعمال العدائية الإقليمية منذ أواخر كانون الثاني، عندما قُتل ثلاثة جنود أميركيين عندما شنت المجموعات المدعومة من إيران هجومًا بطائرة مسيّرة على قاعدة أميركية على الحدود الأردنية - السورية. وأوقفت المجموعات العراقية، التي شنت أكثر من 160 هجوما بطائرات مسيّرة وصواريخ ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا بعد 7 تشرين الأول، هجماتها على القوات الأميركية منذ شباط، رغم أنها استمرت في تبني هجمات ضد إسرائيل. وفي كانون الثاني، أجرت إيران محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في عمان. لكن حسابات طهران تغيرت بعد الهجوم الذي استهدف بعثتها الدبلوماسية في دمشق في الأول من نيسان".
وتابعت الصحيفة، "أشارت الضربة إلى أن إسرائيل تزيد من المخاطر في حرب الظل الطويلة الأمد التي تخوضها مع إيران، كما وجهت ضربة مهينة أخرى للحرس الثوري الإيراني القوي. وسبق أن قُتل أكثر من 10 قادة ومستشارين عسكريين في غارات إسرائيلية مشتبه بها على سوريا منذ 7 تشرين الأول. وفي طهران، اعتُبر الهجوم الذي وقع في دمشق، والذي أسفر عن مقتل سبعة من أفراد الحرس، من بينهم اثنان من كبار القادة، بمثابة استفزاز إسرائيلي مبالغ فيه. بعد فشلها في مواجهة هجوم حماس، ها هي إسرائيل تسعى إلى ترسيخ قوتها الرادعة. ومن جانبه، فإن النظام الإسلامي يسعى الآن إلى القيام بنفس الشيء، فهو لا يريد أن يبدو ضعيفاً في أعين ناخبيه المحليين أو وكلائه الإقليميين. ولكن بدلاً من الردع، فمن المرجح أن تكون النتيجة تصاعد دائرة العنف".
وأضافت الصحيفة، "المفتاح هنا هو كيف ومتى سترد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، وما إذا كانت الولايات المتحدة، اليائسة لاحتواء التوترات، ولكنها ملتزمة بتقديم الدعم "الثابت" لإسرائيل، قادرة على كبح جماح حليفتها. من وجهة نظر إسرائيل، فإن حماس لم تكن تتصرف من فراغ. وبدلا من ذلك، فهي تعتبر طهران بمثابة المحرك الرئيسي للجماعة الإسلامية الفلسطينية وغيرها من الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل في كل أنحاء المنطقة، والتي شنت هجمات متعددة ضد إسرائيل منذ 7 تشرين الأول. وفي الأشهر التي تلت ذلك، كان هدف إسرائيل هو استعادة قدرتها على الردع العسكري وإرسال إشارة إلى إيران بأن القواعد غير المكتوبة في الشرق الأوسط قد انقلبت رأساً على عقب: ولن يقتصر الأمر على ضرب حماس في غزة فحسب، بل ستكون أيضًا على استعداد للتصعيد لإضعاف المسلحين الآخرين المدعومين من إيران الذين يهددون الدولة اليهودية".
وبحسب الصحيفة، "في أي وقت آخر، كانت الاشتباكات الحدودية المكثفة بين حزب الله وإسرائيل ستُعتبر صراعاً شاملاً. ولكن في سياق اليوم، فقد تم اعتبارها، حتى الآن، أنها قابلة للاحتواء، حتى مع قيام كل من الجانبين بضرب مناطق الطرف الآخر بشكل أعمق وأعمق بما يتجاوز الخطوط الحمراء غير المرئية. في الواقع، كان الهجوم الإيراني على إسرائيل بمثابة محاولة لإعادة ترسيخ القواعد القديمة للعبة، ولكن التخوف هو أن ذلك سيوفر حافزاً أعظم لإسرائيل لمواصلة تصعيد الصراع مع حزب الله، الوكيل الأقوى والأكثر أهمية لإيران على الإطلاق. وقالت سانام فاكيل، مديرة قسم الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، إن إيران راهنت، لكنها تعتقد أنها لو لم تشن الهجوم لكانت إسرائيل ستستمر في محاولة إضعاف القوات الإيرانية وقوات وكلائها، وخاصة حزب الله".
وتابعت الصحيفة، "قالت فاكيل: "بدون محاولة إعادة التأكيد على الخطوط الحمراء ومحاولة استعادة بعض قدرات الردع، لم تكن هناك نهاية في الأفق لحملة التدهور الإسرائيلية"، مضيفة أن الكثير سيعتمد على رد فعل إسرائيل. وإذا قررت "التصعيد أكثر وضرب المنشآت النووية، فإننا في منطقة جديدة تمامًا". إذا اندلع صراع إقليمي شامل، فسيكون له تداعيات بعيدة المدى. ونظراً لافتقارها إلى الأسلحة التقليدية التي تمتلكها إسرائيل، فقد طورت إيران منذ فترة طويلة استراتيجية الحرب غير المتكافئة، باستخدام الحراس ومحور المقاومة لضرب أعدائها وحلفائهم".
وختمت الصحيفة، "لقد دخل الشرق الأوسط في دوامة منذ السابع من تشرين الأول، وقد أصبح الأمر أكثر انحداراً وأكثر خطورة بكثير".