• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
قراءات

ما الذي كشفت عنه نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي 2024؟


جرت الانتخابات الأوروبية بين 6 و9 يونيو 2024 في توقيت تجتهد فيه أوروبا لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تحيط بها من كل جانب. وكانت الاهتمامات منصبة لمعرفة ما ستفضي إليه نتائج إدلاء نحو 360 مليون ناخب أوروبي من 27 دولة من أجل انتخاب 720 عضواً يشكلون البرلمان الأوروبي؛ وذلك لمعرفة ملامح الأغلبية التي ستحكم هذا البرلمان، ومدى تأثير التقدم الذي سيُحرزه اليمين المتطرف على توازنات القوى داخله.

دلالات رئيسية
أتت نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة مشابهة لنتائج الانتخابات السابقة (ولاية ما بين عامي 2019 و 2024) من حيث عدم قدرة التحالف بين حزب الشعب الأوروبي PPE وتكتل الاشتراكيين والديمقراطيين S&D على الحصول على الأغلبية المطلقة. ومن ثم فإن هذه النتائج كرست استمرار نهج التعاون الثلاثي بين قوى الوسط الرئيسية: يمين الوسط، ويسار الوسط، والليبراليين على الرغم من تراجعهم، بالإضافة إلى دلالات مهمة أخرى نشير إليها بالتالي:
 
1– احتفاظ المجموعات الوسطية بالأغلبية: أظهرت النتائج الأولية حلول حزب الشعب الأوروبي PPE في المقدمة بـ186 مقعداً، وحلت في المرتبة الثانية مجموعة "الاشتراكيون والديمقراطيون S&D" بـ135 مقعداً بتراجعٍ قدرُه 4 مقاعد عن الانتخابات السابقة، فيما جاءت مجموعة تجديد أوروبا RE في المرتبة الثالثة بـ 79 مقعداً بتراجعٍ قدره نحو 23 مقعداً عن عام 2019؛ أي إن هذا الثلاثي ما زال يمتلك نحو 400 مقاعد من 720 (الأغلبية المطلقة 361). وعلى الرغم من هذه التراجعات، فإن هذه المجموعات الوسطية الثلاث المؤيدة لأوروبا، ما زالت تمتلك نحو 56% من المقاعد في البرلمان الأوروبي. ويعود سبب تراجع عدد مقاعد هذه الكتل الثلاث إلى تراجع واضح لكتلة تجديد أوروبا في فرنسا، وانخفاض نسبي لنتائج الأحزاب الوسطية في غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
 
2– تراجع مكانة مجموعة تجديد أوروبا: في الدورة السابقة، تم تشكيل الأغلبية من خلال عدة تحالفات: أولاً عبر الجمع بين أصوات حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيين والديمقراطيين ومجموعة تجديد أوروبا، وثانياً من خلال مجموعة تجديد أوروبا وحزب الشعب الأوروبي ومجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، وثالثاً من خلال تجديد أوروبا مع الاشتراكيين والديمقراطيين مع الخضر واليسار. ويظهر من خلال هذه التشكيلات هامش الحركة الواسع التي كانت تتمتع به مجموعة تجديد أوروبا التي فقدتها مع البرلمان الأوروبي الجديد؛ حيث تراجع الحزب بصورة واضحة، وتعزو بعد القراءات هذا التراجع لمجموعة التجديد إلى سوء أداء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الهولندي المنتهية ولايته مارك روته.
 
3– تقدم قوى أقصى اليمين: وهو التقدم الذي تحقق بفضل استغلال هذه القوى استمرار وصول المهاجرين إلى أوروبا وارتفاع تكاليف المعيشة؛ حيث إنها حلت في المقدمة في فرنسا عبر إرسال حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان عدد أكبر من النواب إلى البرلمان الأوروبي في نتيجة تاريخية مع حصوله على 31.5% من أصوات الناخبين في فارق كبير عن حزب النهضة التابع لماكرون الذي حصل على 14.7% تقريباً؛ ما دفع ماكرون مباشرةً وفور إعلان النتائج إلى حل مجلس النواب الفرنسي، داعياً إلى انتخابات مبكرة في 30 يونيو و7 يوليو 2024.
 
وفي إيطاليا، حل حزب فراتيلي ديتاليا لجورجيا ميلوني في المرتبة الأولى بعد أن حصل على 28.8 % من الأصوات، وهو ما يمثل أكثر من أربعة أضعاف ما حصوا عليه في الانتخابات الأوروبية عام 2019، وجاء الحزب الديمقراطي المعارض في المركز الثاني بنسبة 24% من الأصوات. كما حقق حزب البديل لأجل ألمانيا في المرتبة الثانية في ألمانيا بحصوله، بحسب بعض التقديرات، على نحو 16% مقارنة بـ 11% في عام 2019، متفوقاً على الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يقوده المستشار الألماني أولاف شولتز بعد أن حل في المرتبة الثالثة (14% تقريباً من الأصوات).
 
وتعتبر بعض التحليلات أن قوى أقصى اليمين ستحوز نحو 180 مقعداً من أصل 720، أو نحو ربع المقاعد. ولكن تبقى هذه القوى منقسمة إلى مجموعتين؛ هما: مجموعة حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ECR (الحاصلة على 73 مقعداً)، ومجموعة الهوية والديمقراطية (الحاصلة على 58 مقعداً)؛ علماً بأن حزب فيدس Fidesz لفيكتور أوربان في المجر، وحزب البديل لأجل ألمانيا ليسا ضمن هاتين المجموعتين، ويُحسَبان على تيار أقصى اليمين، ولكن بشكل انفرادي ومن دون الانضمام إلى مجموعة.
 
4– تراجع قوة الأحزاب البيئية: مع حصولها على 53 مقعداً احتلت مجموعة الخضر/التحالف الأوروبي الحر المركز السادس بين التحالفات والقوى السياسية الموجودة، فيما حصلت مجموعة اليسار على 36 مقعداً. وأظهرت مجموعة الخضر/التحالف الأوروبي انخفاضاً واضحاً؛ حيث خسرت المجموعة نحو 18 مقعداً مقارنةً بانتخابات عام 2019، وأتت أكثرية هذه الخسائر في ألمانيا وفرنسا. ولقد دفعت الأحزاب البيئية ثمناً باهظاً للميثاق الأخضر، بعد انتقاده من قبل شرائح من المواطنين الأوروبيين ومن بعض الشركات، وكان من أسباب ثورة الجرارات التي عرفتها أوروبا في الأشهر الماضية.
 
تداعيات محتملة
يمكن تلخيص التداعيات الأولية لهذه النتائج بما يلي:
 
1– تراجع الطوق المفروض على أقصى اليمين: درجت العادة على إقامة اتفاق ضمني بين الكتل الرئيسية يُعرَف تحت مسمى الطوق من أجل استبعاد ممثلي اليمين المتطرف وخصوصاً من مجموعة الهوية والديمقراطية ومنعهم من الوصول إلى المناصب الرفيعة داخل البرلمان الأوروبي على غرار ترؤس احدى اللجان أو الحصول على أحد نواب رئيس البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 14. وتُطرَح تساؤلات مع تقدم اليمين المتطرف حول مدى متانة واستمرارية هذا الطوق خصوصاࣧ أن مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين والتي يتم تصنيفها على أنها من أقصى اليمين، أصبحت تضم في عدادها أحزاباࣧ أوروبية تحكم أو تشارك في السلطة ورؤساء حكومات أو دول أوروبية كرئيس وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني والتشيكي بيتر فيالا كما تضم أيضاࣧ رئيس الوزراء البولندي السابق ماتيوش مورافيتسكي عن حزب القانون والعدالة.
 
وترى بعض التحليلات أنه في حين أن أحزاب أقصى اليسار تُطالِب باستمرار هذا الطوق على مجمل ممثلي تيارات اليمين المتطرف من مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ومجموعة الهوية والديمقراطية؛ فإن الاشتراكيين والليبراليين يبدون أكثر غموضاً، ويميلون إلى التعامل مع كل حالة على حدة؛ خدمةً لما تمليه عليهم مصالحهم، في حين لا يعارض حزب الشعب الأوروبي إخراج مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين من هذا الطوق، التي من الممكن أن تكون حليفاً مفيداً له في بعض الملفات، كالصفقة الخضراء أو الهجرة.
 
2– استبعاد حصول تغيير في توازنات توزيع المناصب العليا: سيؤدي احتفاظ المجموعات البرلمانية الثلاث المكونة لما يعرف بالائتلاف الكبير Grand coalition – أي حزب الشعب الأوروبي ومجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين ومجموعة تجديد أوروبا – بأغلبية المقاعد إلى استمرار تأثيرها على توزيع المناصب العليا داخل الاتحاد الأوروبي والتأثير على أجندته الاستراتيجية خلال فترة 2024–2029.
 
ومع أن هذه الأغلبية ستكون أقل قوةً مع حصولها على 400 مقاعد مقارنةً بـ417 مقعداً في البرلمان السابق، غير أن حزب الشعب الأوروبي سيحتفظ بمكانته بصفته حزباً قيادياً، على المستوى السابق نفسه تقريباً بنحو 25% من المقاعد، ومن ثم سيكون قادراً على منح رئاسة المفوضية الأوروبية لمرشحته أورسولا فون دير لاين؛ وذلك لولاية ثانية؛ حيث يتم ترشيحها من قبل رؤساء الدول والحكومات الأوروبية بالأغلبية المؤهلة وحصولها فيما بعد على ما لا يقل عن 361 من أصل 720 نائباً أوروبياً. وسيساعد بقاء الديمقراطيين الاشتراكيين قريبين من عتبة الـ19% من المقاعد على حصولهم على رئاسة المجلس الأوروبي.
 
3– مخاوف من حدوث وحدة بين قوى اليمين المتطرف: يدور تساؤل حول مدى إمكانية حصول وحدة بين قوى اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي التي هي من مطالب مارين لوبين وفيكتور أوربان الرئيسية، وإذا ما كانت هذه الوحدة ستمكن القوميين المتطرفين من الحصول على أقلية التعطيل داخل البرلمان الأوروبي، على غرار أقلية التعطيل الموجودة داخل المجلس الأوروبي؛ حيث لا يمكن إقرار أي اقتراح إلا بأغلبية 55% من الدول الأعضاء أو بموافقة 15 دولة من أصل 27 من الدول الأعضاء، على أن تكون تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي.
 
وتجدر الإشارة إلى أنه في مارس 2024 قامت أكثر من دولة أوروبية بتشكيل تحالف مكَّنها من تعطيل إقرار خطة تمديد الاتفاقيات التجارية مع أوكرانيا؛ وذلك لحماية قطاعها الزراعي المتأثر بإلغاء الرسوم الجمركية مع كييف. وتعتبر بعض التحليلات أن قيام هذه الأقلية التعطيلية بين المتطرفين غير ممكنة في البرلمان الأوروبي أولاً لأن الوحدة بين القوميين شبه مستحيلة؛ لأن هناك خلافات جوهرية تفصل بينهم؛ فالأحزاب المنضوية تحت مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين أكثر ميلاً نحو تطوير الاتحاد الأوروبي، في حين أن الاتجاه الغالب داخل الأحزاب المنضوية تحت مجموعة الهوية والديمقراطية ما زال يطالب بإلغاء المفوضية الأوروبية، كحزب التجمع الوطني الفرنسي، كما أنها أكثر تمسكاً بالسيادة الوطنية؛ هذا بالإضافة إلى أن الأحزاب في مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين أقل ميلاً إلى روسيا وأكثر تقارباً مع حلف شمال الأطلسي، وثانياً لأن القواعد المتبعة في التصويت داخل البرلمان الأوروبي قائمة على الأغلبية البسيطة لا على الأغلبية الموصوفة.
 
4– الجدل حول احتمالات التحالف بين اليمين السياسي واليمين المتطرف: تعتبر بعض القراءات أن جورجيا ميلوني رفضت التعاون مع طرح مارين لوبان الذي يقتضي قيام وحدة بين أحزاب أقصى اليمين؛ لأن نشوء هذه الوحدة وإن كان سيؤدي إلى فك عزلة مارين لوبان داخل البرلمان الأوروبي فإنه يعني أيضاً وضع مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ضمن الطوق المفروض على قوى أقصى اليمين، كما أن لمجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين حسابات أخرى؛ فهي تأمل – بالتعاون مع حزب الشعب الأوروبي، على المدى الطويل – إنشاء تحالف معه، خصوصاً أن حزب الشعب الأوروبي أعلن على لسان مرشحته للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لان، أنه غير مستعد للتعامل إلا مع الأحزاب المؤيدة لأوكرانيا ولأوروبا ولدولة القانون.
 
ولكن بعض التحليلات ترى أنه حتى في حالة تحالف حزب الشعب الأوروبي مع مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين واليمينيين المنتخبين غير المحسوبين على أي مجموعة، فإن هذا الائتلاف لن يتمكن أبداً من جمع 361 مقعداً لتشكيل الأغلبية المطلقة من دون مجموعة الهوية والديمقراطية، إلا إذا لجأ هذا التحالف إلى التعاون مع الاشتراكيين أو الليبراليين.
 
5– تزايد الضغوط على بعض الحكومات الأوروبية: تعزز نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي الضغوط السياسية المفروضة على بعض الحكومات الأوروبية، ولعل النموذج الأبرز على ذلك ألمانيا وفرنسا؛ فقد تعرض الائتلاف الحاكم في ألمانيا بزعامة المستشار "أولاف شولتز"، لتراجع كبير في الانتخابات الأوروبية؛ حيث جاءت الأحزاب الثلاثة في حكومته خلف المحافظين واليمين المتطرف. وحصل "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" بزعامة "شولتز" على نتيجة سيئة توصف بأنها الأسوأ في تاريخ الحزب، بنسبة 14%، فيما حل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في المركز الثاني بعد حصوله على 16% تقريباً. والأمر ذاته في فرنسا؛ حيث لم يحقق حزب النهضة التابع لماكرون نتيجة مُرْضية.
 
ختاماً: على الرغم من التقدم اللافت لأحزاب وتيارات أقصى اليمين في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، فإن النتائج أفضت إلى استمرار سيطرة الائتلاف الكبير (أي حزب الشعب الأوروبي، وتجدد أوروبا، والاشتراكيين والديمقراطيين) على الأغلبية داخل البرلمان الأوروبي، ولكن مع فارق أنه بعد الانتخابات أصبح حزب الشعب الأوروبي أكثر تأثيراً على الحياة السياسية في أوروبا بحيث أصبح من الصعب تجاوزه لتشكيل أغلبية؛ ما سيجعل منه مُحاوِراً مهيمناً على جميع المواضيع الأوروبية الحساسة، كالبيئة، والدفاع والاقتصاد والهجرة.