• اخر تحديث : 2024-07-04 10:16
news-details
مقالات مترجمة

"ذي ناشونال إنترست": أوروبا وفلسطين والعلاقات عبر الأطلسي


مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب راسل بيرمان، يتحدث فيه عن اعتراف 4 دول أوروبية بفلسطين كدولة، وتأثير ذلك على العلاقات بين الدول الأوروبية، ومع الولايات المتحدة. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

إنّ الخلاف بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، يجعل التوصّل إلى سياسة أوروبية خارجية موحّدة أكثر صعوبة من أي وقت مضى. ومنذ نحو 3 أشهر، اعترفت أيرلندا والنرويج وإسبانيا بدولة فلسطين على أمل تسريع قرار وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة، ولتشجيع الدول الأوروبية الأخرى على الانضمام إليها. لكن وقف إطلاق النار ما زال بعيداً عن متناول اليد، بل على العكس من ذلك، هناك مخاوف متزايدة من توسّع العدوان الإسرائيلي إلى لبنان.
 
سلوفينيا هي عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بالدولة الفلسطينية، وحذت حذوها أرمينيا مع أنّها ليست من أعضاء نادي بروكسل. لكن، لا ألمانيا ولا فرنسا ولا هولندا ولا إيطاليا ولا أي دولة أوروبية "كبرى"، قفزت إلى عربة الاعتراف بدولة فلسطين. كذلك، أدّى الاندفاع الأيرلندي والنرويجي والإسباني إلى خلاف سياسي مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تفضّل أن يأتي الاعتراف بعد المفاوضات بين "تل أبيب" والسلطة الفلسطينية، بديلاً عن الاعتراف الأوروبي القاطع الذي من شأنه أن يجعل من مفاوضات "غير موجودة" أصلاً، أكثر صعوبة.
 
كلّ بلد اتخذ قراره بالاعتراف بدولة فلسطين على خلفيّة محليّة، من دون أن يكون هناك قاسم مشترك بين هذه البلدان. فالنرويج وإسبانيا، ملكيتان دستوريتان، وأيرلندا جمهورية، في الماضي كان المذهب الكاثوليكي يجمع بمستوى ما بين إسبانيا وأيرلندا قبل هيمنة النظام العلماني على البلدين. بهذا المعنى لا رابط سياسياً مشتركاً بين الدول الثلاث حول قرار الاعتراف بدولة فلسطين.
 
مع ذلك، هناك ما يجمع بين هذه الدول يكمن في حكوماتها القائمة الآن والميّالة نحو اليسار. ففي النرويج يحكم "حزب العمال" كحكومة أقلّية بتسامح من "حزب اليسار الاشتراكي"، كما يشغل رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، منصب رئيس "الاشتراكية الدولي، بينما يضمّ الائتلاف الحكومي الأيرلندي "حزب الخضر"، وتنسحب حالة مماثلة في سلوفينيا بحضور "اشتراكي" في السياسة الخارجية.
 
هذا يوضح النمط الذي تسير فيه الأمور، الحكومات الائتلافية ذات الميول اليسارية تتشارك في المواقف الرمزية بشأن قضية الشرق الأوسط، ما يحرج الدول الأوروبية الأخرى ويصيب الدبلوماسية الأميركية بالصداع.
 
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الدول الثلاث لم تكن أول الدول الأوروبية التي تعترف بفلسطين. ففي أعقاب إعلان منظمة التحرير الفلسطينية الاستقلال في عام 1988، تلت ذلك موجة من الاعترافات الدولية، بما في ذلك العديد من دول الكتلة السوفياتية. وكان ذلك سياقاً سياسياً مختلفاً تماماً، لكن دول "أوروبا الجديدة"، مثل بولندا وهنغاريا ورومانيا، ورثت الاعتراف بدولة فلسطين من ماضيها الشيوعي. وفي عام 2014، اعترفت الحكومة اليسارية في السويد بفلسطين، لكن الحكومة المحافظة الحالية في ستوكهولم أعربت عن دعمها القوي للاحتلال الإسرائيلي. وفي حقبة ما بعد الحرب الباردة، وبصرف النظر عن الاستثناء السويدي، فإنّ الاعتراف الثلاثي الأخير يمثّل حدثاً جديداً.
 
من ناحية الجغرافيا تقع الدول الثلاث في محيط أوروبا الغربية، حيث أيرلندا بعيدة بطبيعة الحال عن الجبهة الشرقية المعرّضة للخطر في أوروبا، كما أنّ إسبانيا، من الناحية الجيوسياسية، بعيدة كلّ البعد عن المواجهة في حرب أوكرانيا، أمّا النرويج فهي على الهامش الأوروبي بطريقة مختلفة، كونها تقع في أقصى القارة الأوروبية بالقرب من القطب الشمالي.
 
كذلك، ما يجمع بين هذه الدول بدقة أكثر، هو الإنفاق الدفاعي المنخفض للغاية. في حين حدّد حلف شمال الأطلسي لكلّ الدول الأعضاء بتخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الدفاع والأمن بحلول نهاية العام الجاري، في حين لا بلد من هذه البلدان قريب حتى من هذا الرقم. ففي عام 2023، كانت النرويج عند عتبة 1.67%، وإسبانيا عند 1.26%، وأيرلندا كذلك، ولكنها ليست عضواً في "الناتو" وغير ملزمة بتوجّهاته، واستثمرت 0.225% من ناتجها المحلي الإجمالي لشؤون الدفاع في عام 2022.
 
وعلى المنوال نفسه لم تتجاوز سلوفينيا نسبة 1.35%، في حين أنفقت بولندا 3.9%، والولايات المتحدة 3.49%، والمملكة المتحدة 2.07%. من الإنصاف القول إنّ أياً من البلدان التي اندفعت للاعتراف بفلسطين لا تولي اهتماماً كبيراً لاحتياجاتها الأمنية الخاصة، فلا عجب أنّهم لا يهتمون بـ "إسرائيل".
 
إنّ الاعترافات غير التقليدية بفلسطين تساهم في تعميق الانقسامات السياسية الداخلية الأوروبية، بما يخدم خصوم المنظومة الغربية، ويفرض صعوبة في التوصّل إلى سياسة خارجية أوروبية موحّدة. وفي الوقت نفسه، فإنّ نقص الاستثمار في الدفاع من جانب الدول الأوروبية من شأنه أن يفرض ضغوطاً على العلاقات مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، لن تنظر واشنطن إلى دول القارة التي ترفض الاستثمار في الأمن وتتخذ مواقف مستقلة بشأن القضية الفلسطينية على نحو يخالف السياسة الأميركية كشريك موثوق.