• اخر تحديث : 2024-11-29 08:55
news-details
تقدير موقف

الرئاسية بين هاريس وترامب: هل تساعد في حسم هوية الفائز في الانتخابات الأميركية؟


تابع ملايين الأميركيين، في 10 أيلول/ سبتمبر 2024، أول مناظرة تلفزيونية بين نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. وجاءت نتائجها مغايرة للمناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب والرئيس جو بايدن، أواخر حزيران/ يونيو الماضي، عندما كان بايدن لا يزال المرشح الديمقراطي، والتي كانت السبب الرئيس الذي دفعه خارج السباق الرئاسي بسبب أدائه الضعيف فيها؛ ما فسح المجال لهاريس لتكون بديلًا منه. بدا ترامب، في المناظرة الأخيرة أمام هاريس، ضعيفًا ومرتبكًا "وغير قادر على إكمال أفكاره وجمله"، وفشل في جعل المناظرة استفتاءً على إدارة بايدن وسياساتها، ولم يتمكن من تقديم خطة متماسكة للمستقبل. عزز أداء هاريس المقنع ثقة الديمقراطيين الذين كانوا قلقين من دخولها الانتخابات الرئاسية في وقت متأخر، قبل نحو ثلاثة أشهر من إجرائها، وأكد أنّ قرار التخلّي عن بايدن كان صائبًا، أما أداء ترامب الباهت وعجزه عن التركيز فقد أثارا قلق الجمهوريين من احتمال خسارة الانتخابات الرئاسية.
 
استراتيجية هاريس وعثرات ترامب
عمدت هاريس إلى إملاء شروط المناظرة وتحديد إيقاعها، بدءًا من توجهها إلى ترامب وإجباره على مصافحتها، رغم محاولته تجنّب ذلك، كما حصل في مناظرته مع بايدن، عندما تجاهل كل منهما الآخر، مرورًا بتفكيك سياساته وإرثه الرئاسي، ووصولًا إلى استفزازه وتشتيت تركيزه على القضايا، ودفعه إلى مناقشة مسائل هامشية أو خلافية لدى الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد. وكان النجاح الذي حققته هاريس في هذا السياق لافتًا، جعل خبراء كثيرين يقولون إنّ ترامب لم يتمكن من مقاومة الفخاخ التي استخدمتها منافسته.
 
بدا واضحًا استعداد هاريس الجيّد للمناظرة، أمّا ترامب فقد دخلها معتدًّا بقدرته على الفوز فيها؛ لذلك لم يتمكن من التركيز على نقاط ضعف هاريس، خصوصًا في ما يتعلق بسجلّها بصفتها نائبة رئيس حاليًا وسيناتورًا سابقًا، وتَغيُّر مواقفها إزاء عدد من القضايا بناءً على حسابات انتخابية. ولم ينجح في استغلال فرصة أنّ نحو ثلث الناخبين يفتقرون إلى معلومات كافية عن هاريس، وتقديم صورة نمطية سلبية عنها خلال المناظرة.
 
عملت هاريس خلال المناظرة على مخاطبة ملايين المشاهدين في المنازل، عبر التوجه إلى عدسة الكاميرا مباشرةً، عندما يتعلق الأمر بوعودها الانتخابية، من قبيل تخفيض الأسعار، وركزت، في الوقت ذاته، على نقطة ضعف ترامب الأساسية، وهي نرجسيته. وأخذت تشكك في حجم حشوده في مهرجاناته الانتخابية وتفاعل جماهيره مع خطاباته فيها، على نحوٍ استفزّه وجعله يفقد التركيز على نقاط ضعف منافسته في قضايا الاقتصاد والهجرة غير المشروعة عبر الحدود الجنوبية والجريمة - وهي القضايا الأهمّ بالنسبة إلى الناخبين - وأخذ يدافع عن حجم هذه الحشود. وانزلق إلى موقف دفاعي استغرق جلَّ وقته خلال المناظرة التي استمرّت ساعة وأربعين دقيقة.
 
ولم تتردد هاريس في نصب مزيد من الفخاخ له، من قبيل مسألة موقفه من اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس، في كانون الثاني/ يناير 2021؛ احتجاجًا على خسارته الانتخابات الرئاسية، التي أصرّ مرة أخرى على أنها كانت نتيجة التزوير. وكرّر افتراءاتٍ عنصريةً على المهاجرين الهايتيين الذين اتهمهم بتناول الحيوانات الأليفة في إحدى مدن ولاية أوهايو، وكذلك مواقفه من الأقليات العرقية، والقضايا الجنائية والمدنية التي يواجهها في المحاكم الأميركية، فضلًا عن اتهامه لبعض الولايات التي يحكمها الديمقراطيون بقتل مواليد جدد. 
 
نجحت هاريس في توظيف عيوب ترامب وجعْله يقوّض نفسه بنفسه، وفي إظهار أنه غير مؤهّل لولايةٍ رئاسية ثانية. هكذا، رأى الأميركيون رئيسًا سابقًا عجوزًا منهكًا ومحبطًا وهشًّا ومشتتًا، يتملّكه الغضب ويعيش في الماضي ويتمركز حول ذاته. في المقابل، سعت هاريس إلى تقديم نفسها على أنها من جيلٍ سياسي جديد يستوعب كل مكونات الشعب الأميركي ويتطلع إلى قيادة أميركا إلى المستقبل، في حين كان ترامب يشتكي ويتذمر من أميركا باعتبارها دولة فاشلة، ولا يقدّم إجاباتٍ مقنعةً لمسائل تهمّ الناخب الأميركي، مثل الإجهاض والرعاية الصحية.
 
ويرى كثير من الجمهوريين أنّ ترامب أضاع فرصة ربما لا تتكرر، خصوصًا أنه يرفض خوض مناظرة ثانية مع هاريس (يزعم أنه فاز بالأولى معها وأنه لن يعطيها المجال لمحاولة تعديل النتيجة)، وفشل في تحويل المناظرة إلى استفتاء على سجلّ هاريس بصفتها نائبة الرئيس، في ظل الرأي العام الأميركي المتشائم تجاه الاقتصاد وارتفاع نسب التضخم. واتضح أنّ هاريس، خلال المناظرة، كانت تتجنب الخوض في تفاصيل خططها الاقتصادية، أو حتى توضيح موقفها من مسائلَ مرتبطة بالإجهاض، أو تحمّل أيّ مسؤولية عن طريقة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2021. فقد تهرّبت من الإجابة عن سؤال مرتبط بتغيير موقفها ممّا يُعرف بالتكسير الهيدروليكي Fracking، أو تقنية حفر الآبار بواسطة سائل مضغوط لاستخراج الغاز أو النفط، التي يعارضها أنصار البيئة. وتتهمها حملة ترامب بأنّ تأييدها الراهن لهذه التقنية ينطلق من حسابات انتخابية، وتحديدًا في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة؛ إذ إنها كانت تعارضها خلال عملها مدّعيةً عامةً في ولاية كاليفورنيا، وعندما كانت عضوًا في مجلس الشيوخ.
 
لم يُحرج الصحافيان اللذان أدارا المناظرة هاريس، كما ورد في الأمثلة السابقة، أو في موقف إدارة بايدن من دعم أوكرانيا في الحرب ضدّ روسيا. في المقابل، فقَدَ ترامب قدرته على التركيز على القضايا، وبدلًا من ذلك انجرّ وراء الافتراءات، على نحوٍ جعله ينسى أنّ هاريس جزءٌ من الإدارة الأميركية الحاليّة، في وقت يرى فيه 65 في المئة من الناخبين أنّ البلاد تسير في اتجاه خاطئ.
 
استطلاعات الرأي
يتفق أغلب الخبراء أنّ هاريس فازت في المناظرة أمام ترامب، وهو أمر يؤيده أغلب المتابعين الذين بلغ عددهم 67 مليون مشاهد. ويجد استطلاع للرأي أجرته شبكة سي أن أن أنّ 6 من كل 10 يعتقدون أنّ هاريس تفوّقت على ترامب، في حين قال 4 من كل 10 إنّ ترامب قدّم أداءً أفضل. ويفيد استطلاع آخر أجرته رويترز/ إبسوس، بعد المناظرة، أنّ هاريس تتقدم على ترامب بين الناخبين المسجلين على المستوى الوطني بخمس نقاط مئوية (47 في المئة و42 في المئة على التوالي). ويوضح هذا الاستطلاع أنّ هاريس وسّعت هامش تقدّمها بنقطة مئوية واحدة، فقد وجد استطلاع سابق، جرى في أواخر آب/ أغسطس 2024، أنّها تتقدم بفارق أربع نقاط مئوية على الناخبين المسجلين على المستوى الوطني.
 
ويؤكد استطلاع رويترز/إبسوس أنّ غالبية من شاهدوا المناظرة أو تابعوها يرون أنّ هاريس فازت فيها على ترامب (53 في المئة و24 في المئة على التوالي). في حين يقول 52 في المئة منهم إنّ ترامب تعثّر فيها ولم يكن ذكيًّا، مقابل 21 في المئة يرَون هاريس كذلك. ويرى واحد من كل خمسة ناخبين جمهوريين أنّ ترامب لم يكن ذكيًّا. وفي حين يعتقد 53 في المئة منهم أنّه فاز في المناظرة، يرى 91 في المئة من الديمقراطيين أن هاريس انتصرت فيها. وفي تحوّلٍ لافت في رأي الناخبين إزاء عمر المرشحَيْن، قال 52 في المئة منهم إنّ سنّ ترامب كبيرة، وفي المقابل 7 في المئة بالنسبة إلى عمر هاريس. مع العلم أنّ مسألة العمر لم تكن في مصلحة الديمقراطيين عندما كان بايدن مرشّحهم.
 
تفيد الاستطلاعات المحلية في فهم المزاج العام للناخبين الأميركيين، لكنّ الظفر بالانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية لا يتحدد بأصوات الناخبين بل بعدد الممثلين في المجمع الانتخابي Electoral College، الذي يجعل الولايات المتأرجحة في هذه الانتخابات مهمّة. وهذه الولايات هي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن وجورجيا ونورث كارولينا ونيفادا وأريزونا، التي يبقى السباق فيها تنافسيًا للغاية.
 
خاتمة
لا يمكن أن تعتمد هاريس على نتائج هذه المناظرة فقط لتفوز في الانتخابات الرئاسية، على الرغم من أنّ غالبيةً كبيرة ترى أنها فازت فيها أمام ترامب، وكشفت ضعفه وعدم أهليته للحصول على ولاية رئاسية جديدة، وعليها أن تبذل مزيدًا من الجهد في توضيح خططها وبرامجها في جملة من القضايا التي يوليها الناخب الأميركي اهتمامًا كبيرًا، خصوصًا الاقتصاد والهجرة ومكافحة الجريمة. وفضلًا عن ذلك، عليها أن تنأى بنفسها عن سياسات الإدارة الحاليّة، حتى لا تدفع ثمن إخفاقاتها في العديد من القضايا الداخلية أو تلك المرتبطة بالسياسة الخارجية. ومن الأمثلة على أثر المناظرات في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية أنّ ترامب كان قد خسر مناظراته الثلاث عام 2016 أمام المرشحة الديمقراطية، حينئذ، هيلاري كلينتون، ومع ذلك، فاز بالرئاسة. وتكرر الأمر نفسه مع الرئيس الأسبق جورج بوش الابن الذي خسر مناظراته الثلاث عام 2004 أمام المرشح الديمقراطي جون كيري، ومع ذلك أعيد انتخابه رئيسًا فترةً ثانية. من السابق لأوانه التنبّؤ بمن سيفوز في السباق الانتخابي، ولا شكّ في أنّ ترامب فوّت فرصة سانحة في المناظرة مفادها أن يجعل الانتخابات استفتاءً على إدارة بايدن - هاريس، وفي المقابل، نجحت هاريس في تقديم نفسها مرشحةً جدّيةً ذات حظوظ وافرة لتفوز بالبيت الأبيض.