• اخر تحديث : 2025-09-19 15:48
news-details
إصدارات الأعضاء

من يوقّع باسم سوريا؟.. بيع السيادة في غرف مغلقة وخيانة الدماء


أُعلن مؤخراً عن إيداع «خارطة طريق» لحل أزمة السويداء لدى الأمم المتحدة، قيل إنها بجهد مشترك بين سوريا والأردن والولايات المتحدة. ما يبدو «إنسانياً» للوهلة الأولى يخفي في طياته مخاطر سياسية وقانونية جسيمة، تبدأ من مسألة «من وقّع؟» ولا تنتهي عند احتمال توظيف الوثيقة لتغيير قواعد التفاوض على مصير الأراضي السورية المحتلة.

في القانون الدولي، أي اتفاق أو معاهدة ذات طابع سيادي يجب أن يُبرم باسم الدولة من قبل حكومة شرعية أو ممثل مفوَّض وفقاً للدستور الوطني. ما جرى في السويداء، بحسب الوثائق المسرّبة، تم عبر سلطة محلية غير منتخبة لا تمتلك «صلاحيات كاملة» أو تفويضاً وطنياً. هذا الخلل في التمثيل يجعل أي التزام أو تعهد صادر عنها عرضة للطعن الدولي أو الرفض، ويضعف قدرة سوريا لاحقاً على الاعتراض إذا استُخدمت الوثيقة ضد مصالحها.
 
يعتقد بعض المراقبين أن إيداع خارطة الطريق الخاصة بالسويداء هو تعبير عن «جدية الحكومة المؤقتة» في البحث عن حل، لكنّ هذه «الجدية» نفسها هي التي ارتبطت عملياً بالأوامر بالقتل والتصفية وإبادة المدنيين لإيجاد ذلك الحلّ. الخطورة الحقيقية ليست في الشعارات، بل في البعد القانوني الدولي: الأمر شأن داخلي سوري فلماذا يتم تدويله وتسليمه لهيئات دولية تمنحه شرعية هو لا يملكها؟
 
إيداع نصٍّ لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة يعني عملياً تسجيله في سجلات رسمية تجعل منه مرجعاً علنياً للمجتمع الدولي. قد يبدو ذلك شكلاً من الشفافية، لكنه يفتح الباب أمام استغلال الوثيقة كورقة تفاوضية، وكأن المجتمع الدولي «اطّلع وأقر» بترتيبات تمسّ مناطق النفوذ أو الأمن الداخلي، في حين أنّ الإيداع بحد ذاته لا يُكسبها شرعية قانونية ما لم تصادق عليها الدولة وفق إجراءاتها الدستورية.
 
الأخطر هو الأنباء المتداولة عن نية توقيع اتفاق أمني بين «السلطة الحالية» في دمشق وإسرائيل ثم إيداعه في الأمم المتحدة، ما يمثل خطراً مضاعفاً. فقرارات مجلس الأمن 242 و338 والقرارات الخاصة بالجولان تُشكّل مرجعية ملزمة دولياً تعتبر الجولان أرضاً سورية محتلة. أي ترتيب أمني يودع كاتفاق دولي يمكن أن يُستخدم لتجاوز هذه المرجعيات أو لإضعاف المطالبة السورية بالانسحاب الإسرائيلي، خاصة إذا كان الموقّع سلطة غير منتخبة وغير مخوَّلة.
 
في القانون الدولي، التنازل عن حقوق سيادية أو حدودية لا يصح إلا من حكومة شرعية وبإجراءات دستورية معلنة. سلطة غير منتخبة لا يحق لها إبرام معاهدات تغيّر الحدود أو تنشئ التزامات سيادية دائمة، وأي اتفاق كهذا يكون قابلاً للبطلان وعدم الاعتراف به من قبل الدول الأخرى. لكن بمجرد إيداعه في الأمم المتحدة، يصبح أداة ضغط سياسية على الأرض.
 
التصرّف باسم الدولة في ملفات سيادية بهذا الحجم من دون تفويض وطني هو تجاوز لكل المعايير الوطنية والدولية. ما يجري ليس مجرد «ترتيبات ميدانية»، بل هو مساس بمرجعيات أمنية وسياسية حددتها الأمم المتحدة بقرارات ملزمة، وخيانة صريحة لدماء الشهداء ومعاناة المهجّرين، وتفريط بحقوق أجيال من السوريين التي لن تسامح كل من يبيع السيادة باسمهم. هذا وطنٌ لا يُباع في السر ولا في العلن، وهذه أرضٌ ليست سلعة تفاوض بل أمانة في عنق كل سوري.
 
الخلاصة أن إيداع خارطة طريق السويداء لدى الأمم المتحدة قد يُستغل لاحقاً لتثبيت ترتيبات على الأرض من دون غطاء شرعي، وأن أي اتفاق أمني مع إسرائيل خارج إطار القرارات الأممية وبلا تفويض شعبي يُعد خطوة غير قانونية وتفريطاً بالحقوق الوطنية. سلطة غير منتخبة لا تمتلك الصلاحية للتوقيع أو الإيداع أو التنازل عن حقوق سيادية، وأي خطوة بهذا الاتجاه يجب أن تُواجه برفض قانوني ودبلوماسي واضح.
 
ملاحظة للقارئ: لمن يرغب بالاطلاع على النصوص والوثائق الأصلية التي تُشكّل مرجعيات هذا المقال، يمكن الرجوع إلى الروابط التالية:
-قرار مجلس الأمن 242 (1967)
-قرار مجلس الأمن 338 (1973)
-اتفاق فكّ الاشتباك السوري–الإسرائيلي 1974 – UN Peacemaker
-قرار مجلس الأمن 350 (1974) وتفاصيل قوة مراقبة فك الاشتباك – UNDOF Mandate