في الأنظمة الديمقراطية تُعدّ المنافسة السياسية مظهراً من مظاهر الوعي المجتمعي، ومؤشراً على نضج التجربة الانتخابية. غير أن هذه المنافسة تفقد معناها حين تتحول من ساحة لتقديم البرامج والرؤى إلى ميدان لتبادل الاتهامات وتغذية الانقسام والتسقيط الإعلامي.
إن جوهر العمل السياسي يقوم على مبدأ التنافس في خدمة الوطن، لا في تقويض الخصوم. فكل مرشح يدخل المعترك الانتخابي عليه أن يدرك أن الأصوات لا تُكسب بالشعارات أو الخطابات الانفعالية، بل بما يقدمه من مشروع وطني متكامل يلامس هموم المواطن ويعالج مشاكله بموضوعية وصدق.
التسقيط السياسي، وإن بدا للبعض وسيلة لكسب الأنصار، إلا أنه في الحقيقة يعكس ضعفاً في الفكر وفقراً في الرؤية، لأنه يختزل العمل السياسي في منطق الصراع لا البناء. ومن هنا فإن الحاجة تزداد إلى وعي جماهيري يميّز بين من ينافس بشرف ومن يهاجم بدافع التشويه.
العراق اليوم بحاجة إلى نُخَبٍ تؤمن بأن الإصلاح لا يتحقق بالضجيج الانتخابي، بل بالعمل المؤسساتي الراسخ، وبأن المسؤولية الأخلاقية هي أساس الثقة بين المرشح والناخب.
إن المنافسة الشريفة هي ركيزة الديمقراطية الحقيقية، لأنها تفتح الباب أمام الإبداع والتكامل، وتمنح العملية السياسية بعدها الإنساني والأخلاقي، بعيداً عن التعصب والانقسام.