• اخر تحديث : 2025-09-28 21:00
news-details
إصدارات الأعضاء

اتفاقات أمنية مع إسرائيل… واقعية أم فخّ جديد؟


(نقاش هادئ في قضية وطنية كبرى)
 
انتشرت في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي أطروحات تعتبر أن على سوريا الجديدة التوجه إلى «تفاهمات أمنية» مع إسرائيل باعتبارها خطوة ضرورية لتخفيف الأعباء وحماية المدنيين. وباعتبار أن هذه القضية وطنية كبرى تتعلق بمستقبل البلاد، من واجبنا التعامل معها بهدوء ومنطق القانون والسياسة، بعيدًا عن الشخصنة أو المزايدات، لإيضاح مكامن الخلل في الطرح ومخاطره على المصلحة الوطنية السورية.
 
١- خلطٌ بين «التفاهمات الأمنية» و«شرعنة الاحتلال»
يقول المدافعون عن سياسة السلطة الانتقالية إن الترتيبات الأمنية المؤقتة، كما في فيتنام أو كوريا، لا تعني اعترافًا سياسيًا بالخصم بل إدارة للمخاطر.
لكن الحالة السورية مختلفة جذريًا؛ فالتفاهمات الأمنية في ظل احتلال الجولان من دون تحفظات واضحة وصريحة قد تُفسَّر دوليًا كإقرار بالأمر الواقع وشرعنته، كما حصل مع بنود أوسلو التي استُخدمت ضد الطرف الفلسطيني.
 
٢- من يملك حق التوقيع؟
يرى المدافعون أن أي إدارة انتقالية مسؤولة عن صون السلم والأمن، ولها أن توقّع تفاهمات إجرائية، كما فعلت السلطة الفلسطينية أو إدارات البوسنة.
 
غير أن المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة تتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، لا بحكومات انتقالية لدول ذات سيادة. صلاحيات الحكومة الانتقالية يجب أن تكون محدودة في «تسيير الأعمال» إلى أن تُستكمل الشرعية الشعبية أو الأممية. بلا تفويض شعبي أو قرار أممي واضح، يصبح التوقيع على تفاهم أمني مع إسرائيل تجاوزًا للصلاحيات ورهنًا لمستقبل الدولة.
 
وفوق ذلك، فإن هذه الحكومة الانتقالية – بحسب ما وثقه «المرصد السوري لحقوق الإنسان» – لم تُظهر كفاءة في حماية المدنيين أصلًا، بل ارتكبت مجازر بحق مواطنين سوريين في الساحل والسويداء، وأخرى متنقلة في مناطق مختلفة أدت إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف مواطن. فكيف يمكن لمن فشل في أداء واجبه الأساسي أن يمنح نفسه شرعية توقيع تفاهمات مع قوة احتلال تمس مستقبل البلاد وسيادتها؟
 
٣- كامب ديفيد ليست فزّاعة… بل درس
يؤكد أنصار هذا التوجه أن المقارنة مع كامب ديفيد غير صحيحة لأن ظروف سوريا اليوم مختلفة عن مصر 1979.
 
لكن اختلاف الظروف لا يُلغي الدرس السياسي: إسرائيل بارعة في استخدام الاتفاقات المرحلية لتجزئة الموقف العربي وكسب شرعية مجانية. السوريون بحاجة إلى تفاوض قوي مشروط، لا إلى تكرار أخطاء الماضي في صيغة جديدة.
 
٤- الواقعية لا تعني التنازلات المجانية
يُروّج البعض لفكرة أن رفض التفاهمات يعني ترك الميدان للفوضى أو هيمنة الطرف الآخر.
 
غير أن القبول غير المشروط أخطر بكثير. هناك بدائل عملية: توسيع التحالفات الإقليمية، تفعيل الضغط القانوني والدبلوماسي، تعزيز الدفاعات المحلية لرفع كلفة العدوان. تصوير المشهد وكأن الخيار الوحيد هو بين «الرفض» أو «التفاهمات» تضليل للواقع.
 
٥- الخبرة الخارجية لا تغني عن الشرعية الداخلية
يستند أنصار السلطة الانتقالية إلى القول بأن التشاور مع دول كبرى مثل تركيا والسعودية يمنح القرار السوري الجديد خبرة متراكمة.
 
لكن التشاور مع دول صديقة – رغم أهميته – لا يُعفي من ضرورة الشفافية والمساءلة الشعبية. أي اتفاق أمني يجب أن يُناقش داخليًا بوضوح، لا أن يُحاك خلف أبواب مغلقة أو في غرف التفاوض السرية.
 
٦- الاتفاقيات ليست سهلة التعديل
يُطرح أحيانًا أن أي اتفاق أمني مرحلي يمكن تعديله لاحقًا أو إلغاؤه إذا تغيرت الظروف.
 
لكن التجربة الدولية تثبت أن تعديل الاتفاقات بعد توقيعها مع إسرائيل شبه مستحيل من دون أثمان سياسية باهظة، خصوصًا أن المادة 62 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تفرض شروطًا صارمة جدًا لإجراء هذا التغيير.
 
الخلاصة: الوطنية عقلٌ واستراتيجية لا شعارات
الوطنية لا تعني الرفض المطلق ولا القبول المتسرع، بل صياغة استراتيجية تفاوضية واضحة تقوم على:
١. تفويض شعبي حقيقي لأي تفاهم أمني.
٢. وضع خطوط حمراء مكتوبة تمنع الاعتراف الضمني بالاحتلال.
٣. ربط أي تفاهم مرحلي بخارطة طريق واضحة نحو حلّ نهائي عادل.
٤. تحصين الموقف القانوني أمام المنظمات والمحاكم الدولية.
 
بدون هذه الشروط، تتحول «البراغماتية» إلى «شرعنة أمر واقع» وتفقد سوريا أوراقها التاريخية في لحظة حرجة.
 
إن فتح هذا النقاش ليس بابًا للمزايدة أو التخوين، بل حرصًا على المصلحة الوطنية السورية، وحماية حقوق أجيال قادمة دفعت أثمانًا باهظة لتحرير وطنها. فالاتفاقات الأمنية ليست قدَرًا محتومًا، بل أدوات يمكن أن تُحسن إذا صيغت بشروط، أو تُسيء إذا جاءت في لحظة ضعف دون ضمانات.
 
المراجع والاتفاقيات الدولية:
 
ميثاق الأمم المتحدة، المادة 73:
UN Charter – Chapter XI, Article 73
 
اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، المادة 62:
Vienna Convention on the Law of Treaties – Article 62
 
قرارات مجلس الأمن الخاصة بالجولان:
قرار مجلس الأمن 242 (1967)
قرار مجلس الأمن 497 (1981)
بيانات «المرصد السوري لحقوق الإنسان» حول الانتهاكات ضد المدنيين (2023–2025):
Syrian Observatory for Human Rights
تجارب التفاهمات الأمنية المؤقتة:
 
اتفاقات فيتنام (1973)
 
اتفاق الهدنة الكورية (1953)
 
اتفاقية دايتون للسلام في البوسنة (1995)
 
اتفاقيات أوسلو (1993)