• اخر تحديث : 2025-10-08 15:26
news-details
مقالات عربية

كيف يكون استشهاد القادة تفوقا؟... السياق التأريخي لحزب الله يثبت ان عناصر تطوره مازالت قائمة


بمناسبة مرور سنة على عروج شهيد الأمة السيد حسن نصر الله (قدس) ولكي نثبت ان استشهاد القادة المجاهدين ليس خسارة بل هو ربح ولطف من الباري تعالى، هذا الاثبات يحتاج الى قراءة تأريخية لتطور المقاومة اللبنانية وكونها سارت عشرات السنين في خط صعودي، ومادامت خلفيات وعوامل الصعود حاضرة ومستمرة فلا يمكن توقع حالة نزول او تراجع، وحين يتضح الماضي بعناصره واهمها دماء القادة الشهداء يصبح توقع المستقبل ممكنا.
 
منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948 اصبح لبنان على تماس مباشر مع الصهاينة، وكانت مشاركة الجيش اللبناني في الحروب العربية على الكيان محدودة. ومع انتقال الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى لبنان بعد أحداث أيلول الأسود 1970، تحوّل الجنوب اللبناني إلى ساحة مواجهة مفتوحة، ما مهّد لتشكّل مقاومة متجذرة.
 
وفي سبعينيات القرن الماضي، برز الإمام موسى الصدر كمفكر وقائد استثنائي في لبنان واعلن عام 1974 تأسيس “حركة المحرومين”، ثم أنشأ جناحها العسكري “أفواج المقاومة اللبنانية – أمل”. 
 
حملت الحركة مشروعين متداخلين: مواجهة الاحتلال الصهيوني، ورفع الغبن التاريخي عن الطائفة الشيعية والمناطق المهمّشة.
 
لكن جريمة خطف وتغييب الإمام الصدر عام 1978 في ليبيا شكّلت فراغاً قيادياً، الا ان حركة أمل استمرت تحت قيادة نبيه بري، وأخذت موقعاً أساسياً في المعادلة اللبنانية. 
 
اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 فتح الباب أمام صراع دموي دام 15 عاماً، تداخل فيه التوظيف الطائفي مع التدخلات الإقليمية والدولية لخدمة الصهاينة، فبرزت الميليشيات المسيحية كـ”الكتائب” و”القوات اللبنانية”، والفصائل الفلسطينية، والحركات الإسلامية واليسارية.
 
انتهت الحرب بتوقيع اتفاق الطائف 1989 الذي أعاد هيكلة النظام السياسي اللبناني على أساس المحاصصة في السلطة.
 
الأهم في مقررات اتفاق الطائف أنه نصّ على حلّ جميع الميليشيات اللبنانية، باستثناء المقاومة في الجنوب ضد الاحتلال الإسرائيلي. 
 
هذا الاستثناء منح المقاومة شرعية دستورية – سياسية، استمرت حتى اليوم، باعتبارها “مقاومة وطنية مشروعة” وليست ميليشيا خارج الدولة.
 
وقد شكل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 نقطة تحوّل تاريخية. 
 
اذ تأسس حزب الله ورفع شعار المقاومة حتى تحرير الأرض، وهو الذي دحر الاجتياح الصهيوني للبنان، كما قاد الحزب سلسلة عمليات استنزاف ضد الاحتلال في الجنوب والبقاع الغربي. 
وسطع نجم قادته كالشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي، ومن ثم السيد حسن نصر الله الذي تولى القيادة منذ 1992. 
 
ومع الوقت تبلور الثنائي الشيعي: حركة أمل كقوة سياسية – برلمانية، وحزب الله كقوة عسكرية مقاومة.
 
الانتصارات والتحولات الكبرى بدأت منذ 1993 و1996 حيث شهدت العدوانين الصهيونيين“تصفية الحساب” و”عناقيد الغضب” وقد فشلا في إنهاء المقاومة، وفي سنة 2000 جرى الانسحاب الانهزامي الصهيوني من الجنوب دون قيد أو شرط (باستثناء مزارع شبعا وكفرشوبا)، وهو أول انسحاب صهيوني قسري بفعل المقاومة، لا نتيجة اتفاق سياسي. هذا الحدث رفع رصيد حزب الله داخلياً وعربياً، وكرّسه كقوة منتصرة.
 
وفي عام 2006 شكلت حرب تموز محطة مفصلية، إذ صمدت المقاومة 33 يوماً بوجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة مدعومة امريكيا واوربيا. وقد رسخت هزيمة الكيان الصهيوني معادلة ردع متبادل لا تزال قائمة حتى اليوم.
 
بعد عام 2006، انتقل حزب الله من قوة حرب عصابات إلى قوة شبه نظامية بترسانة صاروخية دقيقة. 
 
ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تدخّل الحزب عسكرياً للدفاع عن محور المقاومة وحماية لبنان من التنظيمات التكفيرية، وبذلك عزز موقعه الاقليمي، وربطه أكثر بمحور يمتد من إيران إلى العراق وسوريا وفلسطين واليمن، فيما واصل تعزيز معادلة الردع مع الصهاينة.
 
بدأ الكيان الصهيوني وداعموه الغربيون محاولاتهم لاضعاف حزب الله وحركة امل باستخدام المخالفين في الداخل اللبناني، فبرزت قوى مناوئة للمقاومة مثل “القوات اللبنانية” بزعامة سمير جعجع، وحزب الكتائب، وقوى 14 آذار (تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي لفترة) وبعضها كانت له علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني.
 
هذه القوى حظيت بدعم سياسي ومالي وإعلامي من الولايات المتحدة، فرنسا، والسعودية، هذا الاستعراض يؤكد السياق الصعودي للمقاومة، واستحالة تراجعها، فكل العوامل التأريخية المرتبطة بظهورها وتطورها مازالت قائمة، ولعل التطور الاكبر في مسار حزب الله والمقاومة اللبنانية هو اندماجها مع محور المقاومة الاقليمي الكبير وتصديها المباشر لنصرة فلسطين في تعاون ميداني عالي المستوى مع المقاومة الفلسطينية.