• اخر تحديث : 2025-10-21 10:06
news-details
إصدارات الأعضاء

الانتخابات البرلمانية العراقية 2025 بين المقاطعة الصدرية وتحولات المزاج الشعبي


يستعد العراق لخوض سادس انتخابات برلمانية منذ عام 2003 في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في أجواء سياسية معقدة ومغايرة تماماً لما شهدته البلاد في الدورات السابقة. هذه الانتخابات تأتي وسط تحولات كبيرة في المزاج الشعبي، وتراجع الثقة بالعملية السياسية، ووسط حدث مفصلي يتمثل بإعلان زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، مقاطعة الانتخابات ودعوة أنصاره إلى عدم المشاركة. وهو موقف يُتوقع أن تكون له انعكاسات عميقة على شكل المنافسة ومستقبل النظام السياسي في البلاد.
 
يدخل العراق مرحلة انتخابية مثقلة بالإرهاق السياسي والاجتماعي، إذ تراجعت ثقة الجمهور بالمؤسسات المنتخبة وبالأحزاب التقليدية التي هيمنت على المشهد منذ عقدين. الانقسامات بين القوى الشيعية والسنية والكردية ما زالت قائمة، وإن اتخذت شكل “تحالفات مصلحية” أكثر من كونها برامج وطنية واضحة. وفي المقابل، تعاني الحكومة الحالية من ضعف في الأداء الاقتصادي، واتهامات بعدم القدرة على ضبط الفساد أو تحقيق إصلاحات حقيقية. 
 
وفي هذا السياق، تمثل مقاطعة التيار الصدري — وهو التيار الشعبي الأكبر والأكثر تنظيمًا داخل المكون الشيعي — ضربة قاسية للتوازنات الانتخابية التي بنيت خلال الدورات الماضية.
 
يشكل التيار الصدري قاعدة جماهيرية ضخمة تمتد في محافظات الوسط والجنوب، وكان خلال الانتخابات السابقة عاملاً حاسماً في تشكيل الكتل البرلمانية والحكومات المتعاقبة. غيابه عن المنافسة سيترك فراغاً سياسياً يصعب ملؤه، وقد يدفع نحو ثلاثة احتمالات رئيسية: 
 
1- انخفاض نسبة المشاركة العامة: المقاطعة الصدرية قد تشجع قطاعات واسعة من الجمهور، خصوصًا الشباب المحبطين من الطبقة السياسية، على الامتناع عن التصويت، مما يضعف الشرعية الشعبية للانتخابات المقبلة.
 
 2- إعادة توزيع النفوذ داخل البيت الشيعي: القوى السياسية الشيعية الأخرى — مثل الإطار التنسيقي — قد تسعى لملء الفراغ عبر استقطاب جمهور الصدر أو التحالف مع قوى مدنية صغيرة، ما يعيد رسم موازين القوى داخل المكون الشيعي نفسه. 
 
3- إضعاف التوازن الوطني العام: المقاطعة ستفقد العملية الانتخابية أحد أعمدتها الجماهيرية، ما قد يؤدي إلى برلمان أحادي التوجه، تسيطر عليه كتل ذات طابع محافظ أو موالٍ لجهات خارجية، وهو ما قد يهدد التوازن الوطني والاستقرار الاجتماعي.
 
 ثالثًا: مزاج الناخب العراقي بين الاحباط والرغبة بالتغيير يُظهر الشارع العراقي اليوم انقساماً واضحاً في الموقف من الانتخابات:
 
1- فئة ترى أن المشاركة لم تعد مجدية في ظل غياب الإصلاح الحقيقي وعودة الوجوه ذاتها.
 
 2- فئة أخرى تؤمن أن التغيير ممكن عبر صناديق الاقتراع، إذا ما تم تنظيم الصفوف وإيجاد بدائل سياسية نزيهة تعبّر عن صوت المواطن لا عن المحاصصة. لكن المؤشر العام يوحي بتراجع الحماس الشعبي، خاصة في المدن التي شهدت احتجاجات واسعة في السنوات الأخيرة، مثل بغداد، والنجف، والناصرية، والبصرة. ويُخشى أن تتحول المقاطعة إلى ظاهرة عامة تعمّق الفجوة بين الشارع والنظام السياسي.
 
رابعًا: التنافس الانتخابي في ظل غياب التيار الصدري القوى المشاركة ستواجه ساحة انتخابية “مفتوحة” لكنها خالية من الحماس الجماهيري.
 
1- الإطار التنسيقي يسعى إلى تعزيز موقعه عبر تحالفات انتخابية مدروسة ومحاولة الظهور كضامن للاستقرار.
 
2- القوى المدنية والمستقلون قد يجدون فرصة استثنائية لتوسيع حضورهم، بشرط أن يتمكنوا من تنظيم خطاب موحد وبرامج واقعية.
 
3- القوى السنية والكردية تتابع المشهد بحذر، وهي تدرك أن غياب التيار الصدري قد يمنحها هامش تأثير أكبر في تشكيل الحكومة المقبلة. 
 
خامساً: بين المشاركة والمساءلة المقاطعة، من منظور سياسي، هي رسالة احتجاج قوية، لكنها في الوقت نفسه تضع العراق أمام معضلة الشرعية التمثيلية. فكلما تراجعت نسب المشاركة، كلما تقلصت شرعية البرلمان والحكومة المقبلة، مما يضعف موقع الدولة أمام الشارع وأمام المجتمع الدولي. وفي المقابل، قد يرى البعض أن الانسحاب الصدري قد يفتح الباب أمام “ولادة سياسية جديدة” إذا نجحت القوى الصاعدة في ملء الفراغ بخطاب وطني جامع.
 
الانتخابات العراقية المقبلة ستكون اختباراً حاسماً للنظام السياسي بأكمله. فإما أن تكون بداية مرحلة تصحيح المسار عبر تعزيز المشاركة وإعادة الثقة بالمؤسسات، أو أن تتحول إلى محطة أخرى من الإحباط السياسي والتباعد الشعبي.
 
مقاطعة التيار الصدري قد لا تُسقط العملية الانتخابية، لكنها ستعيد رسم حدود التأثير السياسي وتكشف حقيقة المزاج العراقي العام، الذي يبدو اليوم بين حيرةٍ من الماضي وخوفٍ من المستقبل، وبين رغبةٍ صادقة في التغيير وشك في إمكانية تحقيقه.