مما لاريب فيه أن سورية التي صمدت أمام أعتى حربٍ كونيةٍ في التاريخ الحديث، ها هي تلملم جراحها، وذاهبة بخطى ثابتةٍ نحو مسار استعادة دورها الريادي التي كانت تؤديه، قبل بدء الحرب المذكورة، ليس فقط على المستوى العربي فحسب، بل على المستوى الدولي أيضًا.
وبدت المؤشرات إلى ذلك بالظهور في بداية الصيف الفائت، حين قرر الاتحاد الأوروبي إزالة شركة "أجنحة الشام" السورية للطيران من قائمة عقوباته، كرسالةٍ إيجابيةٍ من الاتحاد تجاه دمشق.
بعد ذلك، وبرغم هول الكوارث التي خلفها الزلزال الذي ضرب منطقة "شرق المتوسط"، غير أن هذا الحدث الأليم والكارثي، حرك مسار تطبيع علاقات بعض الدول الأوروبية مع سورية، وإن يكن من الباب الإنساني، وذلك بعد هبوط طائراتٍ آتيةٍ من أوروبا في المطارات السورية، في إطار تقديم المساعدات الإغاثية لمتضرري الزلزال المذكور.
وفي سياق منفصل، تقدم النائب الجمهوري المحسوب على اليمين مات غيتز، في الأيام القليلة الفائتة، بمشروع قرارٍ إلى مجلس النواب الأميركي، يلزم الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأميركية من سورية. ولاريب أيضًا أن هذا المشروع يصب إطار عودتها إلى وضعها الذي كانت عليه ما قبل ربيع العام 2011، تاريخ بدء الحرب الكونية على الشعب السوري.
أما على المستوى العربي، وتحديدًا الخليجي، فإن اللقاءات والاتصالات الأمنية والسياسية قائمة بين سورية والسعودية، منذ العام 2018 دون انقطاعٍ، بحسب تأكيد مصادر عليمة وموثوقة. ثم جاء الزلزال الكارثي الذي ألّم بسورية وتركيا، ليعزز الانفتاح السعودي على سورية، من خلال تقديم المساعدات السعودية الى منكوبي الزلزال، وذلك بعد هبوط الطائرات السعودية في المطارات السورية، إثر انقطاعٍ دام نحو عقدٍ ونيّف.
وفي سياق الانفتاح الخليجي على دمشق وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع سورية، جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى سلطنة عمان في الأيام القليلة الفائتة، ولقائه السلطان هيثم بن طارق. ومعلوم أن للسلطنة باع طويل، ودور فعّال في مجال إدارة المفاوضات الرامية إلى حل النزاعات بين الدول، كالجهود التي بذلتها عُمان لوقف الحرب على اليمن، واستضافة السلطنة للمفاوضات الإيرانية- السعودية، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
وفي إطار زيارة الأسد للسلطنة، يلمح مرجع لبناني إلى أن الرئيس السوري قد يكون التقى خلال هذه الزيارة، شخصية عربية كبيرة ومؤثرة في المنطقة، من دون أن يفصح عن التفاصيل. غير أن مصادر متابعة لمسار إعادة تفعيل العلاقات السورية- الخليجية، تستبعد حصول أي لقاءٍ، سوى اللقاء الثنائي السوري- العماني المعلن.
وفي الوقت عينه، تؤكد هذه المصادر دور السلطنة في حسن إدارة المفاوضات لحل النزاعات بين الدول، جازمةً أنها ستؤدي دورًا رياديًا في إعادة تفعيل العلاقات السورية- الخليجية.
وتعقيبًا على كل ما ورد آنفًا، تعتبر مصادر في المعارضة السورية، ألا تغيير مهم في الموقف الدولي تجاه دمشق، ومن غير المنطقي، تعليق الآمال في تغيير موقف المجتمع الدولي حيال السلطات السورية، على بعض المساعدات الخجولة، على حد تعبيرها.
وتؤكد أن الزلزال الكارثي، سيكون له تداعياتٍ خطرةٍ على الاقتصاد السوري وعلى الوضع المعيشي في سورية، التي تعاني حصارًا غربيًا- عربيًا ظالمًا، تختم المصادر.
أما على الصعيد اللبناني، فاللافت كان كلام الرئيس سعد الحريري، الذي تزامن وجوده في لبنان، بعد أيامٍ قليلةٍ من وقوع الزلزال الكارثي، كونه جاء لإحياء ذكرى استشهاد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط. فمعلوم أن الحريري الذي جمّد نشاطه السياسي في لبنان، لم يتطرق مع من التقاهم في بيروت إلى تفاصيل الوضع الداخلي على الإطلاق، ولكنه تناول الوضع العام في المنطقة. وأكد أنها مقبلة على مرحلةٍ جديدةٍ تسودها التفاهمات بين الدول العربية. ومن المنطقي أن ينعكس ذلك على مجمل الأوضاع في لبنان، بحسب معلومات مرجع لبناني كبير.