استضاف رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا نظراءه من مجموعة الدول الصناعية السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، في هيروشيما في الفترة من 19 إلى 21 مايو. وتأتي القمة السنوية لمجموعة السبع لعام 2023 في إطار حشد الاقتصادات الكبرى في العالم من أجل الحفاظ على الدعم لأوكرانيا، وتكثيف العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والمادية إلى الأوكرانيين المتضررين من الحرب، بالإضافة إلى إيجاد أرضية مشتركة بشأن مجموعة من القضايا العالمية، بما في ذلك كيفية مواجهة الصعود العسكري والاقتصادي المتزايد لبكين، ومعالجة آثار التغيرات المناخية.
دلالات رئيسية
ارتبط اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع في اليابان بعدد من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1– إدارة علاقة التكتل بموسكو وبكين: من أبرز المشكلات التي لا تزال تواجه المجموعة، صعوبة إدارتها التهديد المزدوج لروسيا والصين؛ فبينما تتبع الولايات المتحدة أحياناً نهج المواجهة تجاه الصين، فإن الأعضاء الآخرين أقل حرصاً على إثارة المواجهة مع بكين؛ حيث يحاولون تجنب تنفير الصين في الوقت الذي يحاولون فيه زيادة عزلة روسيا؛ إذ سبق أن أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال رحلته إلى الصين قبل قمة مجموعة السبع، إلى ضرورة تجنب الاتحاد الأوروبي الانجرار إلى الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، وهو ما أثار ردود فعل عنيفة من بعض المشرعين الأمريكيين.
2– مواجهة التهديدات العالمية: يتزامن انعقاد القمة مع وجود العديد من التهديدات الرئيسية التي تواجه دول المجموعة، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا؛ حيث تتركز المناقشات على الحفاظ على الدعم لأوكرانيا قبل هجومها المضاد المخطط له، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الالتفاف على العقوبات؛ لضمان إلحاق الضرر الاقتصادي بروسيا، كما يواجه العالم أزمة غذاء عالمية متفاقمة جزئياً عن الحرب، ولعل هذا ما تجلى مع استمرار تأكيد دعوة مجموعة السبع لروسيا خلال قمة 2022 إلى وقف الهجمات على البنية التحتية الزراعية الأوكرانية.
كما تظل الشواغل المناخية في المقدمة؛ حيث أوضح المستشار الألماني أولاف شولتز، أنه يريد تطوير مجموعة السبع إلى “نادٍ للمناخ”. وقبل قمة 2023، التزم وزراء مجموعة السبع باتفاقية مشتركة جديدة بشأن حماية المناخ وأمن الطاقة؛ وذلك ضمن جهود خطة تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
3– دور عالمي أكبر لليابان: تعد هذه القمة اختباراً مهماً لنفوذ طوكيو العالمي؛ حيث يسعى كيشيدا إلى تضخيم صوت اليابان، وحشد الدعم الدولي لأمنها القومي وللعديد من القضايا الدولية الراهنة؛ فعلى سبيل المثال، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، انضمت اليابان إلى الحكومات الأخرى لإعادة النظر في عضوية روسيا في مجموعة السبع، وقاطعت قمة بوتين لمجموعة الثماني آنذاك في سوتشي، ولكن العقوبات التي فرضتها اليابان في ذلك الوقت كانت أقل شدةً بكثير من نظيراتها الأوروبية؛ لأن رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، أراد التفاوض على معاهدة سلام مع بوتين.
ولكن في المقابل اليوم، كان كيشيدا مشاركاً صريحاً في الإدانة الدولية لروسيا، بل وعمل بشكل وثيق مع الدول الأوروبية لتنسيق الاستجابات السياسية، بما في ذلك انضمام بلاده إلى مناقشات الناتو حول كيفية إدارة المساعدات الأمنية لأوكرانيا.
وفي سياق آخر، اختار كيشيدا لمدينة هيروشيما – التي سبق أن دمرتها الولايات المتحدة منذ نحو 78 عاماً – لتكون ملتقى مجموعة السبع هذا العام؛ بهدف تركيز انتباه العالم على ضرورة الحد من التسلح؛ وذلك على خلفية تهديدات روسيا باللجوء المحتمل إلى الأسلحة النووية، بجانب البرامج النووية لكوريا الشمالية وإيران؛ ما أثار مخاوف عديدة من احتمالية زيادة انتشارها؛ لذا أشارت اليابان إلى أنها ترغب في استخدام هذا الاجتماع فرصةً لمناقشة “تحقيق عالم خالٍ من الأسلحة النووية”، وهو أمر من المرجح أن تكون القوى النووية للمجموعة متحفظةً بشأنه، بالرغم من إظهارها الدبلوماسي العلني بأنها مؤيدة له.
4– دعم ياباني للدول الأفريقية بالقمة: اتصالاً بالنقطة السابقة، وعلى الرغم من وجود زعيم أفريقي واحد فقط – وهو رئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس جزر القمر غزالي عثماني – في هيروشيما، فقد بذلت اليابان جهداً لمغازلة الحكومات الأفريقية؛ فاستعداداً لقمة 2023، زار كيشيدا مصر وغانا وكينيا وموزمبيق في أواخر أبريل وأوائل مايو الجاري؛ حيث إنه بالنسبة إلى طوكيو، يعتبر هذا التواصل في جزء منه محاولة لمواجهة نفوذ الصين في القارة، ولا سيما تصدير صورة أنها ستكون صوت إفريقيا خلال قمة الكبار السبع، تلبيةً لمساعدتها في مواجهة تحدياتها الاقتصادية، وعلى رأسها التضخم وغلاء المعيشة وارتفاع مستويات الديون.
5– إظهار تضامن أكبر مع دول الجنوب: يحتاج قادة مجموعة السبع إلى النظر في الشعور السائد بين العديد من دول الجنوب بأن القوى الغربية – التي تركز على أوكرانيا – تتجاهل مخاوف الدول والشعوب في أماكن أخرى من العالم؛ فبالنسبة إلى العديد من هذه البلدان، فإن التضخم وصدمات السلع الأساسية والديون المتزايدة هي التهديدات الرئيسية في الوقت الحالي، وتلقي باللوم على أعضاء مجموعة السبع والدول الأخرى ذات الاقتصادات المتقدمة في تفاقم هذه التحديات من خلال تشديد المعروض النقدي المحلي لترويض التضخم؛ ما أدى إلى تفاقم أزمة الائتمان العالمية، بيد أن قادة المجموعة يسعون إلى تأكيد أن هذه الاتهامات غالباً ما تكون غير عادلة، بل أنهم على استعداد للتصدي للتحديات التي يواجهها بقية العالم.
ملفات القمة
استعرضت قمة مجموعة السبع العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، التي يمكن إيجازها على النحو التالي:
1– استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا: تعهَّد قادة مجموعة السبع بضمان استمرار دعمهم الكامل لكييف، مؤكدين وقوفهم الجاد ضد ما سموها “الحرب الروسية غير المبررة ضد أوكرانيا”، كما أشار الزعماء إلى حصول أوكرانيا على الدعم الذي تحتاجه في موازنة العام الجاري وأوائل عام 2024، مع تجديد التزامهم بتزويدها بالدعم المالي والعسكري في حربها مع روسيا. وذكر الزعماء، في بيان صادر عن قمتهم، أنهم سيتخذون خطوات جديدة لضمان فشل العدوان الروسي.
ومن جانبه، وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤخراً على خطط لتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات مقاتلة أمريكية من طراز (F–16)، وهي التدريبات التي من المرجح إجراؤها في أوروبا خلال الأشهر المقبلة. ويأتي القرار الأمريكي للقضاء على شكوك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من احتمالية عدم استمرار توريد طائرات مقاتلة غربية لتعزيز دفاعات بلاده ضد الحرب الروسية التي استمرت لنحو 15 شهراً.
2– فرض المزيد من العقوبات على موسكو: أقر قادة مجموعة الدول الصناعية السبع عقوبات جديدة على روسيا على خلفية حرب أوكرانيا، وقال الزعماء إنهم يتواصلون مع دول أخرى من أجل تجنب تدفق سلعها وتقنياتها إلى روسيا عبر دول ثالثة، وهي مسألة أصبحت مصدر قلق أكبر للدول الأعضاء وأوروبا؛ حيث يريد أعضاء مجموعة السبع اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي تحايل على العقوبات من شأنه أن يسمح بزيادة الإيرادات الروسية.
وقد شملت العقوبات قيوداً على صادرات سلع مثل الماس، وحرمان موسكو من التكنولوجيات والمعدات الصناعية، كما تشمل هذه التدابير قيوداً على صادرات منتجات أساسية لروسيا في ساحة المعركة، كما تستهدف كيانات متهمة بنقل معدات إلى جبهات القتال لحساب موسكو.
وعلى صعيد منفرد، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في يوم 19 مايو الجاري، عن إضافة 71 كياناً إلى القائمة التجارية السوداء بسبب دعمها لروسيا، فضلاً عن توسيع نطاق القيود المفروضة على صادرات روسيا وحليفتها بيلاروسيا، التي طالت مشروعات النفط والغاز. من جانبها، أعلنت المملكة المتحدة أيضاً عن عقوبات جديدة تجمد أصول 86 شخصاً ومنظمة مرتبطة بقطاعات الطاقة والمعادن والدفاع والنقل والقطاعات المالية في روسيا.
3– اتباع نهج متوازن مع بكين: لا تزال الخلافات قائمة بين الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية إدارة علاقاتهما المشحونة بشكل متزايد مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولكن في بيان القمة المشترك، تحدث القادة بصوت واحد عن سلسلة من المواقف المتعلقة بالصين، بما في ذلك الحاجة إلى مواجهة الإكراه الاقتصادي، من خلال اتخاذ التدابير اللازمة لتقليل التبعية المفرطة في سلاسل التوريد، ومكافحة الممارسات الخبيثة في نقل التكنولوجيا، والكشف عن البيانات، وحماية التقنيات المتقدمة التي يمكن أن تهدد الأمن القومي، مع تأكيد أن التعاون مع بكين لا يزال ضرورياً، مشيرين في ذلك إلى أن نهج سياستهم ليس مصمماً لإلحاق الأذى بالصين، بل أنهم يدعون إلى إقامة علاقات مستقرة وبناءة معها.
وبشأن القضايا الخلافية الجيوسياسية، أكد القادة الكبار الحاجة إلى السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وحثوا الصين على الضغط على روسيا لإنهاء هجومها على أوكرانيا، كما اعتبروا أن تعزيز الصين ترسانتها النووية يشكل مصدر قلق للاستقرار العالمي والإقليمي.
4– مواجهة التغيرات المناخية: كان تغير المناخ أيضاً موضوعاً رئيسياً في اجتماع قادة المجموعة؛ حيث تعهدوا بأن بلادهم ستقود تحول النظام الاقتصادي والاجتماعي نحو اقتصادات خالية من الكربون ودائرية ومرنة للمناخ وخالية من التلوث وإيجابية للطبيعة. وأشار القادة أيضاً إلى أنهم سيراقبون عن كثب التطور السريع للذكاء الاصطناعي، من خلال دفع المناقشات حول حوكمة الذكاء الاصطناعي وقابلية التشغيل البيني، بما يتماشى مع قيمهم المشتركة.
5– التعهد بتقديم الدعم للدول النامية: أظهر قادة السبع الكبار دعمهم والتزامهم بتلبية الاحتياجات المتزايدة للبلدان الضعيفة، التي تفاقمت بسبب الحرب الأوكرانية، ولا سيما تصاعد أزمة الغذاء العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة، عازمين في ذلك على استمرار تقديم المساعدة السريعة للبلدان والسكان المتضررين، بما في ذلك من خلال التحالف العالمي للأمن الغذائي (GAFS)، فضلاً عن مواصلة دعم تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية، من خلال ممرات التضامن بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، ومبادرة حبوب البحر الأسود (BSGI)، بجانب التزامهم بالإجراءات التعاونية الملموسة من أجل تعزيز أمن الطاقة وتحقيق الالتزامات المناخية.
تحفظات مضادة
أثارت القمة العديد من التحفظات من قبل المجتمع الدولي، وتحديداً روسيا والصين باعتبارهما المستهدفين الرئيسيين منها؛ لذا يمكن تناول أبرز تداعيات القمة كما يلي:
1– استياء صيني من بيان القمة: أبدت الصين استياءها الشديد من بيان مجموعة السبع، واتهمت القمة بتشويه سمعتها ومهاجمتها بشأن بحر الصين الجنوبي وحقوق الإنسان. وقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إلى أن بلاده قد قدمت احتجاجاً رسميّاً لدى اليابان، باعتبارها البلد المضيف للقمة، ولدى الأطراف الأخرى المعنية.
وردّاً على اتهاماتها للصين في ملف تايوان، نددت الخارجية الصينية بإصرار مجموعة السبع على توجيه الاتهامات للصين من دون اتخاذ موقف واضح إزاء الحركات الاستقلالية التايوانية، وأشارت إلى أن مجموعة السبع لا تدخر جهداً في إظهار مدى سعيها إلى تحقيق عالم ينعم بالسلام والاستقرار والازدهار، لكنها في الحقيقة تعوق السلام العالمي، وتلحق الضرر بالاستقرار الإقليمي، وتكبح تنمية البلدان الأخرى.
2– رفض روسي لقرارات القمة: أوضح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن قرارات دول مجموعة السبع تستهدف احتواءً مزدوجاً لروسيا والصين، مشيراً إلى أن الغرب يستخدم كييف أداةً لإلحاق هزيمة استراتيجية بموسكو، مضيفاً أن المهمة حُدِّدت على مرأى ومسمع من الجميع؛ وهي هزيمة روسيا في ساحة المعركة، لكن ليس للتوقف عند هذا الحد، وإنما لإزاحتها بصفتها منافساً جيوسياسيّاً.
هذا وقد اعتبر لافروف أن تصرفات المجموعة تقود إلى طريق مسدود، خاصةً أن الغرب يمارس ضغوطاً على الدول لقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا، في حين أن بلاده تحظى بدعم كبير من الحلفاء، معلناً أن موسكو بدأت مرحلة المواجهة الحادة مع الناتو، متهماً الاتحاد الأوروبي بأنه فقد سيادته وبات تابعاً لواشنطن.
3– امتعاض منظمات الإغاثة الدولية: أعربت منظمات الإغاثة عن خيبة أملها إزاء نتائج قمة مجموعة السبع؛ وذلك بعدما تعهد القادة بتقديم 21 مليار دولار فقط للتصدي للأزمات الإنسانية العالمية، كما فشلت في إلغاء الديون أو تخفيف حدتها، وفشلت في التوصل إلى ما هو مطلوب حقّاً لإنهاء الزيادة الهائلة في معدلات الجوع حول العالم، في حين أنه في إمكانهم دائماً توفير مليارات طائلة للحرب، ولكن لا يمكن حتى توفير نصف ما تحتاجه الأمم المتحدة لأكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً (55 مليار دولار)؛ لذا تعتبر منظمات الإغاثة أن التمويل المتاح أصبح نادراً؛ ليس بسبب المساعدات الإنسانية لأوكرانيا ولاجئيها، بل أيضاً من جراء الإنفاق الهائل على شحنات الأسلحة.
خلاصة القول: مما لا شك أن قادة مجموعة السبع قد خرجوا من المناقشات في هيروشيما معلنين أنهم متحدون في مواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا والصعود الصيني، بحيث قد تكون هذه الرسالة ضرورية للأغراض المحلية. ولكن مع ذلك، فإنه يمكن اعتبار القمة بمنزلة محفز على توحيد الصف بين روسيا والصين اللتين تم اتهامهما بشكل شبه مشترك، بدلاً من كونها قمة لتوحيد الصف الغربي حول معالجة القضايا العالمية المشتركة. أما بالنسبة إلى العديد من البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل، فهي تعتبر أن القيادة العالمية للقوى الغربية قد فشلت في مساعدتها على معالجة المشكلات الاقتصادية، خاصةً أن الاقتصاد العالمي ذاته – الذي يقوده الغرب في الأساس – لا يزال غير مستقر.