• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات عربية

ما بعد الاحتجاجات: لماذا الصراع بين الرئيس والنهضة حول تعديل الحكومة التونسية؟


في السابع والعشرين من يناير الماضي، دخل المناخ السياسي في تونس مرحلة الشحن إثر موافقة البرلمان في 26 يناير الجاري على تعديل حكومي تضمن إدخال عدد من الوزراء الجدد في حكومة هشام المشيشي التي تشكلت في 24 أغسطس الماضي، حيث دعم 144 نائبًا التعديل الجديد. وساهمت التعديلات المقترحة في زيادة حدة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، على خلفية إعلان الرئيس "قيس سعيد"، في 25 يناير، رفضه التعديل الوزاري بحجة وجود وزراء تطالهم شبهات فساد، غير أن "المشيشي" اختار الاستقواء بالأغلبية البرلمانية التي تقودها حركة "النهضة" ليحصل على الثقة بأغلبية مريحة. ورغم مرور أسبوع على نيل التعديل الجديد ثقة البرلمان؛ إلا أن رئيس الجمهورية رفض دعوتهم أمامه لأداء اليمين الدستورية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لإضفاء مزيد من التعقيد على المشهد التونسي، كما يُتوقع أن تُسهم مصادقة البرلمان على التعديل في تأجيج صراع دستوري بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.

تجاذبات التعديل الحكومي:

أعلن الرئيس التونسي في اجتماعه مع مجلس الأمن القومي رفضه التعديل الوزاري، مشيرًا إلى أنه لن يقبل بأن يؤدي وزراء تُحيط بهم شبهات فساد القسم الدستوري أمامه، كما وصف التعديل بــ"غير الدستوري"، خاصة وأن الفصل 89 من الدستور التونسي ينص على أن يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، كشرط أساسي لمباشرة عملهم، بعد نيلهم ثقة البرلمان.

التصريحات الرئاسية الحادة ضد التعديل على حكومة "المشيشي"، علّق عليها رئيس البرلمان "راشد الغنوشي"، مشيرًا إلى أن دور رئيس الدولة فيه "رمزي وليس إنشائيًّا"، وهو الأمر الذي فتح فصلًا جديدًا في الصراع بين القوى السياسية التونسية.

والواقع أن خصوصية الحدث المتعلق بالتعديل الحكومي لم تقتصر فقط على الرئيس ورئيس حركة النهضة، فقد دخلت الكتل البرلمانية المناهضة للرئيس على خط الأزمة، وفي الصدارة منها "ائتلاف الكرامة"، وحزب "قلب تونس"، الذي طالب بتفعيل فصل عزل رئيس الجمهورية.

من جانب آخر، أبدت القوى السياسية تباين في توجهاتها السياسية مع حركة النهضة، فعلى سبيل المثال وصف أمين عام حركة (مشروع تونس) محسن مرزوق دعوة الغنوشي لإقامة نظام برلماني كامل بأنها "تعبير صادق عن فكره الانقلابي العميق".

 كما وصفت حركة "تونس إلى الأمام" دعوة الغنوشي، بأنها "انقلاب" على شرعية رئيس منتخب من 3 ملايين تونسي. ولم تقتصر مناهضة التعديلات الوزارية على القوى السياسية السابقة. فمن جهتها، أعلنت كتل: التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وتحيا تونس، وكتلة الإصلاح؛ رفضها منح الثقة لهذا التعديل الحكومي. كما دعت في 24 يناير الماضي رئيسة رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسى كتلتها البرلمانية (16 مقعدًا)، لمقاطعة الجلسة البرلمانية المنوط بها منح الثقة للتعديلات الوزارية التي طرحها رئيس الحكومة "هشام المشيشي".

توجهات متعارضة:

ثمة اتجاهات متعارضة بين الرئيس "قيس سعيد"، وائتلاف الغالبية في البرلمان بقيادة حركة "النهضة" رسختها التعديلات الوزارية الأخيرة، وزادت من حدتها. فبينما تقف أسباب عدة وراء إصرار الرئيس التونسي على رفض التعديلات الحكومية التي تم تمريرها، في الصدارة منها تحفظات "قيس سعيد" على بعض الوزراء الجدد. وثانيها مخاوف الرئيس من هيمنة حركة "النهضة" على الحكومة من جديد، خاصة في ظل احتماء "المشيشي" بالحركة والكتل البرلمانية المتحالفة معها لتمرير التعديلات على حكومته.

وثالثها أن التعديل الوزاري -بحسب الرئيس "قيس سعيد"- لم يحترم الدستور، وتحديدًا ما نص عليه الفصل 92، أي ضرورة التداول في مجلس الوزراء إذا تعلق الأمر بإدخال تعديل على هيكلة الحكومة. ويعود رابعها إلى مناهضة الرئاسة لهيمنة الرجال على التعديلات الوزارية، وهو ما يرتبط بتصريحات الرئيس السابقة "أن المرأة قادرة على تحمل المسؤوليات كاملة وقادرة على العطاء".

في المقابل، يدعم حزب النهضة والكتل البرلمانية المتحالفة معه التعديلات، لاعتبارات متنوعة، أولها أنها ساهمت في تقليل نفوذ الموالين للرئيس في الحكومة، حيث أطاح التعديل الجديد بوزراء مقربين من رئيس الجمهورية، منهم "توفيق شرف الدين" وزير الداخلية، والمسؤول سابقًا عن الحملة الانتخابية لــ"قيس سعيد"، إضافة إلى وزراء الثقافة والعدل والصحة. ويرتبط ثانيها بحرص حركة النهضة على تثبيت هيمنة البرلمان كمصدر للشرعية. وفي هذا السياق جاءت دعوة "الغنوشي" لضرورة تبني البلاد نظام الحكم البرلماني، وأكد "الغنوشي" في تصريحات له في 30 يناير الماضي على أن "تونس تعيش صعوبات المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني"، وأضاف: "النتيجة تكمن في إقامة نظام برلماني كامل فيه فصل حقيقي بين السلطات، وتكون فيه السلطة التنفيذية في يد الحزب الفائز بالانتخابات".

وتسعى حركة النهضة إلى تصعيد أزمة التعديلات الحكومية للتغطية على الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ منتصف يناير من العام الجاري بسبب فشل الإجرءات التقليدية التي اتخذتها الحكومة المدعومة من "النهضة" في معالجة تفاقم التردي الاقتصادي، حيث انخفضت معدلات النمو إلى ما دون الصفر، ناهيك عن زيادة معدل البطالة، والذي وصل إلى ما يقرب من 16.2%، إضافة إلى ارتفاع مستويات التضخم، وتراجع سعر صرف العملة التونسية (الدينار) أمام الدولار.

مسارات محتملة:

على الرغم من سعي قطاع واسع من النخب التونسية إلى تعزيز حالة الاستقرار السياسي التي تمثل نقطة استناد استراتيجية في تعبئة موارد خارجية لإنقاذ الميزانية التونسية، لكن تصاعد الخلاف الدستوري والسياسي حول التعديلات الوزارية التي شهدتها حكومة "المشيشي" مؤخرًا تشير إلى أن ثمة مسارين محتملين:

1- تصاعد الصدام: مع تأكيد الرئيس التونسي "قيس سعيد" عدمَ دستورية التعديلات الحكومية الأخيرة، وحصوله على دعم قطاع من كتل برلمانية لا تُخفي عداءها لحركة النهضة؛ يظل الارتباك هو العنوان الأبرز في المشهد التونسي. وقد تتصاعد فرص الصدام بعد تصريحات أطلقها رئيس الحكومة "هشام المشيشي" عشية التصديق على الوزراء الجدد، حيث قال إن إجرءات التعديل الحكومي جاءت "بعد تقييم قام به كرئيس للحكومة، طبقًا لما يخوله له الدستور من صلاحيات"، وتابع: "توجهت إلى البرلمان الذي اختاره شعبنا ليكون مصدرًا للشرعية، ونلنا منه الثقة". لذا، يبدو مستبعدًا تراجع الكتل البرلمانية الداعمة لحكومة "المشيشي" عن مواقفها الداعمة للتغييرات الوزارية الأخيرة، خاصة في ظل سعيها لاستيعاب الضغوطات الشعبية الراهنة.

 في المقابل، ليس متوقعًا تراجع الرئيس "قيس سعيد" عن رفضه لتعيين وزراء جدد يتهمهم بالتورط في قضايا فساد. كما يتوقع أن يصبح الرئيس أكثر صرامة في مواجهة البرلمان بعد تلويح الأغلبية البرلمانية الداعمة لحكومة "المشيشي" بعزله. صحيح أن هذه العملية لا يمكن أن تتم إلا عبر المحكمة الدستورية المعطلة منذ سنوات، أو من خلال الأغلبية التي تتجاوز ثلثي المجلس "145 نائبًا"، وهي غير متوافرة؛ لكن لا بد وأنها أثارت استياء الرئيس.

2- تجميد الخلاف: ثمة عوامل تدفع باحتمال التوجه نحو تجميد الخلاف حول قضية التعديل الحكومي، أولها المخاوف من الانعكاسات السلبية المحتملة حال تفاقم واستمرار الاحتجاجات التي تشهدها شوارع تونس منذ مطلع العام الجاري، خاصة مع تنامي دعوات إلى محاصرة المقرات الحكومية، وبخاصة مقر البرلمان. وثانيها حاجة البلاد لتعبئة موارد مالية خارجية تُقدر بنحو 6 مليارات دولار لتمويل ميزانية العام الجاري 2021، فمنذ مصادقة البرلمان على مشروع الميزانية الجديدة في 10 ديسمبر الماضي، لم تكشف الحكومة عن تدابير محددة لتمويل الميزانية.

ويعود ثالثها إلى أن النخب التونسية تعي أن الاقتصاد التونسي ليس ذاتي التمويل، وإنما يعتمد بالأساس على التدفقات الاستثمارية الخارجية، وعلى السياحة. هنا، يبقى مهمًا ضرورة التوجه نحو معالجة قلق دوائر مالية عالمية، أبدت مخاوفها صراحة من تداعيات حالة الاحتقان السياسي على أوضاع الاقتصاد الذي لا ينقصه مزيد من التراجع.

ختامًا، يمكن القول إنه بالرغم من التعقيدات التي يشهدها الداخل التونسي، وتصاعد حدة الأزمة المعيشية، فقد تتجه أطراف الأزمة نحو توظيف الأزمة الراهنة لتمرير مصالح آنية وضيقة، وبخاصة حركة النهضة التي تعتبر الأزمة مدخلًا يمكن البناء عليه لتثبيت هيمنتها على الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى تعزيز التوجه نحو إقرار صيغة الحكم البرلماني.