يعتبر كل من إيران والمملكة العربية السعودية منافسان تقليديان في الشرق الأوسط والخليج الفارسي وقد أدى هذا التنافس في بعض الأحيان إلى العداء والمواجهة العسكرية. لهذا السبب یتجه كلا البلدين لتحقيق التوازن الخارجي في مواجهة بعضهما البعض. ولهذه الغاية، فإن التعاون مع القوى العظمى یعتبر خيارا فعالاً لطهران والرياض. بالطبع، لا تحاول إيران والسعودية إقامة علاقات استراتيجية مع القوى العظمى فحسب، بل تحاولان أيضًا منع الطرف الآخر من تعميق العلاقات مع شريكهما الاستراتيجي في المستوى الممكن. علی سبیل المثال لم تتقبل المملكة العربية السعودية، فكرة حل النزاع الإيراني الأمريكي حول الاتفاق النووي. من هذا المنظور يمكن تقييم العلاقات بين طهران والرياض مع قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي على أساس التنافس الإقليمي بين البلدين.
في الوقت نفسه، يمكن اعتبار جمهورية الصين الشعبية أيضًا عضوًا في نادي القوى العظمى. لكن الصين كقوة ناشئة، تحاول تجنيب نفسها الانخراط في الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وبالتالي لدی بكين الرغبة في تقوية العلاقات مع إيران والسعودية دون أن تتأثر بالصراعات بينهما. هذا في الوقت الذي أثارت علاقات الصين مع كلا البلدين حساسية من جانب اخر. فتعزيز العلاقات مع كل من الطرفين لا سيما في قضايا مثل مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري وصادرات الطاقة، له تأثير على التنافس الإقليمي بين طهران والرياض.
لا يمكن للصين أن تتجاهل الخلافات واسعة النطاق بين إيران والسعودية. لذلك، يتعين على بكين إدارة التوتر في مثلث الصين وإيران والسعودية بما يخدم مصالحها. ويمكن تسمية استراتيجية الصين لإدارة الوضع الراهن بـ "إستراتيجية الحماية"، وهو مفهوم مقتبس من القضايا الاقتصادية والتجارية وهي عبارة عن مجموعة من التدابير التي تقلل من مخاطر الاستثمار. دخل هذا المفهوم في أدبيات العلاقات الدولية خلال العقد الماضي، ويطلق علی الأساليب غیر العسكرية مثل السلوك الاقتصادي والدبلوماسي والتنظيمي الذي تبنته قوى من الدرجة الثانية لمواجهة أعمال الهيمنة وفي نفس الوقت لحمایة ردود الفعل المهيمنة المحتملة.
إن استراتيجية الحماية بهذا المعنى تشبه ذلک التوازن الناعم في العلاقات الدولية. يمكن أن تمتد هذه الاستراتيجية أيضًا إلى علاقات القوى العظمى مع القوتين الإقليميتين. في هذه الحالة، ستحاول القوة العظمى (بمعنى الصين في هذا المقال) الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع قوتين إقليميتين متنافستين (إيران والمملكة العربية السعودية) باستخدامها استراتيجية التحصين.
بطريقة لا تضر اي طرف في علاقته مع الطرف الآخر. تبرز أهم مظاهر هذا الوضع في توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشامل بين الصين والسعودية عام 2016 ومع إيران عام 2020.
كما ذكرنا، فإن قضایا الطاقة والأمن هما من أهم القضايا في استراتيجية الحماية الصينية، حيث تسعی الصین، تماشياً مع استراتيجية التحصين، إلى تنويع مصادر الطاقة، وخاصة النفط من أجل عدم مواجهة المشاكل في المواقف الحرجة. تعتبر منطقة الخليج الفارسي، التي تضم أكبر موارد نفطية في العالم، أحد مصادر النفط الرئيسية للصين في المستقبل.
وبالتالي، فإن الشرق الأوسط بشكل عام والخليج الفارسي بشكل خاص لهما أهمية كبيرة بالنسبة للصين. في عام 2019، زودت دول الخليج الفارسي بنحو 44٪ واردات الصين من النفط، وفي خضم ذلک تتصدر المملكة العربية السعودية بنسبة 16٪ المرتبة الأولى. وتحتل إيران المرتبة التاسعة في صادرات النفط إلى الصين، بنسبة 3٪ بالاشتراك مع عدة دول أخرى. يمكن رؤية استراتيجية التحصين الصينية في قطاع النفط، في أحداث مثل إستیلاء إيران علی عدة ناقلات أجنبية في عام 2019 والضربات العسكرية بطائرة بدون طيار على منشآت النفط السعودية.
على الرغم من المكانة الرائدة للسعودية في صادرات النفط مقارنة بالصين، فإن بكين، على عكس القوى الكبرى الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لم تحمّل إيران مسؤولية الهجمات، مباشرة، مؤكدة على ضبط النفس، کما أنها لم تحمل إيران مسؤولية الاستيلاء علی ناقلات النفط کما فعل السعوديون وحلفائهم الأمريكيون.
يعتقد بعض المحللين أن الصين تعتزم زيادة مرونة طهران في مواجهة العقوبات من خلال الالتفاف على العقوبات وشراء الحد الأدنى من النفط من إيران، وبالتالي منع طهران من التهديد بإغلاق مضيق هرمز. لذلك، من الواضح أن هناك مخاوف لدى الصين من أن إيران ستعطل بشكل خطير عبور الطاقة في مضيق هرمز وتتسبب في توقف عبور الطاقة إلى الصين. بالتالي، لا يمكن لبكين أن تتجاهل قضية الأمن في الخليج الفارسي، التي تمثل إيران والسعودية أطرافها الرئيسية. ومع ذلك، فإن الصين دولة ليس لديها التزامات سياسية وأمنية سابقة في المنطقة ولديها قدرات عسكرية وأمنية أقل بكثير من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج الفارسي. لذلك، من المستبعد على الصين أن تقدم أي عرض لدعم إيران أو لتوفير الأمن في الخليج الفارسي يتعارض مع المصالح المباشرة للمملكة العربية السعودية كحليف استراتيجي للولايات المتحدة.
وبالتالي، فإن خلق مجال جوي اقتصادي لإيران أثناء الحظر هو نوع من استراتيجية التحصين الصينية مقابل التصعيد والتوترات في المنطقة لمنع إيران من اتخاذ إجراءات جذرية. من جانب آخر، فإن العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الصين والمملكة العربية السعودية هي أيضًا بمثابة عامل توازن علی صعيد سياسة الصين تجاه طهران والرياض. على سبيل المثال، بلغت استثمارات الصين في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2020 حوالي 40 مليار دولار، بينما كان هذا الرقم في الجمهورية الإسلامية حوالي 26 مليار دولار. کما يشير حجم التجارة الخارجية للصين مع هذين البلدين إلى رغبة بكين في الحفاظ على علاقات جيدة مع البلدين في الوقت نفسه. لا شك في أن بكين في خضم التنافس الإيراني السعودي تفكر في مصالحها الاقتصادية وليس لديها حافز للتضحية بطرف من أجل الآخر. مع هذا، فإن حجم العلاقات التجارية الصينية مع إيران والسعودية تظهر أن البلاد في إطار "استراتيجية تحصين"، تخضع لمعادلات دولية وضغوط هيكلية سائدة في المنطقة وليست على استعداد لدفع ثمن فشل العقوبات، إلا بقدر ما تساهم في سياسة ضبط النفس الايرانية في المنطقة.
انخفض حجم العلاقات التجارية بين الصين وإيران وزادت مع السعودية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. حيث انخفضت واردات الصين من إيران من 16 مليار دولار في 2015 إلى حوالي 13.4 مليار دولار في 2019. لكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد ارتفع هذا الرقم من 30 مليار دولار في عام 2015 إلى أكثر من 54 مليار دولار في عام 2019.على الرغم من أن الصين، في سياق استراتيجيتها التحصينية، تسعى إلى ضمان عدم تأثير الخلافات الثنائية بين إيران والسعودية بشكل سلبي على علاقاتها مع البلدين، إلا أن بكين تفتقر إلى الرغبة والاستعداد للتعامل مع الضغوط الهيكلية والدولية. كما استفادت المملكة العربية السعودية من الوضع الحالي إلى أقصى حد، وحسّنت قدر الإمكان علاقتها التجارية مع الصين.اٍنّ الدافع الرئيسي للصين هو جني فوائد اقتصادية من مبيعات الأسلحة. وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، احتلت الصين المرتبة الرابعة عالميًا كأكبر مصدر للأسلحة في العالم في عام 2019 بحوالي 1.5 مليار دولار، ويبدو أنها مستعدة لدخول سوق الأسلحة العالمي بشكل أكثر جدية في السنوات المقبلة.
يمكن اعتبار مناورات الأسلحة المشتركة مقدمة لهذا الأمر. في هذا الصدد، يمكن أن نذكر المناورات المشتركة للصين مع إيران والسعودية. على سبيل المثال، في عام 2016، أجرت المملكة العربية السعودية والصين أول مناورة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب في مقاطعة شينجيانغ الصينية.
جدير بالذكر أن السعودية قامت حتى الآن بمثل هذه المناورات سابقا مع الولايات المتحدة. وفي نوفمبر 2019 أيضًا، أجرت البحرية الصينية والسعودية تدريبات بحرية لمدة ثلاثة أسابيع في قاعدة الملك فيصل البحرية. بعد شهر واحد بالتحديد، أطلقت الصين وإيران، إلی جانب روسيا، مناورة بحرية واسعة النطاق في بحر عمان وشمال المحيط الهندي.
بناءً على الأدلة السابقة، يمكن الاستنتاج أن الصين تريد تعزيز التعاون العسكري والأمني مع الجانبين دون التورط في المعادلات الأمنية والصراعات القائمة بين إيران والمملكة العربية السعودية.