ربما ضجة الهجوم على السفينة "ميرسر" بالقرب من عمان ليلة الخميس أكثر صخباً من الانفجار ذاته؛ حيث قُرئ على الوجه الذي قُصد أن يُفهم منه، فكانت الردود عاكسة لمضمون الرسالة وخطورتها. لقد أدرك العدو الرسالة وتفاعل معها بمدلولاتها وعمق تأثيرها.
لا يحتاج المراقب جهوداً خارقة وتحليلات عميقة ليعلم أن الأحداث المؤثرة لا ينفذها إلا متدافعون في زحمة تناقض المصالح في الشرق وتضاد الأهداف وتعارض المشاريع.
إن حرب سيف القدس من بدايتها حتى نهايتها مروراً بكل محطاتها أثبتت للعدو أن كل مصدر قوة وسلاح تصنعه وتبتكره وتحصل عليه المقاومة ومحورها سيصيبها في نحورها، ولن يصدأ في المخازن ولن يتحول عبئاً، ولن تقيده الإجراءات لا الحصار ولا العقوبات.
العدو أقدر على تقييم سياساته وتحديد مآلاتها، لن يؤرق هجوم السفينة بالقرب من عمان أحداً سوى الإسرائيليين ،ولن يستعصي الحدث عن ربطه بأحداث أخرى ربما شكلت دافعاً ومحدداً لطبيعة الهدف وطريقة التنفيذ، حيث هاجمت مسيرتين جسر القيادة بقصد القتل وكأن الحدث يعبر عن مكنون الخطة ومراد المنفذ ،لا نُقتَل في سوريا ويؤمن رأس الصهيوني ومصالحه في كل مكان.
إن اختيار المكان والزمان والطريقة أضفت على هذا الهجوم قيمة إضافية في نقطة ضعف استراتيجية يعاني منها العدو أشد معاناة، حيث تزيد واردات العدو وصادراته عن 92% من حجم الداخل والخارج عبر البحر.
انفعال العدو ومسارعته للتصدي لإمكانية التغير الاستراتيجي في البيئة الإقليمية في محيطه جعله يعتقد أنه حقق نجاحاً معتمداً على إنجازات تكتيكية لا يمكن من خلالها تحديد نسبة الاعتراض وحجم النجاح في ظل تصد ومواجهة لسياساته بصبر واتزان وحكمة توظف الزمان لخدمة استراتيجية المواجهة وتوسيع رقعتها على جبهات مختلفة وجغرافيات متنوعة تجعل العدو بالرغم من حجم الدعم في الميزانية الذي بلغ في 2021 - 58 مليار شيكل، و 3 مليار دولار منحة أمريكية تضاف لهذا الرقم الفلكي عاجزاً عن بناء قدراته بحيث تتعامل مع تحديات أمنية حالية ومستقبلية في آن واحد وعلى جبهات متعددة و(أعداء) منتشرين، وكيف ستحافظ في ظل هذه المستجدات على جهوزيتها من حيث الإمكانات والتشكيلات لمواجهة جميع ما تراه من تهديدات.
لقد ثبت للعدو أن كل ما لدى المقاومة من مقدرات ستُستخدم حتماً في مواجهة مفتوحة أو عمليات متفرقة، ولن تصدأ ولن تفقد قيمتها لمميزات ومواصفات تتصف المقاومة فيها، بينما تشدق العدو وتباهيه بابتكار المعارك بين الحروب لاستنزاف محور المقاومة قد فشل بالفعل من خلال المعارك والمواجهات، فلم تعد دولة الاحتلال قادرة على المبادرة لوحدها بل تحولت إجراءاتها لردات فعل ناتجة عن مبادرات المقاومة المستمرة، ولم تعد قادرة على خوض حروب بدون قتال، ولا قتال بدون قتلى، ولا معارك وحروب تنتهي بنصر .
أيام أول حول، فلا احتساء للشاي والتسلي بالمكسرات والبزورات من الجمهور الصهيوني، بينما جيشه يخوض معارك خلف الخطوط بعيداً عن الجمهور الذي يسند ويصنع ويدعم كل مجهودات الحرب وماكنة القتل والتدمير، فلا حروب استباقية ولا نقل للمعارك لأرض العدو ولا حسم ولا حتى قدرة على الحصول على صورة نصر والقادم أعظم بالتأكيد، واعلموا يقيناً أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله.