لا تغطى الشمس بغربال، ولا يمكن إنكار المشهود إلا من الغائب الغافل فتطورات الأحداث تتحدث عن ذاتها كماً ونوعاً، لم تكن يوماً الرغبات والأمنيات للاعبين المؤثرين الكبار خافية
مواجهة صفرية تدار بأدوات تكتيكية وفق استراتيجية تخدم رؤية معلنة، ربما تحول ما بين الرغبات والأماني التعذر والإمكان عن تحقيقها في هذا التوقيت، لكنها قائمة في وعي وتطلعات اللاعبين حاضرة في سردية الأطراف من خلال حالة التدافع والمواجهة المستمرة على اختلاف تسمياتها وتعليلاتها كامنة في عباب أيديولوجية اللاعبين معبر عنها بأدبياتهم وخطاباتهم السياسية والإعلامية، لكن ما الذي استجد حتى يتفجر الوضع بهذا الشكل والمستوى؟
النوايا لم تتغير ولن تتبدل لا في الماضي ولا الحاضر وربما المستقبل، والأهداف ثابتة ومعلنة والتوجهات باتجاه تحقيقها ظاهرة للعيان من خلال اعتماد سياسات والإصرار على استمرار تنفيذها، عملياً على الأرض بأشكال متعددة وأماكن وأزمنة مختلفة في مشهد يدلل على أن تغير ما حصل حتى انعكس في ممارسة اللاعبين كما نشاهد في المضائق والبحار وفي وعاء التغيير وحيز التدافع والتنافس.
إن أبرز ما يمكن رصده من تغييرات في المشهد غياب لاعبين وصعود آخرين من بين الأكثر تأثيراً في رسم وإرساء السياسات.
على صعيد الولايات المتحدة صعود الديمقراطيين بقيادة بايدن الذي كان قد وعد بتغيير سياسات الولايات المتحدة في التعامل مع إيران علماً أنه أكد الموقف من مواجهة طموحات إيران النووية بحزم ومنعها من تحقيق ذلك، إلا أن تقليص انتشار القوات الأمريكية وانسحابها من جغرافيات محيطة بإيران في ظل تقليص مستمر في العديد والعتاد يشجع إيران في تعميق بناء بيئة استراتيجية داعمة ومساندة في تحقيق أهدافها الإقليمية والدولية.
هذه التغييرات في البيت الأبيض تزامنت مع غياب نتنياهو وصعود نفتالي بينت على رأس حكومة مكونة من 8 أحزاب لا تجمعها إلا التناقضات والاختلافات العميقة يحكمها بستة مقاعد، يضاف لذلك فقر في الخبرة السياسية والأمنية وضعف حاضنة فكرية وأيديولوجية، ظرف تمر به المنطقة قد لا يتكرر وبيئة خصبة لمحاولة إحداث التغيير والضرب على جدران الخزان في حالة مثالية تمر على السياسة الداخلية في الكيان، وبيئة إقليمية مترددة تمر بأحداث عاصفة ومرحلة انتقالية تفصل ما بين ربيع عربي فاشل وثورات مضادة مرفوضة عاجزة عن تحقيق ما يبرر وجودها ويعوض الشعوب عن فقدان بوصلتها في تحقيق طموحها وأمانيها، بينما تبدو إدارة بايدن بالانسحاب من المنطقة.
كل ذلك يتقاطع مع عملية تغيير في النظام الحاكم في طهران بعد صعود المحافظين بقيادة رئيسي الذي ذاع سيطه بإيمانه بتصدير الثورة والحزم في رعاية وحماية الفكرة الثورية التي قامت عليها الثورة واعتمد عليها نظام ولاية الفقيه في الدولة.
لذا لن تكون هذه الأحداث والتطورات منقطعة مبتورة عن تأثير التغييرات في الأشخاص الذين يصنعون التاريخ ويحدثون التحولات في محطاته الفارقة سلماً وحرباً، إنما مقدمة لأحداث قادمة ومواجهات متوقعة قد تفضي إلى تغييرات جذرية، فحالة التزاحم في الشرق هائلة، وكل اللاعبين يريدون تحقيق أهدافهم، بينما اللاعبين الصغار يخشون في خضم شدة هذا التدافع والتزاحم أن يفقدوا حكمهم وأحزابهم وفي حالات ربما أوطانهم، الأمر الذي ينذر بصعود لاعبين وأفول شمس حضور آخرين، بيئة تدفع باتجاه التكتل وستتقلص مساحة الحياد وستزداد قيم الاحلاف.