في الماضي لم تنتظر دولة الاحتلال خطرا كامنا يتهددها، فسرعان ما تنقض عليه في عملية استباقية لتحرير هذا الخطر وتحييده .
هذه العقيدة العسكرية والسياسة العامة المتبعة في التعامل مع التهديدات الناشئة على مستوى كيانات ومجموعات (معادية) انبنت على عامل عجز الاقتصاد تحمل استنزاف الطاقة البشرية من المصانع والمشاغل والشركات المنتجة في الجبهات والخطوط المتقدمة للجيش والمؤسسات الأمنية، وغياب العمق الجغرافي الذي لم يعد له قيمة عليا في عهد الصواريخ والمقذوفات.
دولة الاحتلال دائماً ما بادرت نظراً لأن الضربة تكاليفها أقل من سياسة المراهنة على الوقت والانتظار حتى زوال تهديدها بثمن استنزاف الطاقة البشرية .
غياب الديناميكية وبنية القوات العسكرية العربية في الماضي لا تؤهلها لرفع قيمة ثمن هذه السياسة ولا تمكنها من تدفيع العدو ثمن المبادرة بعكس ما يجري في الوقت الحاضر ، حيث أثبتت دراسات العدو التي أجراها في كل مراكز الأبحاث المتخصصة في الشأن العسكري والأمني أن المبادرة أو الاستباق في ظل تركيبة المقاومة وبناء قوتها وطبيعة انتشارها وخفة حركتها وسهولة ورحابة مناورتها وقدرتها على إخفاء مقدراتها ومقراتها وطرق إمداد عدتها وعديدها كلفتها باهضة ونتائجها غير مضمونة.
خلاصة هذه الدراسات لم تنبني على دراسات نظرية وإنما قامت على تجارب عملية من خلال الحروب والمواجهات والمعارك المتعددة في العقدين الأخيرين .
معركة سيف القدس أظهرت أن العدو بقواته التقليدية عجز عن تحديد مواقيتها عسكرياً وإنهاء المواجهات فيها بعيداً عن الاتفاقات السياسية .
حيال هذه التطورات أصبح العدو يواجه ثلاث جبهات تنشط في الرد على العدو أو المبادرة من خلال الضغط عليه فيضطر إلى التروي في الرد والمواجهة بما لم يُعهد عليه ولا يتوافق مع عقيدته التي سادت ورسخت في التعامل مع تحديات مماثلة في الماضي .
العدو يشخص التغيير الحاصل ولم يعتبره تحالف وتعاقد في الجبهات وثيق، إنما فهم وإدراك نابع من قراءة النتائج والتشارك في الخبرات والتقاطع في المصالح، لكنه مرتبك لا يريد الدخول في حرب شاملة ولا يثق بأنه في أي رد سيملك ضبط إيقاعه وعدم خروجه عن مستواه، بحيث يتحول من رد محدود تكتيكي إلى حرب شاملة يقتضي إجراءات لا يضمن نتائجها ولا يملك مساحتها ومواقيتها.
لم تعد المعارك ما بين الحروب حلاً يعالج التحديات ويمنع بناء مناخات وبيئات استراتيجية تخل في المعادلة وتجعل العدو أقل قدرة على المبادرة والمناورة في أي مواجهة قادمة.
أسوأ ما يمكن توقعه يواجهه العدو الآن مع أن قدرته على البطش وامتلاك مصادر القوة لا زالت ماثلة ،لكنه يهضم ويستوعب في المتغيرات الخطرة على غير طيب خاطر.
لم يكن ليتحقق ما يحيط بالعدو من كل جانب دون التضحيات دون الفقر والضعف الاقتصادي، المعاناة في السفر والتنقل في التعليم والصحة
دون الصبر والتخطيط
وما كان من إجراءات لمنع ما حصل ويشاهده العدو ويعجز عن التعامل معه مع أنه يحدد خطورته لولا الصبر على كل الإجراءات التي تمت بإيعاز من العدو وتبن من الولايات المتحدة وتماه من حلفائها وسقوط مدو من دول عربية وإسلامية للأسف .
العدو يريد ويحدد ما يريد ،لكنه لا يعي ولا يستطيع معرفة ثمن هذه الرغبة وحدودها ، وإذا ما كانت المبادرة أنفع من الصمت والاستيعاب .
هذه الحالة وهذا الارتباك هو من وفر للعدو في العقود الماضية قدرة على التوسع وترسيخ الاحتلال وتعميق الشرخ وزرع الرعب وكي الوعي العربي للأسف بأن جيشه لا يهزم ولا يقهر عندما كانت صفات ملازمة يتصف فيها العرب ولا يعاني منها العدو.
إن حدود قدرة العدو على المبادرة لم تعد موجودة كما كانت وحالة الإرباك التي يعاني منها والتردد التي يعيشها، إنما نتاج نجاحات المقاومة على طريق استعادة الحقوق ، فلم تكن ولن تكون بدون أثمان بالغة، لكنها في الطريق الأسرع والأقصر نحو التحرير والخلاص من الاحتلال والى الابد .
)يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا وتقوا الله واعلموا يقيناً أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله).