يعدّ الجيش الروسي من أقوى جيوش العالم، ولديه ترسانة عسكرية قد تكون الأكثر فاعلية، خصوصًا لناحية إمتلاكه أدق الصواريخ الإستراتيجية، وأكثرها قوةً تدميريةً، لدى جميع جيوش هذا العالم. وبرهنت الحرب الروسية- الأطلسية، التي تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية ذلك.
غير أن هذه الترسانة، وإعتماد نمط الحروب التقيلدية، لا يكفيان لمواجهة القوات الأطلسية، على إعتبار أن الجيش الروسي لم يدخل في حربٍ كحربه الراهنة مع الحلف الأطلسي، منذ الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الوقت حتى الساعة، تطورت أساليب القتال، ودخلت فنون قتالية جديدة القاموس العسكري. أبرزها: "نمط قتال حزب الله"، وفيه دمج لنمطي الحرب التقليدية وحربة العصابات، وأثبت فاعليته الكبيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006. وخلال تطهير الأراضي السورية واللبنانية من الإرهاب التكفيري بدءًا من العام 2011 حتى اليوم.
أما التطور الأبرز في هذا المجال، هي "حرب المسيّرات"، التي برزت مؤخرًا في الحرب الروسية- الأطلسية في أوكرانيا. ويؤكد المراقبون، أنها الأكثر فاعلية ، وستسهم في تغيير المعادلات في هذه الحرب، التي باتت مسألة وجودٍ، بالنسبة لطرفي القتال. لأنها ستؤدي أما الى تثبيت النظام العالمي الآحادي الراهن، الذي تهيمن بواسطته الولايات المتحدة على العالم، أو ستؤدي هذه الحرب الى تغييره، في إنتظار ما ستؤول إليه.
أمام هذه التطورات، إندفعت واشنطن بكل قوتها لمواجهة روسيا في أوكرانيا، والصين، للحفاظ على النظام العمالي الراهن، والتصدي للصين، ومنعها من التوسع في الأسواق العالمية. لذا تحاول الولايات المتحدة مسايرة إيران، حفاظًا على المصالح الأميركية في المنطقة. وجاء إنجاز إتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة في هذا السياق، على إعتبار أن إستخراج النفط من لبنان وفلسيطن، ثم تصديره إلى أوروبا،سيسهم في التعويض عن الغاز الروسي، الذي أوقفت موسكو ضخه الى القارة العجوز. وفي الوقت عينه، سيشكل إستخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية في المستقبل، مصدر تمويل للخزينة اللبنانية، ويفتح الأفق أمام اللبنانيين، للخروج من أزمتهم المعيشية الخانقة.
وفي السياق عينه، جاء أيضًا وصول محمد شياع السوداني (القريب من إيران) الى رئاسة الوزراء في العراق، وإنتهاء حركة السيد مقتدى الصدر. وأقلقت هذه السياسة الأميركية المستجدة، المملكة السعودية، التي كانت تأمل من واشنطن، إستكمال نهج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العدائي تجاه إيران. عندها بدأت الرياض "تتدلع" قليلًا على الولايات المتحدة. وبدا ذلك جليًا، من خلال لجوء منظمة "أوبك" الى تخفيض إنتاجها النفطي، ما أثار غضب واشنطن. أضف إلى ذلك، فقد وردت معلومات تتحدث عن إمكان إعادة تفعيل العلاقات السورية- السعودية، بعد الإندفاعة التركية تجاه دمشق، التي زارها وفد من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعد إنقطاع في العلاقة دام نحو أثني عشر عامًا.
إذاً، بناءً على ما تقدم، إن المسيّرات الإيرانية فعلت فعلها، وأسهمت في قلب المعادلات على مستوى السياسية الدولية، من خلال إثبات فاعليتها في الحرب الروسية الأطلسية، وكان لهذا التطور، إنعكاسً على الأوضاع في المنطقة، وقد تنعكس على مجمل الأوضاع اللبنانية، تحديدًا لجهة عودة إنتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه.