في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2020 بدأت عملية الاقتراع في انتخابات مجلس النواب المصري، وفي 8 كانون الأول/ديسمبر المُقبِل ستنتهي عمليات الاقتراع وتُعلَن النتائج النهائية، وبعدها سيُعيِّن رئيس الجمهورية 5 في المئة من أعضاء المجلس، على أن يلتئم المجلس الجديد مطلع كانون الثاني/يناير 2021، ليبدأ فصلٌ تشريعيٌّ جديد.
تُسلِّط هذه الورقة الضوء على موقع الأحزاب السياسية المصرية في الانتخابات النيابية، ومدى إمكانية تشكيلها رقماً مُعتَبراً في النتائج النهائية لها، والتأثيرات المتوقعة لتلك النتائج في عمل البرلمان الجديد، لاسيما في الجانبين التشريعي والرقابي.
حجم مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات النيابية
تَرشَّح في الانتخابات النيابية المصرية العديد من الأحزاب السياسية، وكان الترشُّح على أسلوبين انتخابيين. أولهما أسلوب القوائم المطلقة، وله نصف عدد مقاعد مجلس النواب المنتخبة والبالغة 284 مقعداً من إجمالي المقاعد المنتخبة وعددها 568 مقعداً. وفيها تُرشح الأحزاب مرشحيها من أعضائها، ومن المستقلين الذين تتوسم فيهم خيراً. والحزب هنا هو صاحب القائمة التي قد تتشكل من حزب واحد أو وفق اتفاق بين عدة أحزاب، أو بقيادة حزب لمجموعة من الأحزاب والمستقلين. وقد قسَّم قانون مجلس النواب الرقم 46 لسنة 2015 (المُعدَّل) البلاد إلى 4 قطاعات/دوائر كبرى، يمكن للحزب أو لأصحاب الائتلاف أن يترشحوا في كلٍّ أو بعضٍ، أو في أحد تلك القطاعات/الدوائر.
والأسلوب الثاني، فردي، وفيه تُرشِّح الأحزاب مُرشَّحيها بوصفهم أفراداً عاديين، ولهم أن يعلنوا عن انتماءاتهم الحزبية، وذلك على مقاعد الدوائر الانتخابية البالغة على مستوى الجمهورية المصرية 143 دائرة. وهذا الأسلوب له بالمثل نصف عدد مقاعد مجلس النواب المنتخبة الأخرى، والبالغة 284 مقعداً من إجمالي المقاعد المنتخبة.
وفي ظل وجود نحو 104 أحزاب سياسية مصرية مُشهَرة وفق قانون الأحزاب الرقم 40 لسنة 1977، قَدَّم 36 حزباً سياسياً مُرشَّحين للانتخابات بنسبة 34,6في المئة من عدد الأحزاب المُشهَرة في مصر. وكان ضمن الأحزاب الـ 36 التي قدَّمت مترشحين 14 حزباً تقدمت للقوائم المطلقة، وهذه الأحزاب تقدَّمت للفردي أيضاً. ومن جُملة المشاركين في الشقين الفردي والقوائم من تقدَّم للفردي فقط من دون القوائم، وعددهم 22 حزباً. وأبرز من تقدَّم للقوائم والفردي مستقبل وطن، والوفد، وحماة الوطن، والشعب الجمهوري، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والمؤتمر، والإصلاح والتنمية، والتجمع الوطني التقدمي الوحدوي.
التوقعات بشأن النتائج المحتملة للانتخابات
وبحسب تصريحات قادة الأحزاب حول نسبة حصص كل حزب في تلك القائمة، يتضح أنه من ضمن الـ 284 مقعداً، فإن حصة الوفد تبلغ نحو 18 مترشحاً، والشعب الجمهوري، وهو حزب قريب الشبه من الحزب الوطني الديمقراطي المنحل والحاكم سابقاً، نحو 28 مترشحاً، وحزب حماة الوطن ذو الأغلبية من العسكريين المتقاعدين المنتمين إلى أحداث 30 حزيران\ يونيو 2013 نحو 24 مترشحاً، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي اليساري 5 مترشحين، وهناك الإصلاح والتنمية المترشح منه نحو 3 مترشحين.
علاوة على ما بين 3-7 مترشحين لباقي المشاركين في الائتلاف الانتخابي وهي الأحزاب الصغيرة المتبقية، وتنسيقية شباب الأحزاب القريبة هي الأخرى من الدولة، وبعض الشخصيات العامة من المستقلين. أما باقي المقاعد وتبلغ نحو النصف وربما يزيد فهي لحزب مستقبل وطن المُنشَأ بعد أحداث 30 يونيو 2013. وبذلك يكون حزب مستقبل وطن، خليفة تنظيم دعم مصر في البرلمان الحالي، قد هيمن آلياً على أكثر من ربع أعضاء مجلس النواب الجديد في شق القوائم. بينما ستستحوذ الأحزاب المؤتلفة معه، وعددها 11 حزباً، إضافة إلى تنسيقية الشباب وبعض المستقلين، على الربع الآخر من المقاعد في ذات الشق. وكل تلك المقاعد وعددها 284 مقعداً سيكون الاستحواذ عليها قد تم بقليل من العناء، بسبب النظام الانتخابي الكفيل بضم الأصوات التي حصلت عليها القوائم الأخرى، وكانت ما دون الـ 50في المئة إلى القائمة التي حصلت على أكثر من النصف.
وعلى هذا الأساس، يُتوقَّع أن يكون البرلمان المقبل مؤلَّفاً من حزب مستقبل وطن الداعم بقوة للدولة بنسبة تصل ما بين نصف وثلثي عدد مقاعد البرلمان المنتخبة على الأقل، بينما سيتقاسم النسبة الباقية كلٌّ من المستقلين والأحزاب السياسية الأخرى، وستكون الغلبة فيها للمستقلين وليس للأحزاب السياسية، لأن الأخيرة نسبتها ضعيفة في القوائم المطلقة لصالح تمثيل مستقبل وطن بقوة، كما أن الأحزاب في مصر على وجه العموم غائبة عن المشهد السياسي لأسباب تتصل بأمور حزبية داخلية وأمور تتعلق بتعقيدات البيئة السياسية الخارجية.
الانعكاسات المتوقعة على عمل البرلمان الجديد
في ضوء ما سبق ذكره، يمكن القول إن البرلمان المصري المقبل سيكون على الأرجح برلماناً متعاوناً مع الحكومة في المجالين التشريعي والرقابي.
ففي المجال التشريعي، سيقوم برلمان، وأغلبيته من الحزب الداعم للدولة المصرية، بتأييد التشريعيات التي ترد إليه من الحكومة، بشكل أكبر من البرلمان الحالي المنتهية ولايته مطلع يناير 2021. فالأخير كانت الانتماءات الحزبية الداعمة للدولة لا تتسم بالتماسك رغم وجودها بقوة. فتنظيم دعم مصر كان يتسم بتعدد الأبنية الحزبية داخله، وكان يصعب وصفه بالحزب، إذ كان يضم داخله أجنحة تضم أحزاب مختلفة. واليوم سيكون الأعضاء الداعمين للدولة مُنضوين تحت لواء مستقبل وطن، وهو حزب يبدو أكثر تماسكاً وليس تنظيماً هلامياً غير محدد المعالم. وهذا الحزب رغم حداثته، ترتكز ضمانة بقائه على مؤسسات الدولة ذاتها.
أما بالنسبة للمبادرات التشريعية التي سيتقدم بها أعضاء البرلمان، فكما كان حاصلاً في البرلمان الحالي سيكون تمريرها دون إزعاج مرتبط بالجهة التي تقدمها؛ فهي مضمونة العواقب لو قُدِّمت من أعضاء مستقبل وطن، والأحزاب القريبة منه في التوجه كحماة وطن والشعب الجمهوري. أما المبادرات التشريعية من المستقلين والأحزاب الأخرى بمن فيها الأحزاب الفائزة ضمن "القائمة الوطنية من أجل مصر"، كالمصري الديمقراطي الاجتماعي والتجمع والمؤتمر، فستلقى مصاعب شتى في مساعيها لتمرير مقترحاتها التشريعية من قبل الأغلبية البرلمانية أو حتى من قبل إدارة المجلس.
وفي المجال الرقابي، حيث يكون للأعضاء الحق في الرقابة البرلمانية على الحكومة بكافة أدواتها، وعلى رأسها توجيه الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات وتشكيل لجان تقصي الحقائق، فإن الأعضاء هنا على الأرجح سيصنفون وفقاً لمعيارين؛ أولهما متصل بطبيعة أدوات الرقابة البرلمانية، وهنا سيتجه الأعضاء المنتمين لمستقبل وطن والأكثر قرباً منهم لاستخدام آليات رقابية محدودة التأثر، كالأسئلة وطلبات الإحاطة. في حين سيتجه الآخرون الأكثر معارضة للحكومة إلى توجيه الاستجوابات أو طلب تشكيل لجان تقصِّي حقائق لمواجهة أية اتهامات بالفساد الإداري. وكما كان يحدث في البرلمان الحالي، فعلى الأرجح أن تلك الطلبات سترفض، وستواجه بقيود تفرضها الأغلبية إن نوقشت أو بقيود قد تفرضها إدارة المجلس قبل أن تحسم مصير مناقشاتها من عدمه.
والمعيار الثاني يتعلق بطبيعة الرقابة البرلمانية. فالغالبية العُظمى من أدوات الرقابة البرلمانية، وبغض النظر عن نوعها، سيوجه غالباً إلى الشأن الخدمي، المتصل بأمور مثل الصحة والتعليم والزراعة الري والضمان الاجتماعي وتوافر السلع والطرق والبنية التحتية...إلخ. إضافة إلى ذلك، فإن غالبية طلبات الرقابة البرلمانية ستوجه بحكم النظام الانتخابي الأغلبي - الذي يُؤثر مصلحة الدوائر على مصلحة الأمة، والخدمات الضيقة على السياسات العامة - لأبناء الدائرة وليس للدولة ككل. والمتوقع هنا بروز أدوات رقابة كثيرة داخل المجلس تتصل بتعبيد الطرق والجمعيات الزراعية ومكاتب الصحة ومديريات التعليم في المدن والقرى والجهويات، أكثر بكثير من توجيه تلك الطلبات نحو السياسات العامة.
وبهذا، فإن الأعوام الخمسة المقبلة ستشهد حالة هدوء في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتلك الحالة ربما تُنتَقَد من آخرين خارج البرلمان بسبب كثافة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن تلك الكثافة ربما تُحرِّك الأعضاء على اختلاف توجهاتهم لممارسة الضغط المحسوب على الحكومة لتنفيذ إصلاحات تحظى بالدعم الشعبي قدر الإمكان.