أولاً: الموقف
ليس الهدف من هذه الورقة السريعة المقارنة التفصيلية بين عمليتي “السور الواقي” 2002 التي شنها العدو على كامل مدن الضفة، مركزاً على مخيم جنين حيث أحاله ركاماً، وألحق بالمقاومة وبناها التحتية خسائر بشرية – تختلف فيها الاحصاءات بين احصاءات العدو حيث قال أنه قتل (اقرأ استشهاد) 58 بين مقاوم ومدني.
أما سلطة الحكم الذاتي فقد قالت أنه سقط في هذه المجزرة قرابة 500 شهيداً – كما ألحقت به المقاومة خسائر بشرية تقدر بـ 23 جندياً؛ سقط منهم 14 جندياً في يوم واحد من خلال كمين نصبه المقاومون للقوات الغازية، حيث اعتمدت فيها المقاومة، وبما تيسر لها من عدة وعتاد ورجال، اعتمدت تكتيك “دفاع الصد” و “الاشتباكات الحاسمة مع العدو، الأمر الذي يفسر الكم الكبير من الخسائر التي لحقت بالبنى التحتية والأصول البشرية للمقاومة في حينه.
ليس الهدف كما قلنا المقارنة بين تلك المعركة التي استمرت قرابة 11 يوماً، وبين ما شهدناه على مدار 48 ساعة – تقريباً – من القتال الذي دار في المعركة التي أطلق عليها العدو “منزل وحديقة” وأطلقت عليها قوى المقاومة اسم “بأس جنين”، إنما الهدف من هذه القراءة السريعة للموقف تقديم بعض الخلاصات والتوصيات التي نعتقد أنها قد تفيد في مستقبل الأيام عند خوضنا معارك أخرى مع هذا العدو الصائل.
خلاصة “الموقف” قيام العدو بشن عملية عسكرية شارك فيها ما يقارب اللواء المعزز – 1000 جندي – من مختلف الوحدات القتالية من سلاح المشاة ممثلة بـ:
تشكيل قتالي من لواء المشاة الناحال.
تشكيل قتالي من وحدة إيغوز.
تشكيل قتالي من وحدة الهندسة.
تشكيل قتالي من وحدة ماجلان.
تشكيل قتالي من وحدة الكلاب “عوكيتس”.
حيث استمرت العملية من فجر 3/7 حتى مساء 4/7/2023، حيث أعلن العدو عن بدء سحب تشكيلاته المقاتلة من داخل منطقة العمليات الساعة 21:30، بحيث يعيد تجميع قواته وإعادة تنظيمها في مناطق الحشد التي خرجت منها؛ شمالاً حيث حاجز الجلمة، شمال شرقي حيث معسكر سالم، جنوب غربي حيث مغتصبة دوغان، تمهيداً لعودة الوحدات المشاركة في هذه العملية إلى قواعدها ومعسكراتها الدائمة المنتشرة في أرضنا المحتلة فلسطين، كامل فلسطين.
ثانياً: أهداف العدو من عملية “منزل وحديقة“
أعلن العدو أن أهدافه من العملية هي ضرب بؤر المقاومة في شمال الضفة الغربية وجنين ومخيمها، وإلحاق أكبر كم ممكن من الخسائر في بُناها التحتية، وأصولها البشرية والمادية، بحثاً عن أطول مدة للهدوء في تلك المناطق، وتأميناً لمغتصباته وسكانها والطرق الموصلة لها، والتي تمر عبر قرانا ومدننا في تلك المنطقة، حيث ذكر العدو أنه في صدد ضرب ما يقارب 20 هدفاً ضمن بنك أهدافه من منطقة العمليات هذه.
ثالثا: أهداف المقاومة من عملية “بأس جنين”
أما عن أهداف المقاومة فقد تمثلت في منع العدو من تحقيق أهدافه الرئيسية، وإيقاع أكبر كم ممكن من الخسائر البشرية والمادية في القوات الغازية، وحماية وتأمين أصولها – المقاومة – البشرية والمادية المنتشرة في منطقة العمليات، قبل وأثناء وبعد العمليات.
رابعاً: مراحل العملية
المرحلة الأولى وإجراءاتها
بدأت المرحلة الأولى لعملية العدو مع فجر يوم 3/7 وامتدت حتى الساعة 23:30 حيث تحدث العدو عن بدء المرحلة الثانية من عمليته، وقد جاءت إجراءات العدو في هذه المرحلة على النحو الآتي:
إقامة مناطق حشد وقيادة ميدانية للقوات الغازية في ثلاثة مناطق محيطة بمدينة جنين ومخيمها وهي: حاجز الجلمة شمالاً، معسكر سالم شمال غرب، مغتصبة دوغان جنوب غرب.
البدء بالتقدم وتحقيق التماس مع الحافة الأمامية للمناطق السكنية في مخيم جنين، انطلاقاً من مناطق الحشد الثلاثة سابقة الذكر.
تشغيل سلاح الهندسة عبر استخدام جرافات D9 و D11 و الجرافات المدولبة من أجل تمهيد المسير أمام قوات المشاة، عبر تنظيف الشوارع مما فيها من عوائق أو عبوات أرضية يفترض العدو أن المقاومة قد زرعتها على محاور تقدمه.
نشر قناصته على المناطق المشرفة على منطقة العمليات – بنايات، مناطق مرتفعة – وتحقيق السيطرة النارية والبصرية على منطقة العمليات.
البدء في عمليات الاستطلاع القتالي الآلي والراجل، القيام بعمليات الاعتقال والتحقيق الميداني من أجل جمع واستكمال المعلومات.
البدء في عمليات الاستفزاز للمقاومين بحثاً عن تحقيق تماس معهم ودفعهم للقتال في مناطق غير مناسبة، لانزال أكبر كم ممكن من الخسائر في صفوف المقاومين.
تحييد ما يصادفونه من مقرات وورش ومخازن أسلحة للمقاومين.
وقد استمرت هذه المرحلة كما قلنا سابقاً حتى مساء 3/7 الساعة 23:30 تقريباً، لتبدأ بعدها المرحلة الثانية من عملية العدو.
المرحلة الثانية وإجراءاتها
بدأت المرحلة الثانية لعملية العدو مع مساء يوم 3/7 وامتدت حتى الساعة 21:30 من مساء يوم 4/7 ، وقد كانت إجراءات العدو في هذه المرحلة على النحو الآتي:
الطلب من السكان مغادرة منازلهم والابتعاد عن أماكن الاشتباكات، حيث فتح لهم ممرات آمنة يخرجون منها خارج المخيم.
التوغلات الآلية والبشرية الحذرة على أكثر من محور من محاور تقدمه، بهدف الوصول إلى مركز ثقل المقاومة في وسط المخيم، كما يظن العدو.
خوض اشتباكات متقطعة والتصدي لنيران المقاومين حيث اصطدم بهم.
تدمير مقار القيادة والسيطرة للمقاومة، وما في بنك أهدافهم -الإسرائيلي- من مخازن وورش تصنيع منتشرة في المناطق التي تعمل فيها القوات الغازية.
عمليات استفزاز مقصود للمقاومين بهدف دفعهم للخروج من أماكن تحصنهم وانتشارهم، وفرض منطقة العمليات عليهم – على المقاومين -.
كانت هذه أهم الإجراءات القتالية التي قام بها العدو في هذه المرحلة، والتي لم يحقق فيها أهم أهدافه وهي إنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأصول البشرية للمقاومة في منطقة عمليات مخيم جنين.
خامساً: أهم إجراءات المقاومة في عملية “بأس جنين”
خوض اشتباكات متقطعة بالأسلحة الخفيفة مع قوات العدو في منطقة العمليات.
تشغيل عبوات محلية الصنع ضد آليات وأفراد العدو في منطقة العمليات.
عمليات الإعاقة والإبطاء لآليات العدو وجنوده عبر نشر الموانع الصناعية في المناطق المتوقع تحركه فيها.
عمليات الإعماء الجوي لمسيرات العدو التي ما فارقت سماء منطقة العمليات، عبر اشعال الإطارات وفرد السواتر القماشية حيث أمكن في شوارع وأزقة المخيم.
اسقاط بعض المسيرات التي كان العدو يستعين بها في عمليات القيادة والسيطرة على قواته المناورة في منطقة العمليات.
الاشتباك مع العدو في أكثر من منطقة وحي من أحياء منطقة العمليات، واجباره على التراجع من هذه المناطق.
سادساً: أهم الخلاصات والاستنتاجات من هذه المعركة
نجح العدو في تدمير بعض ورش ومخازن ومقرات القيادة لفصائل المقاومة المنتشرة في منطقة العمليات.
استشهاد 12 شهيداً من المقاومين والمدنيين.
نجاح العدو في إعطاب ومنع تشغيل العبوات المفترض أنها مزروعة في منطقة العمليات، عبر تجريف الشوارع والطرقات.
استطاعت المقاومة أن تفرض على العدو حالة من عدم تشعب محاوره القتالية التي تقدم عبرها من محاور القتال الأربعة – شمال، جنوب، شرق، غرب -.
لم يستطيع العدو التوغل إلى منتصف منطقة العمليات، حيث يظن أن مركز ثقل المقاومة فيها.
فرَضَ تكتيك المقاومة – عدم الاشتباك الحاسم والابتعاد عن تكتيك دفاع الصد – على العدو حالة من الحذر وعدم الثقة، مما أبطأ رتم عملياته الميدانية.
أفشلت المقاومة تكتيك العدو لمحاولة جرها إلى مناطق قتال مناسبه له، حيث لم تستجب لاستفزازاته ولا لاحتكاكاته، ولم تخض معه قتالاً حاسماً، مما حمى – بعد فضل الله – مجاميع المقاومة من أن تقع بها خسائر وأضرار غير محتملة.
فرضت المقاومة على العدو انسحاباً تحت النار – ولو رمزياً – فقد انسحب وبعض صليات الرصاص تطارده.
أما أهم الخلاصات، فهي نجاح المقاومة في تجميد عواطفها، وعدم استجابتها لاستفزازات العدو، وعدم خوضها أي اشتباك حاسم أو عملية دفاع صد للقوات الغازية، مما فوت على العدو أهم أهدافه، ألا وهو تكبيد المقاومة أكبر كم من الخسائر في أصولها البشرية، وهنا راعت المقاومة أهم أصل من أصول حرب العصابات، عنينا به أصل حفظ الذات.
سابعاً: التوصيات
اعتبار هذه الورقة، مسودة عمل نعتقد أن من المفيد وضعها على طاولة بحث المقاومين؛ كوادر ومسؤولين.
قطع التماس المؤقت مع العدو للسماح بإعادة ترميم القدرات، وما تم تخريبه من إمكانيات؛ مدنية وعسكرية.
دراسة هذه المعركة بعقول باردة وأذهان متفحته، يشارك فيها المقاومون في الداخل، وبعض المراقبين من الخارج، لاستخلاص الدروس والعبر، ليبنى على الشيء مقتضاه.
أثبت “تدبير” عدم خوض الاشتباكات الحاسمة، وإجراءات دفاع الصد في هذا المقطع الزماني مع عدونا، وفي هذه الجغرافيا، أثبت نجاعته في حفظ القدرات البشرية، الأمر الذي نوصي به بشدة، إلى أن تتهيأ ظروف تتطلب مراجعة هذا التدبير، فيبنى في حينه على الشيء مقتضاه.
وضع خطط مستقبلية متعلقة بعمليات تأمين حركة ووصول الإمدادات البشرية والمادية لتعزيز قدرات المقاومة من الأماكن المجاورة، للمكان الذي يقتضيه الموقف.
الاستفادة من نقاط قوة المقاومة التي أفشلت العدو ومنعته من تحقيق أهدافه في هذه المعركة، من أجل تعزيز موقف باقي مناطق المقاومة ونقاط ارتكازها المهددة بالاجتياح من قبل العدو مستقبلاً.
اعتماد تسليح الأرض المحيطة بنقاط ارتكاز المقاومة ومراكز ثقلها البشرية، تسليحها بالطرق والإجراءات المناسبة التي لا تضر بأمن البيئة الحاضنة أثناء السلم، وتضمن – الطرق والإجراءات – تشغيل ما نُشر فيها من قدرات بهدف، الحد من سرعة اندفاع العدو وإيقاع أكبر كم من الخسائر البشرية والمادية فيها قبل وصوله إلى الحافة الأمامية لأي منطقة قتال مستقبلية.
كانت هذه بعض الأفكار والخلاصات من هذه المعركة، والتي نعتقد أنها لن تكون الأخيرة في سلسلة اعتداءات العدو علينا وعلى أهلنا ومقاومتنا في الضفة الغربية، الأمر الذي يستدعي التنبه والحذر والاستعداد.