• اخر تحديث : 2024-04-30 13:50
news-details
إصدارات الأعضاء

بلا مساحيق … عملية الوعد الصادق وأبعادها الاستراتيجية


الثورة العملاقة التي تفجرت في إيران الاسلام عام ١٩٧٩م لم يقتصر تأثيرها على ذات البلد بل تجاوز ذلك ليطال البعدين الإقليمي والعالمي.

الثورة الإسلامية برؤيتها الصائبة وأهدافها السامية ظلت وفية وأمينة لمبادئها في نصرة الشعوب المستضعفة ورفع المظلومية عنهم، وفلسطين الحاضرة كقضية مقدسة كان لها اهتمام وتركيز في عقل مؤسسها الإمام الخميني رحمه الله حينما طرح تحديد أخر جمعة في شهر رمضان يوم القدس العالمي ليكون بمثابة صاعق ومحرك وأن المسجد الأقصى مغتصب وأسير والواجب على الأمة نصرته وتحريره.

إيران الإسلام تؤمن كما إن اسرائيل هي رأس حربة للمشروع الإمبريالي الاستعماري الرأسمالي الغربي، فلسطين يجب أن تكون رأس حربة للأمة الإسلامية لقيادة مشروع التحرير وتخليص الأمة من هذا الاستعمار البغيض التي عطل دورها وأذلها واستعبدها وامتص ثرواتها وعطل دورها ورسالتها.

هذه المبادئ لم تكن نصوص تجميلية أو مواد ترفيه في ميثاقهم بل أهداف واقعية قابلة للتحقق، ورغم الحرب الضروس التي فرضت على إيران الإسلام ثماني سنوات من ١٩٨٠ حتى ١٩٨٨م، حينما قبل الإمام الخميني رحمه الله يومها وقف إطلاق النار وقال "أتجرع السم وأقبل" لأن ملامح المعركة تغيرت ودخل سلاح غير تقليدي.

خرجت إيران الاسلام من الحرب أشد صلابة وقوة وأقوى عزيمة لمواصلة الدرب واستطاعت رغم الحصار المميت أن تصنع المستحيل وتفتح نوافذ وعلاقات بروح جديدة معبقة بالكرامة والسيادة والاستقلال.

ما يميز الجمهورية الاسلامية أنها تعمل في النور لا تخيفها التهديدات ولا تجذبها ولا تستهويها الإغراءات، بل المحرك هو الإصرار والتمسك بثوابت وقيم الثورة ومقاومة قوى الشر والظلم والبغي ونصرة المستضعفين أينما وجدوا.

الجمهورية الإسلامية على مسمع ومرأى العالم اجمع  فتحت أذرعها لحركات المقاومة في فلسطين وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي وكل من يؤمن بالكفاح المسلح طريقا للتحرير كما هو الحال أيضا في لبنان وسوريا والعراق واليمن، لا عبر المفاوضات ووعود الوهم والسراب، فدعمتهم تدريبا وتسليحا ومالا واسنادا دون تدخل او ابتزاز أو فرض أجندات عليهم كما يفعل أصحاب المال السياسي اليوم، وهي تدرك خطورة وكلفة هذا الدعم على بلدهم ومستقبلهم الى أنها لم تردد ولم تتلجلج وتصرفت وفق قناعات يقينية وواجب شرعي إلهي مقدس وأيضا كضرورة لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم الذي شرد من أرضه وذبح من الوريد الى الوريد لإنشاء كيان صهيوني مسخ عبر خزعبلات تاريخية وأساطير.

الكيان الصهيوني حقيقة منذ ما يزيد عن أربعين عام يعيش هاجس اسمه الجمهورية الاسلامية حاول شيطنتها بأنها رائدة الشر الكوني، وعمل على حشد أكبر تحالف ساعيا لاستئصال هذا الخطر المفخخ وعمل في حرب الظل على مدار عقود ارتكب عمليات واستهدافات لعلماء ومراكز حساسة داخل وخارج، كل هذا وأكثر والقيادة الإيرانية تمتص هذا الدور القذر لأن المهمات أمامها جسام ولا تريد الوقوع في فخ الصهاينة وردود الفعل.

اليوم غدت إيران الإسلام قوة إقليمية ذات وزن من العيار الثقيل واستمرت في برنامجها النووي رغم معارضة العالم أجمع.

القلق الصهيوني تضاعف بعدما نجحت بتأسيس محور المقاومة ووحدة الساحات والجبهات الذي عاد واقعا متجسدا وليس شعار.

العدو الصهيوني في إطار فشله الذريع والمدوي في حربه على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر لحتى اليوم والذي لم يسجل سوى المجازر والابادة الجماعية لشعب أعزل يصنف بأنه واقع تحت احتلال، ومحاصر منذ سبعة عشر عام برا بحرا وجوا، لم يستطيع أن يقضي لا على مقاومة ولا على تحرير رهائن ولا القدرة على البقاء وسط التجمعات الفلسطينية.

نتنياهو هرب للأمام واتخذ خطوة باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق والتي على آثرها استشهد القائد زاهدي ورفاقه، كان يتخيل أن الرد الإيراني سيكون سريعا ومتهورا وبهذا يكون نجح في جر أمريكا وحلفاءها لحرب مفتوحة تتيح له الاستمرار في الحرب على غزة بوتائر مختلفة وعلى لبنان وأن يبقي حكومته متماسكة ويستمر في قضم أرض الضفة الغربية وتهويد القدس مشبعا رغبات اليمين الديني المتشدد، وينجو هو بنفسه أيضا من فتح ملفات فشله في ما قبل الحرب وما بعدها ومحاكمات وقضاء خاص به.

قرار ايران بالتريث والهدوء وتسجيل نقاط على مجلس الأمن الذي   اجتمع ولم يدين العملية، فكان القرار المزلزل والجريء وأيضا مستند الى مواد ميثاق الأمم المتحدة ، واستهدف القواعد العسكرية التي انطلقت منها الصواريخ  على القنصلية في دمشق، هذا الرد أوقف العالم بأسره على رجل واحدة وعاش مشهدا غير مألوف ومئات الصواريخ والمسيرات تخترق الأجواء والمضادات تحاول الصد سواء من قواعد أمريكية أو غربية أو عربية، إلا انها  نجحت في الوصول للأهداف في فلسطين المحتلة بدقة متناهية وإن  حاول العدو تقليل الخسائر والتباهي بقدرة الصد.

العدو الصهيوني تلقى رسائل دعم واسناد من حلفائه ولم يتلقى رسائل تؤكد على الدخول المباشر في حال الرد، هذا الرد المبهم جعل نتنياهو وحكومته في حالة تخبط تارة يصرحوا بتشكيل تحالف دبلوماسي ضد إيران وتارة سنرد مهما كلفنا من ثمن.

 فيما يتعلق بالأبعاد الاستراتيجية للعملية:

- إيران الإسلام أرست ثقافة ان اصحاب المبادئ والثوابت لا تخيفهم الوعود ولا التهديدات مهما كان حجمها وخطورتها وجسدت مفهوم الصبر الاستراتيجي على مدار خمسة واربعين عام تعمل بلا كلل ولا ملل، وعادت قوة اقليمية وازنة وحاضرة ولا يستطيع كائنا من كان لي ذراعها، ووثقت علاقاتها وتحالفاتها في الإقليم والعالم وحاولت تصفير مشاكلها، وما شهده العالم اليوم ثمرة من ثمرات تحالفاتها وما جرى ويجرى في جنوب لبنان من تحدي وتهجير لمئات الآلاف من الصهاينة وفي مضيق هرمز وباب المندب والمضائق المائية إلا شاهد على ذلك.

- أثبتت إيران الإسلام أنها دولة راشدة واعية متفهمة لكل الأبعاد القانونية والشرعية الدولية وتصرفت في ردها على الكيان الصهيوني ضمن قواعد ومواد ميثاق الأمم المتحدة وهي تحترم سيادة القانون والعلاقات الدولية.

- أيضا من ضمن الأبعاد الاستراتيجية رسالة لأمريكا والغرب والمطبعين من العرب بأن هذه المستوطنة المسماة اسرائيل عادت عبء على نفسها وعليكم، لذا انصاف حقوق الفلسطينيين هو المسار الوحيد الذي يرسى قواعد السلام والأمان في المنطقة والعالم.

- الرد المزلزل أحدث شرخا عميقا داخل المجتمع الصهيوني بين فريقا يؤيد الرد مهما كلف الثمن وبين متحفظ الذي يرى أن البعد الدبلوماسي أنجع وامتصاص الضربة أفضل.

- باب المجاملات الغربية في مواساة الكيان أنه نجح في عزل إيران وأن الإجماع على مواجهه الصواريخ كان موفقا، ولم يخفوا ان ما حدث تاريخي غير مسبوق.

- "طوفان الاقصى" كانت ضربة القرن فجرت عقل الكيان وأفقدته صوابه وحتى هذه اللحظة يتصرف بهستيريا وردود فعل وانتهى به الأمر بالسقوط في وحل ومستنقع غزة لا يعرف كيف يخرج.

- الوعد الصادق جاءت لتقسم ظهر الكيان وتسلبه كل ادعاءاته وخياله انه فوق القانون وها هو اليوم يضرب في الصميم وتكسر هالته والعالم يرى ويراقب وعاجز عن فعل ما يتمنى.

- إيران الاسلام اوصلت ليس فقط شعوب العالم بل جزء كبير من حكوماته ان البشرية اليوم تحتاج لتعيش بكرامة وعدالة عبر تأسيس نظام عالمي جديد بعيدا عن سطوة وبلطجة أمريكا.

- اليوم لا يرى العدو الصهيوني في أعين شعوب العالم إلا جماعة متوحشة مصاصة دماء يجب أن تمثل امام محكمة العدل العليا كمرتكب مجاز وابادة جماعية.

اقترب الوعد وبدأنا نتحسس المنطقة بلا اسرائيل وأن زمن العلو والغطرسة والبلطجة في طريقه الى الاندثار والانزواء.

"فاصبر صبرا جميلا انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا".