في خطوة أثارت الكثير من الجدل حول الهدف من ورائها، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن إصداره أمراً تنفيذياً يطلب من وزير الخارجية ماركو روبيو العمل على إعادة تشكيل الخدمات الدبلوماسية في الولايات المتحدة؛ وذلك لضمان التنفيذ الصحيح والفعال لبرنامجه في السياسة الخارجية. ويأتي هذا الأمر ضمن سلسلة من الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب منذ توليه منصبه في العشرين من يناير؛ وذلك لضمان توافق السياسة الخارجية الأمريكية مع نهجه "أمريكا أولاً".
أهداف محفزة
هناك العديد من الأهداف التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إصدار أمره التنفيذي بإعادة تنظيم الخدمات الدبلوماسية الأمريكية، والتي يمكن توضيحها فيما يلي:
1– اتخاذ خطوة نحو تفكيك "الدولة العميقة": سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أول 100 يوم من توليه منصبه، إلى الوفاء بكل وعوده التي وعد بها الشعب الأمريكي خلال حملته الانتخابية بأنه سيجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى؛ لذلك أصدر أمره التنفيذي الذي بموجبه يستطيع وزير الخارجية الأمريكي طرد العمال البيروقراطيين الذين وصفهم ترامب بأنهم "غير مخلصين". وقد اعتبر ترامب أن هذا الأمر التنفيذي سيحقق أول نجاح في تفكيك الدولة العميقة التي وقفت ضده خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى.
2– التوافق مع أجندة ترامب للسياسة الخارجية: سعى الرئيس الأمريكي من وراء الأمر التنفيذي إلى إعادة هيكلة وزارة الخارجية للتوافق مع أجندته ومواقفه لقضايا السياسة الخارجية، التي يرى أنها تصب في مصلحة الولايات المتحدة في المقام الأول. فينص الأمر على أن "التقاعس في تنفيذ برنامج الرئيس سيُحاسَب عليه وفق الانضباط المهني، وهو ما قد يؤدي إلى إنهاء تعاقد الموظفين". ويسعى ترامب من خلال هذا الأمر إلى جعل الموظفين يطيعونه طاعةً عمياء؛ حتى يستطيع تحقيق ما يتمناه. ويبرر ذلك بأنه خطوة لضمان تنفيذ الموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين لأجندته التي تخدم في النهاية الولايات المتحدة والشعب الأمريكي، وضمان أن الولايات المتحدة لن تصبح بعد ذلك عرضة للاستغلال من قِبل الدول الأجنبية أو الجهات التي تعمل على تقويض أمنها.
3– توسيع صلاحيات وزير الخارجية الأمريكي الجديد: يهدف الرئيس الأمريكي من خلال قراره التنفيذي إلى توسيع مهام وزير خارجيته ماركو روبيو؛ وذلك من خلال جعله المسؤول عن إعادة هيكلة برامج معهد الخدمة الخارجية، ومراجعة أو استبدال دليل الشؤون الخارجية، بجانب قيامه بتنفيذ الإصلاحات في معايير التوظيف والأداء والتقييم، بالإضافة إلى أن يتولى روبيو، حسبما يتفق مع القانون، إصلاح الخدمة الخارجية وإدارة العلاقات الخارجية لضمان التنفيذ الصحيح والفعال لبرنامج الرئيس في السياسة الخارجية، فضلاً عن أنه يتعين عليه بموجب الأمر التنفيذي الحفاظ على قوة عاملة استثنائية من الوطنيين لتنفيذ هذه السياسة بشكل فعال.
4– إجراء جزء من سلسلة إصلاح الحكومة الفيدرالية: يرى الرئيس أن أوامره التنفيذية التي يُصدرها هي جزء من سلسلة إصلاحات للحكومة الفيدرالية، وفي أعقاب إصدار الأمر التنفيذي بإعادة تنظيم الخدمات الدبلوماسية، أصدر مرسوماً تحت عنوان "صوت واحد"، وهو المرسوم الذي أمر فيه أفراد السلك الدبلوماسي بالتحدث بصوت واحد عبر الالتزام بتوجيهات إدارته، بجانب تأكيده أنه يتعين على جميع المسؤولين والعاملين تنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن يفعلوا ذلك تحت إشراف سلطة الرئيس، في حين أنه اعتبر أن الفشل في تنفيذ سياسة الرئيس بأمانة يعد سبباً لاتخاذ إجراء تأديبي بحق المخالف، يشمل الفصل من الوظيفة. ويستهدف هذا الأمر كل العاملين في وزارة الخارجية، سواء كانوا دبلوماسيين أو موظفين مدنيين.
5– محاولة تخفيض عدد الموظفين في السفارات بالخارج: في إطار جهود ترامب الرامية إلى إصلاح السلك الدبلوماسي الأمريكي، طالبت الإدارة الأمريكية السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم بالاستعداد لخفض أعداد الموظفين الأمريكيين، وكذلك أعداد الموظفين المحليين بنسبة 10% لكل منهما؛ وذلك وفقاً لمصادر مُطلعة لوكالة "رويترز".
6– ضمان وجود صوت دبلوماسي موحد خلف الرئيس: التزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ توليه منصبه بأنه سيحمي السياسة الخارجية الأمريكية؛ وذلك من خلال إعطاء الأولوية لمصالح الولايات المتحدة، ولكي يتحقق ذلك، قام بإصدار أمره التنفيذي ومرسومه المكمل له، الذي يضمن وجود صوت دبلوماسي موحد، مع محاسبة الموظفين المخالفين لرؤية الرئيس، في حين أن هذا الأمر التنفيذي الذي أصدره يؤكد السلطة الدستورية للرئيس على السياسة الخارجية؛ وذلك لكي يضمن توافق الإجراءات الدبلوماسية مع توجيهاته.
7– إظهار الابتعاد عن نهج "بايدن" في السياسة الخارجية: برر الرئيس الأمريكي إصداره هذا الأمر التنفيذي بأنه يحاول إصلاح ما فشل فيه سلفه الديمقراطي جو بايدن من إحداث تنظيم المناصب بشكل كافٍ؛ وذلك لأنه إذا استمر على النهج الحالي الذي كان يستخدمه سلفه الديمقراطي، فإن وزارة الخارجية ستظل، من وجهة نظره، تكافح من أجل مواءمة عمليات هذه البعثات مع الواقع المعاصر والبيئة الخارجية؛ لذلك كان لا بد أن يقوم بإصلاح وتنظيم الخدمات الدبلوماسية في الولايات المتحدة في أول 100 يوم من ولايته.
مصالح شخصية
وختاماً، يمكن القول إن الهدف من وراء إصدار الرئيس الأمريكي أمره التنفيذي الذي بموجبه يقوم بإعادة تشكيل وتنظيم الخدمات الدبلوماسية في الولايات المتحدة، هو تأكيد التزامه بالوفاء بوعده الذي تعهد به للشعب الأمريكي خلال حملته الانتخابية بأنه سيقوم بفعل أي شيء لوضع أمريكا في المقام الأول في كل جانب من جوانب العلاقات الخارجية، في حين أنه يعتبر نفسه منتخباً لتحقيق السلام من خلال القوة، وضمان أن تعكس السياسة الخارجية القيم الأمريكية والسيادة والأمن؛ وذلك من خلال جعل الموظفين، سواء كانوا دبلوماسيين أو مدنيين، يطيعونه طاعة عمياء في كل قراراته، وإلا فسيتعرضون لإنهاء التعاقد معهم، وقد يتطور الأمر إلى فصلهم بشكل تام، وبهذه الخطوة يضمن إبقاء الموظفين الذين لديهم ولاء له فقط، دون النظر في ذلك إلى كفاءتهم أو خبراتهم؛ فكل ما يعنيه هو وجود أشخاص لا يقفون ضده ولا يعارضون خططه التي يطمح في تحقيقها مثلما حدث معه خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى.