• اخر تحديث : 2025-02-21 13:33
news-details
قراءات

يمضي الرئيس الاميركي دونالد ترامب قُدماً في إصدار الأوامر وإلغاء كافة السياسات، حتى لو تعارضت مع القوانين والدستور الأمريكي؛ الأمر الذي تسبب في إقامة مجموعة من الدعاوى القضائية ضد أوامر ترامب، كما أفضى إلى إصدار أوامر قضائية تقضي بإلغاء مختلف السياسات التي تبناها ترامب وفريقه؛ وذلك استجابةً لعشرات الطعون القضائية التي وُجهت إلى ترامب وإدارته؛ حيث وصل عدد الطعون القضائية خلال أول 21 يوماً من حكم ترامب إلى نحو 50 طعناً قانونياً، وهو رقم ليس بالضئيل خلال هذه المدة الوجيزة.

آليات متعددة
هناك مجموعة من الآليات التي يتبناها القضاء الأمريكي للتعامل مع سياسات الرئيس ترامب، ويمكن تسليط الضوء على أبرز هذه الآليات فيما يلي:
 
1– إصدار أحكام لإيقاف بعض سياسات الرئيس ترامب: أصدر بعض القضاة الفيدراليين أحكاماً قضائية تعمل على إيقاف سياسات ترامب المختلفة، ومنها ذلك الأمر التنفيذي الذي أمر فيه بإيقاف منح الجنسية الأمريكية للأطفال الذين يولدون لأبوين لا يمتلكان أوراق إقامة رسمية، وذلك الأمر التنفيذي الذي يسمح بإيقاف تدفق الأموال إلى المؤسسات الفيدرالية لحين مراجعة السياسات المُطبَّقة بها، والتأكد من أنها تتلاءم مع الأوامر التنفيذية المختلفة للرئيس ترامب، وهي الأوامر التي جاءت استجابةً لدعاوى قضائية رفعتها حكومات الولايات المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية المختلفة.
 
والجدير بالذكر أن الأحكام القضائية تمنع الإدارة الأمريكية من تنفيذ أمر ما، لكنها لا يمكنها إجبار إدارة ترامب على تنفيذ شيء مختلف، بمعنى أنها ربما قد تكون قادرة على عرقلة أو تعطيل الأوامر، ولكن ليس تغيير السياسات في المطلق. وربما قد توجه اتهاماً إلى المسؤولين بازدراء الأحكام الفيدرالية وقد تفرض غرامات، لكن هذه الاتهامات تأخذ وقتاً طويلاً لحين البت بها، ويمكن الطعن عليها من جانب وزارة العدل التي تقع تحت سيطرة ترامب أيضاً.
 
2– التحكيم في النزاعات بين السلطة التشريعية والتنفيذية: تمتلك المحاكم، لا سيَّما المحكمة العليا، القدرة على التحكيم في النزاعات والخلافات القانونية والدستورية التي تقع بين السلطة التشريعية المتمثلة في الكونجرس والسلطة التنفيذية المتمثلة في الرئيس والحكومة الفيدرالية؛ لذلك يمكن لأعضاء الكونجرس، إذا تجاوز ترامب السلطات الممنوحة له، اللجوء إلى المحكمة العليا للفصل بين الكونجرس والرئيس ترامب، ولكن المأزق الآن يكمن في أن الجمهوريين يسيطرون على أغلبية مقاعد الكونجرس، ومن ثم سيكون من الصعب عليهم تحدي الرئيس ترامب قانونياً أمام المحكمة العليا.
 
3– وجود دعم قضائي لبعض سياسات ترامب: لا تسير كل الأمور القضائية الفيدرالية والأحكام ضد ترامب وفريقه، وخاصة الملياردير إيلون ماسك؛ حيث حكم أحد القضاة لصالح سياسة وقرار ماسك وترامب المتعلق بالقوى العاملة الفيدرالية، وبإمكانية تخليهم عن وظائفهم والحصول على رواتب وتعويضات لمدة ثمانية أشهر، بالرغم من طعن بعض النقابات في هذا الأمر. وفي هذا الصدد، علقت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفات، قائلةً إن "هذا يدل على أن الحرب القانونية لن تسود في نهاية المطاف على إرادة 77 مليون أمريكي دعموا الرئيس ترامب وأولوياته".
 
تحديات ضاغطة
هناك جملة من التحديات القادرة على مساعدة الرئيس ترامب وفريقه في التفوق على قرارات وأحكام القضاء الأمريكي، ويمكن تسليط الضوء على أبرز هذه التحديات فيما يلي:
 
1– صعوبة مواجهة سرعة خطوات ترامب: تواجه المحاكم الأمريكية، على اختلاف أنواعها، صعوبة كبيرة في التحرك بسرعة موازية لسرعة الرئيس ترامب وأفراد حكومته، خاصةً أن المحاكم تحتاج إلى وقت طويل للنظر في أوراق القضايا المختلفة. ومن ثم فإنها لن تتحرك بالسرعة الكافية لإيقاف سياسات الرئيس ترامب وحكومته. وتأخذ المحكمة العليا نفسها شهوراً قبل النظر في أي قضية، وإصدار حكمها بها؛ لذلك فإن البت في أي قرار اتخذه ترامب لن يكون في وقته المناسب. حتى لو تمت معارضته سيكون من الصعب عودة الأمور إلى نصابها الطبيعي بشكل صحيح؛ فمثلاً فيما يتعلق بقرارات إغلاق الوكالات وتسريح الموظفين، يحتاج الأمر إلى فترة زمنية ليست بالقليلة على سبيل المثال لعودة بناء الثقة مع الشركاء، واستعادة الموظفين الذين أقيلوا، واستعادة عمل المنظمات بشكل صحيح.
 
2– دعم المحكمة العليا لسياسات ترامب: مع مساهمة ترامب في تغيير تركيبة المحكمة العليا التي أضحت ذات أغلبية محافظة (6 أصوات محافظة مقابل 3 أصوات ليبرالية) فإن المحكمة العليا باتت أكثر تأييداً لسياسات الرئيس ترامب اليمينية المختلفة. ومن ثم من غير المتوقع أن يكون للمحكمة العليا إسهام كبير في إيقاف عجلة الأوامر التنفيذية والسياسات السريعة التي يتبناها الرئيس ترامب، خاصةً أن هناك دعماً من جانب القضاة المحافظين بها لتوسيع الصلاحيات الممنوحة لرئيس الولايات المتحدة، وهو أمر سيكون مهدداً في المطلق للمؤسسات الأمريكية التي لن تستطيع التغلب على سطو الرئيس ترامب على سلطاتها المختلفة.
 
3– تجاهل ترامب وفريقه أحكامَ المحاكم الفيدرالية: يعتبر تحدي أحكام القضاء الفيدرالي من أبرز التحديات التي تواجه المحاكم الأمريكية في طريقها لعرقلة قرارات ترامب غير المدروسة، التي تؤثر سلباً على مختلف المؤسسات الأمريكية وعلى موظفيها؛ إذ أعرب ترامب والمسؤول عن إدارة كفاءة الحكومة المتعلقة بتخفيض النفقات الفيدرالية رجل الأعمال إيلون ماسك، وكذلك نائب الرئيس جي دي فانس، عن انفتاحهم على "تجاهل أحكام المحكمة". ووصف فانس أحكام المحاكم بأنها "عقبة بيروقراطية" أمام تنفيذ أجندة الرئيس ترامب. وترجمةً لذلك، تم تجاهل أحكام المحكمة؛ فعلى سبيل المثال أُبلِغ موظفو مختلف المؤسسات الفيدرالية عن أنه بالرغم من الحكم الفيدرالي المؤقت الخاص بضرورة عدم تجميد تدفق الأموال إلى مختلف المؤسسات الأمريكية، فإن الأمر التنفيذي لترامب الخاص بتجميد الأموال ظل سارياً.
 
وعلى الرغم من أن الدستور الأمريكي لا يمنح السلطة التنفيذية الصلاحيات المطلقة المتعلقة بإغلاق المؤسسات الفيدرالية الكائنة – حيث إن الأمر مرتبط بالرئيس وبالكونجرس وأيضاً بالمحاكم؛ وذلك حتى لا تقوم جهة محددة بالتحكم في القرار بمفردها؛ وذلك على غرار القرار المتعلق بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهو ما لا يقع ضمن اختصاصات الرئيس – فإن ترامب أعلن عن إغلاقها، والتخلص من عدد كبير من الموظفين. حتى إن القرار المؤقت بوقف الإجازة للعاملين بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لم يتم تنفيذه.
 
4– تهديد ترامب وفريقه القضاة الفيدراليين بالعزل: قام ترامب ومسؤولوه، وخاصةً إيلون مماسك، بتهديد القضاة الفيدراليين بإمكانية تعرضهم للعزل إذا استمروا في تحدي سياسات الرئيس ترامب وفريقه. وأشار ماسك إلى أن من الضروري العمل على عزل نحو 1% من القضاة الفيدراليين بشكل سنوي للتخلص من القضاة الفاسدين غير الأكفاء، وأن يُستبدَل بهم قضاة آخرون أكثر كفاءةً، وهو أمر قد يكون رادعاً لبعض القضاة الذين قد يرغبون في الحفاظ على مناصبهم.
 
5– تنفيذ تكتيكات مختلفة لسريان أوامر ترامب: يمكن لترامب وفريقه، إذا تمت عرقلة أحد الأوامر التنفيذية الخاصة بأجندته من جانب بعض القضاة، أن يلجأ إلى تكتيكات مختلفة، منها إعادة صياغة الأوامر التنفيذية بطريقة مختلفة، وتقديم مشاريع قوانين تُمرَّر داخل الكونجرس تحقق له رغباته، وهو أمر سبق أن حدث خلال ولاية ترامب الأولى في عام 2017، حينما أصدر ترامب أمراً يمنع مواطني سبعة دول ذات أغلبية مسلمة من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأعاقت المحاكم أول نسختين من الأمر، فتمت صياغة نسخة ثالثة، وبالفعل سرت هذه النسخة.
 
خلاصة القول أن المحاكم الأمريكية والنظام القضائي الأمريكي قد يكون قادراً على عرقلة خطوات ترامب بشكل مؤقت، أو منع تنفيذ بعض السياسات، ولكنه غير قادر على الحفاظ على كينونة وماهية المؤسسات الأمريكية؛ لأن دور المحاكم يظل مربوطاً بالقانون. وفي حالة الرئيس ترامب وأعضاء فريقه الذين ينظرون إلى القانون باعتباره "عقبة بيروقراطية" في طريق تحقيق أهدافهم، فإنهم لن يولوا احتراماً كبيراً للأحكام القضائية، وسيتجهون إلى تحديها بكل بساطة؛ ولذلك ستظل هناك حاجة إلى تكاتف وتوحيد الجهود المرتبطة بالكونجرس مع الشعب الأمريكي مع المحاكم الأمريكية لتكون هذه الأطراف مجتمعةً أكثر قدرةً على التصدي لنوايا ترامب للاستئثار بالحكم، والتصدي لتحركاته التي تسعى إلى تفكيك مختلف المؤسسات الأمريكية التي يزعم أنها بلا جدوى.