• اخر تحديث : 2025-09-09 16:05
news-details
تقدير موقف

خطط إسرائيل لضمّ الضفة الغربية: الاحتمالات والتداعيات على القضية الفلسطينية


تشهد الضفة الغربية المحتلة تطورات ميدانية وسياسية متسارعة تعكس تحولًا جوهريًا في مقاربة الصراع التي أرستها "اتفاقية أوسلو" لعام 1993، والتي قامت على أساسها السلطة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967. وتدفع الحكومة الإسرائيلية التي يقودها التيار الديني والقومي المتطرف في اتجاه ضمّ مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، وفي مقدمتها غور الأردن. وتستند هذه الخطوة إلى مزيج من الدوافع الأيديولوجية والأمنية، وتحظى بغطاء أميركي، في وقت يتزايد فيه الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، لا سيّما خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2025. وفي الأثناء، يواصل قادة المستوطنين تكثيف ضغوطهم لفرض ما يسمونه "السيادة" الإسرائيلية على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة الغربية، في إطار خطة تهدف إلى استثمار اللحظة السياسية الراهنة لتسريع خطوات الضمّ وترسيخها.
 
تكريس الضمّ وإنهاء أفق التسوية السياسية
عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على توظيف إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني "اتفاقية أوسلو" باعتباره أداة لتوسيع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفرض وقائع ميدانية تحول دون تطبيق حلّ الدولتين، وصولًا إلى ما يُعرف بـ "خطة الحسم" القائمة على فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمّها. وبالتوازي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي تصعيده الأمني في الضفة الغربية، الذي أسفر منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عن استشهاد أكثر من 1032 فلسطينيًا، وإصابة ما يقارب 7 آلاف آخرين، إضافةً إلى اعتقال أكثر من 18 ألفًا و500 شخص. ويمكن وصف ما يجري من عمليات عسكرية وتمشيط شامل للقرى والمدن بأنه إعادة احتلال للضفة.
 
وصدّق الكنيست الإسرائيلي، في 23 تموز/ يوليو 2025، على مشروع قانون يدعم ما يسمّى "فرض السيادة" على الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن، حيث يقيم نحو 700 ألف مستوطن إسرائيلي، وذلك بأغلبية 71 صوتًا، مقابل معارضة 13 فقط. وعلى الرغم من أنّ هذا المشروع لا يرقى إلى مرتبة القانون النافذ، بل يُعدّ إعلانَ موقف غير ملزم للحكومة الإسرائيلية، التي تبقى الجهة الوحيدة المخوّلة باتخاذ قرارات الضمّ، فإنه مؤشر خطير على توجهات هذه الحكومة ومناصريها في الكنيست.
 
وفي السياق ذاته، صدّقت اللجنة الفرعية لشؤون الاستيطان في الحكومة الإسرائيلية، برئاسة وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، على خطةٍ قديمة للبناء في المنطقة المعروفة بـ "E1" في الضفة الغربية، تتضمن إنشاء نحو 3400 وحدة استيطانية جديدة. وتهدف إلى توسيع مستوطنة "معاليه أدوميم" وربطها بمدينة القدس، على نحو يؤدي فعليًا إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها، في خطوة تقوّض تمامًا إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. وتندرج هذه الخطة ضمن مشروع أوسع يقوده سموتريتش وفريقه، يقوم على ضمّ الضفة الغربية رسميًا إلى إسرائيل، أو على الأقل ضمّ المنطقة (ج) التي تخضع أصلًا للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، بموجب اتفاقيات أوسلو. وقد تجلّى هذا التوجه في نقل ملف الاستيطان من المستوى المدني إلى إشراف وزارة الأمن، بما يعكس مسعى لمأسسة الدعم الحكومي للمستوطنين وتسريع وتيرة التوسع الاستيطاني. ويتكامل هذا المسار مع قرار الكنيست، في 18 تموز/ يوليو 2024، برفض إقامة دولة فلسطينية من جانب واحد، وهو ما يعكس بوضوح النزعة الإسرائيلية نحو تكريس الضمّ وإغلاق أفق التسوية السياسية.
 
كما عقد مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، في 2 أيلول/ سبتمبر 2025، اجتماعًا خُصِّص لبحث إمكانية فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية. وجرى توصيف الجلسة بأنها ردّ على "التحركات الدولية المتسارعة نحو الاعتراف بدولة فلسطينية". غير أنّ الحقيقة تكمن في أنّ هذه الخطة موضوعة مسبقًا، في حين تضاعف الاستيطان في الضفة ثلاث مرات منذ اتفاقيات أوسلو، ما يجعل ادّعاء ردة الفعل ذريعة ظرفية. وقد ناقش الاجتماع خيارات متعددة شملت: فرض السيادة على الكتل الاستيطانية الكبرى، أو توسيعها لتشمل جميع المستوطنات، أو ضمّ كامل منطقة (ج)، فضلًا عن بحث إمكانية ضمّ المناطق المفتوحة وغور الأردن. كما انقسمت المداولات حول التوقيت بين من يرى في الضمّ ردًّا مباشرًا على الاعتراف الدولي المرتقب بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن يفضّل التعجيل به في إطار خطوة استباقية تسبق أيّ تحرّك دولي محتمل. في المقابل، برز اتجاه ثالث يرى أنّ "فرض السيادة" على الضفة الغربية يجب أن يُطرَح باعتباره خطوة مستقلة وجذرية، لا ردة فعل على ضغوط خارجية.
 
خريطة سموتريتش
كشف سموتريتش عن مقترحٍ يقضي بضمّ نحو 82 في المئة من مساحة الضفة الغربية، استنادًا إلى خرائط تفصيلية أعدّتها مديرية الاستيطان في وزارة الحرب الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة، لتوضيح المناطق المستهدفة وآليات تنفيذ المشروع. وتُعدّ هذه الخطة أوضح تعبير حتى الآن عن الدفع المتزايد داخل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، مستخدمةً توجّه عدد من الدول الغربية نحو الاعتراف بدولة فلسطينية ذريعةً للتسريع في الضمّ.
 
يمثّل سموتريتش أكثر التيارات اليمينة تطرفًا وفاشيّةً في إسرائيل؛ إذ إنه دعا سابقًا إلى "محو بلدات فلسطينية بأكملها من الخريطة"، واعتبر أنّ الشعب الفلسطيني "لا وجود له أو ينبغي ألّا يوجد". وقد أظهرت الخريطة التي كشف عنها تصورًا للضفة بعد الضمّ، فيه ست بقع سكانية صغيرة ومبعثرة ضمن مساحة الضفة الغربية التي تبلغ نحو 5680 كم². ووفقًا لهذه المخططات التي عرضها سموتريتش بحضور رؤساء مجالس المستوطنات في الضفة الغربية، سيخضع نحو 82 في المئة من الضفة للسيطرة الإسرائيلية، بينما يُترَك للفلسطينيين 18 في المئة فقط، في المناطق ذات الكثافة السكانية المصنَّفة ضمن المنطقة (أ). وتشير الخطة أيضًا إلى استبعاد أربع مدن رئيسة، هي: سلفيت، وطوباس، وبيت لحم وقلقيلية، من المناطق الفلسطينية المقترَحة.
 
تعكس هذه المخططات توجهًا نحو تحويل ما تبقّى من أراضٍ فلسطينية إلى كيانات مدنية مناطقية، بلا مقومات وطنية، في خطوة تهدف إلى تقويض الفكرة الوطنية الفلسطينية. ويقترن ذلك بتهديدات مباشرة ضد السلطة الفلسطينية؛ إذ إن سموتريتش أعلن أن أيّ محاولة لمواجهة مشروع الضمّ ستواجَه بإجراءات تؤدي إلى "إبادة السلطة الفلسطينية". وتقوم خطته على مبدأ "أقصى مساحة من الأرض، وأقل عدد من السكان العرب"، في إشارة ضمنية إلى نية دفع الفلسطينيين نحو التهجير لدعم المشروع الاستيطاني، أما من تبقّى منهم فسوف تتولى شؤونهم إدارة بلدية محدودة الصلاحيات.
 
يعتمد هذا المشروع على بنية تحتية أنشأتها إسرائيل على مدى عقود، قوامها شبكة المستوطنات التي جرى بناؤها؛ بهدف تقطيع أوصال الضفة لتقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. وتترافق الخطة مع إجراءاتٍ عملية محكمة، تشمل تسليح المستوطنين لفرض السيطرة على الأرض وإرهاب السكان المحليين. أما الإجراءات اليومية فتتمثل في الاعتداء على المزارعين الفلسطينيين وإحراق ممتلكاتهم، وإقامة مئات الجيوب المعزولة المفصولة ببوابات حديدية عند مداخل المدن والقرى يمكن الجيش الإسرائيلي إغلاقها في أيّ لحظة، ونشر شبكة واسعة من الحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقيّد حرية التنقل. ومنذ اندلاع الحرب على غزة، تسارعت وتيرة إقامة مستوطنات زراعية جديدة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية؛ بحجّة تحويلها إلى مراعٍ لمواشي المستوطنين.
 
يرتكز المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية على محاور رئيسة، هي: توسيع المستوطنات القائمة، وإنشاء مئات البؤر الاستيطانية، وإقامة مزارع للرعي؛ فرَعْي المواشي يقود إلى الوجود اليهودي في مساحات واسعة ويتيح التحرش بالسكان العرب والاعتداء على أراضيهم المزروعة، وبناء آلاف الكيلومترات من الطرق الالتفافية، وجذب اليهود الحريديم إلى المستوطنات، وإنشاء مستوطنات ضمن الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. تمثّل هذه السياسات استراتيجية متكاملة تهدف إلى طمس فكرة الدولة الفلسطينية، وفتح الطريق أمام عمليات تهجير واسعة النطاق، بما يتماشى مع رؤى التيار الأكثر تطرفًا في الحكومة الإسرائيلية.
 
وعمل سموتريتش، منذ أن منحه نتنياهو صلاحيات واسعة في ملف الاستيطان وجرى تحديد سياساته في كانون الثاني/ يناير 2023، على تقويض الوجود الفلسطيني جغرافيًا وإداريًا واقتصاديًا، ودعم خطط توطين نحو مليون مستوطن في الضفة خلال السنوات المقبلة. ودفع في اتجاه دمج المستوطنات قانونيًا وإداريًا، بما يطمس الحدود الحالية بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل. وأصدر تعليمات مباشرة لإدارة الاستيطان بإعداد خطط تطبيق السيادة، مؤكدًا أنّ عام 2025 "سيكون عام السيادة".
 
الموقف الأميركي
رغم حالة الاستنزاف التي يعانيها جيش الاحتلال في موارده البشرية والمادية، والضغوط المتزايدة على خطط الطوارئ، نتيجة استمرار الحرب في غزة، ترى حكومة نتنياهو في اللحظة الراهنة فرصة مواتية لفرض واقع أمني وسياسي جديد، مستفيدةً من وجود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومن ردات الفعل العربية والإسلامية الباهتة واللامبالية حيال جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ نحو عامين.
 
ويعدّ الموقف الأميركي المتماثل مع اليمين الإسرائيلي من أبرز العوامل المشجعة لإسرائيل على المضيّ في خططها لضمّ أجزاء من الضفة الغربية؛ إذ إن إدارة ترمب تتبنّى رواية تبريرية تدّعي أنّ التحركات الأوروبية نحو الاعتراف بدولة فلسطينية تدفع إسرائيل إلى مواجهتها بخطوات الضمّ. وقد عبّر وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عن هذا الموقف بوضوح، مؤكدًا قناعته بالضمّ وإبداء مواقف متطرفة صريحة في دعم إسرائيل. إلى جانب ذلك، اتخذت الولايات المتحدة الأميركية إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، للضغط على الدول الأوروبية كي تعيد النظر في مواقفها، من بينها إلغاء تأشيرات مسؤولين فلسطينيين، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، كان مقررًا أن يشاركوا في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. في المقابل، تبدو قدرة الأوروبيين على ممارسة ضغط فعّال على إسرائيل محدودة، كما أنهم لا يستثمرون ما يملكونه من أدوات ضغط محتملة، مثل فضّ الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. فالاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية، على أهميته السياسية، لا يغيّر الواقع القائم على الأرض. ومن هذا المنظور، يُعدّ قرار واشنطن منع السلطة الفلسطينية من المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة جزءًا من تحركات منسقة مع تل أبيب تهدف إلى تقويض مكانة السلطة الفلسطينية دوليًا. وهو ما يتيح لحكومة نتنياهو مظلة سياسية تمكّنها من المضيّ في خطط الضمّ من دون خشية من عزلة دولية أو عقوبات مؤثرة.
 
يتضح أنّ ملف "فرض السيادة" الإسرائيلية على الضفة الغربية يحتل مكانة بارزة في النقاشات السياسية بين إسرائيل والولايات المتحدة، تمهيدًا لإعلان خطوات ملموسة خلال الأشهر المقبلة. فقد أبلغ وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، نظيره الأميركي، خلال لقائهما في واشنطن، أواخر آب/ أغسطس 2025، أنّ إسرائيل تتحرك بخطوات مدروسة نحو فرض سيادتها على الضفة الغربية. وقد رفض روبيو الانضمام إلى الإدانات الدولية الموجّهة ضد خطوات الحكومة الإسرائيلية، قائلًا إنّ "ما يقال بشأن الضفة الغربية وضمّها ليس نهائيًا، بل لا يزال قيد النقاش بين بعض الأطراف السياسية الإسرائيلية، ولن أدلي برأيي الآن". وفي السياق نفسه، زار السفير الأميركي لدى إسرائيل، المعروف بانتمائه الإنجيلي المتطرف، مايك هاكابي، مستوطنة إفرات الواقعة جنوب بيت لحم، ووُصفت الزيارة بـ "الاجتماعية"، وشارك في صلاة السبت داخل كنيس محلي. وقد رأى رئيس مجلس المستوطنة، دوفي شيفلر، أن الزيارة تمثل دعمًا معنويًا يعزز الاستيطان. ولفتت الأنظار تصريحات هاكابي التي استخدم فيها مصطلح "يهودا والسامرة" بدلًا من الضفة الغربية، في انسجام واضح مع الخطاب الرسمي الإسرائيلي، مؤكدًا أنّ "الإجراءات الأوروبية ضد إسرائيل تدفع قطاعات متزايدة داخلها إلى التفكير بجدّية في ضمّ أجزاء من المنطقة"، وهو ما يعكس أبعادًا سياسية واستراتيجية للزيارة تتجاوز الطابع الرمزي المُعلَن.
 
تداعيات إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية فلسطينيًا
يضع مشروع إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية السلطة الفلسطينية أمام أزمة وجودية؛ إذ إنّه سيحوّلها من كيان سياسي إلى جهاز إداري محلي محدود الصلاحيات يخدم مصالح الاحتلال فقط. وعلى الرغم من أنّ السلطة قد تحوّلت فعليًا إلى "سلطة إدارية" تتحمل أعباء الاحتلال في مجالات، مثل الصحة والتعليم، فإنّ عملها سوف ينحصر أكثر في إدارة الشؤون المدنية اليومية من دون أيّ بعد سياسي أو سيادي، ما يقوّض مشروعها الوطني ويحوّلها عمليًا إلى "كيان مفكّك". وستستمر السلطة في أداء مهماتها تحت إشراف الحاكم العسكري الإسرائيلي في حال المضيّ في خطط الضمّ، ما يرسّخ فقدانها أيّ دور مستقل، وربما يجري الاستغناء عنها في المستقبل، عند إيجاد البديل.
 
اتخذ وزير المالية الإسرائيلي خلال العامين الماضيَين سلسلة إجراءات مالية صارمة تهدف إلى خنق السلطة الفلسطينية، ضمن محاولات الترويج لخطط الضمّ. ومن أبرز هذه الإجراءات وقف تحويل 500 مليون دولار من أموال المقاصة للسلطة، رغم أنها حُوّلت لاحقًا بعد ضغط مارسته إدارة جو بايدن، لتعود إسرائيل وتمتنع عن تحويلها مرة أخرى. وحجب سموتريتش، خلال الأشهر الأربعة الماضية، مئات الملايين من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية. وعزّز فصل البنوك الفلسطينية عن النظام المالي الإسرائيلي. وقد أدّت هذه السياسات إلى إضعاف السلطة ووضعها على شفا الانهيار. ويجري الترويج داخليًا لاحتمال استبدال السلطة الفلسطينية على المدى البعيد ببلديات عربية محلية، على غرار "روابط القرى" التي أنشأتها إسرائيل عام 1976 لإدارة المناطق الفلسطينية. ويجسد ذلك مخطط إنشاء ما يسمى "إمارة الخليل"، الذي يسعى إلى تجريد المدينة من أيّ وجود للسلطة الفلسطينية، ونقل إدارتها إلى رموز عشائرية ومحلية مرتبطة بالإدارة المدنية للاحتلال.
 
إذا نفذت إسرائيل مخططاتها، فإنّ أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني سيجدون أنفسهم في خطر وجودي، مع احتمال توسّع سياسات التهجير القسري، سواء بالقوة العسكرية المباشرة أو عبر التضييق الاقتصادي والإداري. ومن ثمّ، لا يقتصر التحدي الفلسطيني على إمكانية إقامة دولة، بل يرتبط بطبيعة الصراع الوجودي الذي يخوضه مع دولة الاحتلال، والتي تعتمد، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، خطابًا متصاعدًا وسياسات عسكرية وخطوات سياسية تعكس فهمها للصراع باعتباره صراعًا وجوديًا. ومن هنا، تبرز المخاطر الجدية للتهجير القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وربما حتى لدى الفلسطينيين داخل ما يسمَّى "الخط الأخضر"، أي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948.
 
خاتمة
يمثّل مشروع الضمّ الإسرائيلي للضفة الغربية نهايةً لمسار اتفاقيات أوسلو ويقوّض مسار حلّ الدولتين، كما يضع السلطة الفلسطينية أمام مأزق وجودي. وفي المقابل، تواجه إسرائيل، إذا قررت ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، رفضًا ونقدًا دوليَين متصاعدَين، بما قد يحوّلها إلى كيان منغلق تمامًا. ورغم أنّ مشروع الضمّ لا يزال قيد النقاش الداخلي، ويراوح بين خطوات رمزية محدودة وخطة شاملة تشمل مناطق (ج) وغور الأردن، فإن النيات الإسرائيلية واضحة تمامًا. وتشير تحركات حكومة نتنياهو بوضوح إلى اتجاهها نحو فرض السيادة على أجزاء من الضفة، على الرغم من أن التفاصيل النهائية لم تُحسم بعد. في الوقت نفسه، تعمل إسرائيل على فرض وقائع جديدة على الأرض، تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني ودفع السكان إلى خارج المناطق المستهدفة. ولا يُعدّ تكثيف النقاش حول "إعلان السيادة" ردة فعل فقط على الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية، بل تتويجًا لمسار طويل بدأ منذ اتفاقيات أوسلو. يتمثل جوهر هذه الخطوة الإسرائيلية في التوسع الإقليمي، ومنع إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وطَمْس ما تبقّى من الفكرة الوطنية الفلسطينية، وتحويل أيّ اعتراف دولي بالدولة إلى أمر رمزي بلا أثر فعلي على الأرض. وقد قطعت إسرائيل، على مدار عقدين من الزمن، شوطًا كبيرًا نحو فرض السيادة، وبنت ما يمكن وصفه بـ "دولة موازية" في الضفة الغربية، بحيث يكون الإعلان عن السيادة بمنزلة قوننة إسرائيلية لواقع قائم. وهو ما يضع المشروع الوطني الفلسطيني أمام تحدٍّ غير مسبوق، يتطلب التفكير في خطوات وإجراءات ترتقي إلى مستوى هذا التحدي.​​