• اخر تحديث : 2025-09-10 15:56
news-details
إصدارات الأعضاء

سورية بين المطرقة والسندان: دروس باتريك سيل ونيكولاوس فان دام من التاريخ إلى المستقبل


مقدّمة تمهيدية
تُعَدّ الكتابات الغربية حول سورية مرجعاً لا غنى عنه لفهم جذور أزمتها ومساراتها. في مقدّمة هذه الكتابات يقف اسمان بارزان:
 
-باتريك سيل: صحافي ومؤرخ بريطاني كتب عن سورية منذ الستينيات.
-نيكولاوس فان دام: باحث ودبلوماسي هولندي قدّم تحليلات معمّقة لبنية السلطة السورية وصولاً إلى الحرب الأهلية.
 
عملهما يشكّل مرآة تعكس تاريخ سورية من مرحلة الصراع على استقلال القرار الوطني، إلى مرحلة ترسيخ السلطة ثم انهيارها الجزئي بعد 2011.
قراءة كتبهما اليوم ليست تمريناً أكاديمياً بحتاً؛ بل درس عملي للسوريين لصوغ مستقبل مختلف، وإلا ستظل سورية رهينة للضعف والانقسام.
 
أولاً: باتريك سيل – سرد الصراع على سورية وبناء السلطة
1. الصراع على سورية (The Struggle for Syria, 1965)
الموضوع: دراسة السياسة السورية من 1945 إلى 1958، وتحول سورية إلى ساحة تنافس بين القوى الإقليمية والدولية.
أبرز الأفكار: هشاشة الدولة وضعف الأحزاب الوطنية فتح الباب أمام الانقلابات والتدخلات الخارجية.
الدرس المستفاد: بدون مؤسسات مستقرة وسيادة وطنية حقيقية، تصبح سورية ملعباً لغيرها.
 
2. الأسد: الصراع من أجل الشرق الأوسط (Assad: The Struggle for the Middle East, 1988/1989)
الموضوع: سيرة سياسية لحافظ الأسد وبناء نظام أمني مركزي استطاع الإمساك بمفاصل الدولة.
أبرز الأفكار: شخصية القائد واستراتيجياته حاسمة، لكنها تقوم على شبكة من الولاءات والردع.
الدرس المستفاد: الدولة التي تقوم على شخص واحد، مهما بلغت قوته، تظل مهددة بالاهتزاز عند تغيّر الظروف.
 
ثانياً: نيكولاوس فان دام – تحليل بنية السلطة وانهيارها
3. الصراع على السلطة في سورية (The Struggle for Power in Syria, 1979–2011)
الموضوع: دراسة تحليلية لبنية السلطة في سورية تحت حكم البعث والأسد؛ التركيبة الطائفية والعسكرية للحكم.
أبرز الأفكار: النظام بنى شبكات ولاء معقدة (طائفية، حزبية، أمنية) تضمن تماسكه واستمراره.
الدرس المستفاد: تفكيك هذه الشبكات يحتاج إلى حلول تدريجية ومصالحة مجتمعية، وليس إلى كسر عنيف يولّد فوضى.
 
4. تدمير أمة: الحرب الأهلية في سورية (Destroying a Nation: The Civil War in Syria, 2017)
الموضوع: قراءة للحرب الأهلية السورية، أسبابها الداخلية والخارجية، وفشل النظام والمعارضة في تفادي الانهيار.
أبرز الأفكار: تصاعد الفساد وغياب الإصلاح العميق قبل 2011 فاقم الاحتقان؛ التدخلات الخارجية حولت الأزمة إلى حرب متعددة المستويات.
الدرس المستفاد: الإصلاح المبكر والحوار الوطني الحقيقي أقل تكلفة بكثير من الحروب والانهيار الشامل.
 
ثالثاً: نقاط التقاطع بين سيل وفان دام
هشاشة الدولة: ضعف المؤسسات هو الثغرة الكبرى في التاريخ السوري.
دور القوى الخارجية: سورية غالباً ما كانت ساحة لصراعات تتجاوز حدودها.
الشبكات الطائفية والعسكرية: ضرورية لفهم بقاء النظام وانقسام المجتمع.
 
رابعاً: اختلافات في المنهج والرؤية
باتريك سيل: يركّز على دور القادة والشخصيات التاريخية، ويروي تاريخ التأسيس والتمكين.
نيكولاوس فان دام: يركّز على البُنى والمؤسسات، ويحلل مرحلة ما بعد التمكين حتى التفكك.
 
خامساً: خلاصات ودروس عملية للسوريين لبناء المستقبل
-بناء مؤسسات حيادية وقابلة للمساءلة: لا يمكن لأي مشروع وطني النجاح بدون مؤسسات قوية تتجاوز الولاءات الشخصية والطائفية.
 
-إصلاح الخدمات ومكافحة الفساد مبكراً: الاحتقان الاجتماعي الناتج عن الفساد والتمييز هو وقود النزاعات.
 
-تفكيك تدريجي لشبكات الولاء: التحول نحو دولة المواطنة يحتاج إلى برامج اقتصادية وسياسية ذكية، لا إلى قرارات صادمة تولّد مقاومة.
 
-خارطة مصالحة محلية – إقليمية واضحة: إشراك المجتمع المحلي وضمانات دولية لتحقيق تسوية طويلة المدى.
 
-حماية الذاكرة الوطنية والعدالة الانتقالية: توثيق الانتهاكات بشكل مهني يحمي المستقبل من ثأرية متجددة.
 
سادساً: الحذر من الفكر الجهادي الإقصائي وربطه بدولة المواطنة
استلام التنظيمات الجهادية بفكر إقصائي ومذهبي ليس حلاً، بل شرذمة للمجتمع بفكر متخلّف وعدمي يؤدي إلى مزيد من الانقسام.
الفكر الجهادي في سورية يتصادم مع النسيج التاريخي، ويهدّد بإشاعة التطرف في الإقليم والعالم، وإنهاء الدور التنويري لسورية.
الخلاصة الجوهرية: الحل في دولة المواطنة الديمقراطية العلمانية، وليس في إعادة إنتاج الاستبداد أو الولاءات الطائفية والفصائلية أو منظومة الفساد بطرق جديدة.
 
سابعاً: الصورة الكاملة – الداخل والخارج معاً
الدعم الخارجي الممنهج للصراع السوري كبير: وفق تصريحات حمد بن جاسم تجاوزت الإنفاقات 130 مليار دولار لدعم المعارضة والفصائل والمنصات الإعلامية.
مع ذلك، تحليل الأسباب الداخلية – هشاشة الدولة، الفساد، الانقسام الاجتماعي – يظل أساسياً لفهم الأزمة.
المؤامرات الخارجية لا تنجح إلا إذا وجدت نقاط ضعف داخلية متراكمة.
 
ثامناً: خاتمة
قراءة سيل وفان دام تعطي عمقاً لفهم أسباب ومآلات الأزمة السورية، لكنها لا تغطي بالكامل التدخلات الخارجية.
الدرس الأبرز: أي مسار صحي لسورية يجب أن يُبنى على دولة مواطنة ديمقراطية علمانية بعيدة عن الطائفية والتوظيف الإقصائي للدين.
الإيمان بأن الحل يأتي من الخارج أو إعادة إنتاج استبداد جديد سيبقي سورية ضعيفة وممزقة.