شَكَّل وصول طائرة مسيرة انقضاضية من اليمن إلى إيلات حدثاً مفصلياً، وكان بمثابة اختراق استراتيجي كشف عن ثغرات عميقة في منظومة الدفاع الجوي "الإسرائيلية" التي طالما وُصفت بأنها الأكثر تطوراً.
لقد تجاوزت هذه المسيرة، بعد قطعها مسافة تقارب 2000 كيلومتر، طبقات متعددة من الرصد والاعتراض البحري والجوي لتصل إلى هدفها بدقة لافتة، محققة بذلك عنصر مباغتة أثار صدمة في الأوساط العسكرية والسياسية "الإسرائيلية" وأجبرها على الاعتراف بفشل مزدوج في الكشف والاعتراض.
تفوق تكتيكي يمني
يكمن نجاح المسيرات اليمنية في قدرتها على توظيف تكتيكات "غير متكافئة" تُبطل فعالية أنظمة الدفاع التقليدية.
فهذه الطائرات، التي يُعتقد أنها مصنعة من مواد مركبة تمتص الموجات الرادارية، تتمتع ببصمة رادارية منخفضة للغاية، ويقترن ذلك بقدرتها على التحليق على ارتفاعات منخفضة جداً.
إن هذا التكتيك لا يقلل من فرصة الكشف المبكر فحسب، بل يضغط أيضاً عامل الزمن اللازم للاستجابة والاعتراض، مما يفسر فشل محاولات الاعتراض المتكررة التي أقر بها الجيش "الإسرائيلي".
التأثير النفسي والاقتصادي
تتبنى العمليات اليمنية استراتيجية "استنزاف" ذكية تتجاوز الأثر العسكري المباشر؛ فكل مسيرة منخفضة التكلفة تجبر "إسرائيل" على إطلاق صواريخ اعتراضية باهظة الثمن من منظومات مثل "القبة الحديدية" أو "مقلاع داوود"، مما يخلق نزيفاً اقتصادياً طويل الأمد.
والأهم من ذلك هو الأثر النفسي، فهذه الهجمات تزرع حالة من الخوف وانعدام اليقين في الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، خاصة في مدينة سياحية حيوية مثل إيلات. إن تحويل منطقة استراتيجية إلى هدف دائم يضرب قطاع السياحة ويفرض حالة من القلق المستمر، وهو ما يمثل نجاحاً استراتيجياً بحد ذاته، حتى لو كانت القدرة التدميرية للهجوم محدودة.
فشل استخباراتي وتآكل صورة الردع
يكشف تكرار نجاح هذه الهجمات عن فشل استخباراتي "إسرائيلي" مركب؛ فإلى جانب العجز عن الرصد التكتيكي، يبدو أن هناك قصوراً في القدرة على جمع معلومات استخباراتية دقيقة حول أماكن إطلاق هذه المسيرات وتوقيتاتها وقدراتها المتطورة.
هذا الفشل لا يقوض الثقة في المؤسسة العسكرية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تآكل "صورة الردع" التي بنت عليها "إسرائيل" عقيدتها الأمنية لعقود.
إن قدرة طرف يُعتبر أقل تطوراً على تحدي التفوق الجوي "الإسرائيلي" بشكل متكرر، يبعث برسالة قوية إلى خصوم آخرين في المنطقة، ويغير من موازين القوى الإقليمية بشكل لا يمكن تجاهله.
أزمة مصداقية في الداخل "الإسرائيلي"
في مواجهة هذا الفشل العملياتي، لجأت المؤسسة العسكرية "الإسرائيلية" إلى سرديات متغيرة لتبرير ما حدث، بدءاً من الادعاء بأن الهجوم تم بخدعة إطلاق مسيرات متعددة، وصولاً إلى الاعتراف الصريح بالفشل.
هذا التخبط في الرواية الرسمية، الذي يخضع لرقابة عسكرية صارمة، خلق أزمة مصداقية عميقة لدى الرأي العام "الإسرائيلي".
فبعد أشهر من التأكيدات على أمان الأجواء، بات المواطن "الإسرائيلي" يشكك في قدرة جيشه على قول الحقيقة أو حتى توفير الحماية الأساسية، مما يفاقم من الضغط السياسي الداخلي على الحكومة والجيش على حد سواء.
ما بعد الصدمة
من المتوقع أن يسعى الكيان "الإسرائيلي" خلال الفترة القادمة إلى ترميم صورته الردعية التي تآكلت، وذلك عبر تنفيذ عمل عسكري ضد أهداف في اليمن.
هذا الرد، سواء كان على شكل غارات جوية أو عمليات خاصة، لن يهدف بالضرورة إلى تحييد قدرات اليمن العسكرية بشكل كامل، بقدر ما سيستهدف تحقيق "صورة نصر" يمكن تسويقها للداخل "الإسرائيلي" المأزوم.
ستعمل آلة الدعاية "الإسرائيلية" على تضخيم هذا الرد وتصويره على أنه إنجاز استراتيجي يعيد فرض قوة الردع، في محاولة لصرف الأنظار عن الفشل الأصلي في التصدي للمسيرة وتداعياته الخطيرة.
سيبقى هذا الرد محفوفاً بالمخاطر، فقد يفتح الباب أمام جولة جديدة من التصعيد الذي قد لا يكون في صالح "إسرائيل" على المدى الطويل، ويكشف المزيد من نقاط ضعفها.