• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
إصدارات الأعضاء

من وراء فشل التجربة السياسية بالعراق؟


كثيرون هم الذين يسألون عن سبب فشل التجربة السياسية بالعراق رغم ان الذين يقودونها هم سياسيون معارضون عاشوا سنوات من الغربة والجهاد والخوف والترهيب وخسروا مستقبلهم ووظائفهم وعاشت اسرهم واقرباؤهم الويل والثبور.

الان الجميع في "حيرة" يسألون؛ كيف لبلد فيه هذه الطاقات والثروات البشرية والاقتصادية والموقع الجغرافي وبنى تحتية كثيرة من مواصلات ومصانع وجامعات وغيرها لا يقوى على النهوض والشروع بتجربة سياسية واقتصادية لبناء البلد وإنعاش الوضع المعيشي والخدمي للعراق؟ .هذا سؤال منطقي يتداوله الناس في العراق وفي البلدان التي تشبه واقعنا.

وسأجيب باختصار شديد بان هناك نظامان يحكمان العالم اما النظام (الرأسمالي) والذي تدين له دول الغرب ومن يتبعها او (النظام الشمولي) والذي تدين له الانظمة المركزية (الشيوعية) ولكل نظام منهج لإدارة البلد.

النظام الرأسمالي سواء رئاسيا او برلمانيا ليس الفرق بكبير لان المهم (من يرعى التجربة السياسية والحفاظ على ديمومة بقائها)؟ ان الذي (يرعى التجربة السياسية بالنظام الرأسمالي هم اصحاب رؤوس الاموال من اصحاب مصانع القطارات والطائرات والاسلحة والمصارف والبواخر وغيرها) هؤلاء هم من يحافظون على التجربة السياسية في بلدهم!

كيف؟ اصحاب رؤوس الاموال يمتلكون المصانع والجامعات والاعلام والعقارات والمزاع ذات (الانتاج الواسع) وهم من يمول منظمات المجتمع المدني، وهم من يصنع السياسيين ويديرون الانتخابات عبر الاموال والاعلام وبذا فان التجربة السياسية في بلدانهم لا تهوي او تضعف مادام السياسيون في خدمة رأسمال المال وكما يقولون في أديباتهم (عربة الاقتصاد تقود عربة السياسة)! وما على السياسيين الذين هم اشبه بموظفين لدى هؤلاء الاغنياء سوى العمل على ادامة رؤوس الاموال عبر سرقة ثروات الشعوب وصناعة الازمات والتآمر وصناعة الحروب وغيرها.

اما النظام او (الشمولي) او (الشيوعي) وهي مسميات متقاربة هدفها واحد ان يكون (رأس المال بيد الدولة) وهناك حزب واحد يتولى الادارة السياسية للبلد وادارة الاقتصاد والعلاقات الخارجية وينظم حياة المجتمع وفق ذلك.

هذا (الحزب) هو من يرعى التجربة السياسية بالبلد ويحافظ عليها وفي زوال التجربة السياسية يعني زوال هيمنته فالاتحاد السوفيتي حين فشل الحزب الشيوعي (الحاكم) بالإدارة السياسية للبلد انهارت التجربة السياسية برمتها!

اما في الصين فقد استمر الحزب الشيوعي الصيني حاكما ومازال لكنه نوّع في تجربته الاقتصادية والسياسية بالخلط بين الاشتراكية والرأسمالية، وبذا حافظ على تجربته من الانهيار ومازال مستمرا بها محققا نجاحا متميزا، خاصة وقد أصبح الكثير من قادة الحزب الشيوعي اصحاب رأس مال.!

هناك دول تحكمها اسر منذ قرون وهي عبارة عن (ممالك) او (امارات) وهذه الدول ليس لديها تجربة سياسية واضحة انما تقع تحت (الرعاية الدولية) اشبه ب(المحميات) حيث تتولى (الارادات الخارجية) الحفاظ على التجربة السياسية لهذه (الممالك والامارات) وغالبا ما تدار من قبل مستشارين (اجانب) غير (مرئيين)وهم تحت (الحماية) ايضا لذا لا يمكن قراءة مثل هذه التجارب لأنها جزء من واقع سياسات الدول الكبرى.

لا يفوتنا ان نذكر عن وجود دول بنظام عسكري (سلطوي) يتولى العسكر حماية التجربة السياسية ورعايتها ولا يسمح بانهيارها وغالبا ما تكون القيادات العسكرية خاضعة للدول الكبرى.

في بلدنا (العراق) ليس هنالك من يرعى تجربتنا السياسية، انما تشكلت طبقة سياسية امتلكت المال وامتلكت القرار السياسي، وهذه (الطبقة) غرقت في فوضى التدخلات الخارجية، مثلما غرقت ب(الفساد)فلاهي بالقادرة على تغيير معادلة الضغط الخارجي ولا بالقادرة على انتاج تجربة خاصة بها كما هو الحال في إيران حيث انتجت لنفسها تجربة (خاصة) وحين تفردت اميركا بالعالم وانهار الاتحاد السوفيتي بقيت هي والصين ودول اخرى ثابتة الاقدام.

التجربة السياسية بالعراق لم تأتِ عن طريق تسلسل زمني لكفاح الشعب وجهادهم وتضحياتهم انما تدخلت (دولة كبرى) مستغلة تدهور تجربة سياسية (متسلطة) فاحتلت العراق، واعادت عجينته وفق اهوائها وحاجتها وفرضت عليه تجربة سياسية ونظاما لم يألفه وليس لديه خبرة بذلك، فغابت الحلول كي تبقى التجربة تحت (رعاية الاحتلال) لذا ترى اغلب قادة الكتل السياسية ينتظر حلا خارجيا او يحاول ان يتلمس اراء الارادات الخارجية كي يتوافق معها ليكسب رضاها ويديم بقاءه.

ما يحسب للعراقيين انهم استطاعوا ان يطردوا قوات الاحتلال عن ارضهم مما أزعج امريكا فاستعانت بمصنع الارهاب وارسلت لنا بضاعته من (الدواعش) وايضا انتصرنا عليهم وطردناهم.

المشكلة ان جميع الاحزاب الاسلامية التي شكلت الكم الاكبر من (المعارضة) وكانت سببا في اضعاف الانظمة الديكتاتورية لم تستطع ان تطبق (عقيدتها) فالتجربة الديمقراطية في العراق (ليبرالية)تضم احزابا متنوعة علمانية واسلامية وغيرها، فتحولت من احزاب وتاريخ وجهاد وتضحيات الى مجرد عناوين واسماء و(اسر) حاكمة بلا هوية او عقيدة واضحة!!

السؤال: لماذا لم تفكر هذه الاحزاب ان تعيد تأهيل المصانع والمعامل ومحطات الطاقة الكهربائية وغيرها؟

الجواب هذا غير مسموح به، ومن يحاول ان يبني او يعمر فمصيره اما (العزل)كما هو حال المرحوم (الچلبي) او غيره ممن حاولوا في المصادقة على قانون البنى التحتية فتمت مهاجمته وعزله! واخر محاولة كانت للسيد عادل عبد المهدي والاتفاقية الصينية فهيجوا عليه الشارع -بعلم ودون علم -فوجد نفسه لايملك سوى تقديم الاستقالة او (اراقة الدماء) وهذه العملية اشرفت عليها السفارة الاميركية والبريطانية والخليجية ورصدت لها مليارات، فنصبوا (مصطفى الكاظمي) الذي لا يملك ما يفعل، وقد حاصروه بعملائهم.

السؤال: لماذا ترفض امريكا ان نستفيد من اموالنا وثرواتنا لبناء بلدنا؟

الجواب: هذا يجب ان يطبق على جميع الدول التي تحت رعايتها! لان بناء مصنع او معمل يعني هناك ايدي عاملة وهناك جامعات وكوادر فنية وثقافية وفكرية وهناك حيوية عامة لدى الشعب لمواكبة الحضارة وهذا يهدد وجودها كما يحدث الان للصين والهند وفيتنام وماليزيا ودول اخرى بالعالم، اما دول اوروبا فان امريكا باتت تعاني منها لذا كان مشروع (ترامب) افقارها ونزع حضارتها لذا قال عن قارة اوروبا (القارة العجوز) وقال عن حلف الناتو (أصبح قديما وغير مستعدين للإنفاق عليه)! خاصة وان اوروبا فكرت ان تتزحزح عن الهيمنة الاميركية وتكون شخصية خاصة لها عبر انشاء (الاتحاد الاوربي) اما الدول التي شهدت نهضة صناعية فان اميركا فرضت عليها القواعد العسكرية وفرضت عليها النظم السياسية لذا لأميركا (850) قاعدة عسكرية خارج اراضيها.

السؤال: هل سنبقى هكذا احزابنا متصارعة وثرواتنا منهوبة ودون مشروع حضاري وعمراني وثقافي؟

الجواب: هذا ممكن خاصة وان امامنا فرصة كبيرة يشهد فيها العالم تحولا كبيرا لنشوء قطبية جديدة، وهذه التحولات سبق وان استفادت منها الصين وإيران والهند وفيتنام وشهدت نهضة كبيرة ايام صراع القطبين، كما ان القبضة الاميركية قد ارتخت على شعوب الارض فتجد ان بايدن تنمرت عليه دول الشرق الاوسط وان إيران رفعت من منسوب مطالبها بالاتفاق النووي وان كوريا الشمالية اعلنت قبل ايام من انها (دولة نووية) فيما اكد المرشح لرئاسة الارجنتين (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا) اليساري التوجه بانه (يجب اعادة النظر بمجلس الامن واعضائه) بمعنى ان الارجنتين تفكر ان تصبح عضوا بمجلس الامن، وكفى (تفردا اميركيا)!

اذن وفقا لهذا الاستطراد الذي اوردناه نحتاج الى الشروع بعملية سياسية تستثمر هذا (التحول الدولي) وتعاجل باستخدام كل الادوات الممكنة بالنهوض والبناء والاعمار وهي فرصة قد لا تعاود الا بعد خمسين الى مائة عام.