• اخر تحديث : 2024-12-23 03:31

على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية 25 في “إسرائيل”، وصعود اليمين الديني المتطرف لأجهزة الحكم، تكون قد اكتملت أركان المرحلة الأولى من خطة فصل وتهجير العرب بناءً على ما وصفه (يورام فان كلافيرين) في مقال نشره بجريدة (هآرتس) الصادرة في تاريخ 7/10/2022، نحن مدركون جنوح الشارع الإسرائيلي، وانزياحه نحو اليمين ولسنا بحاجة لينُظّر علينا اليسار من خلال مقالة هنا وهناك وكلاهما وجهان لعملة واحدة، فاليسار المنافق أساس كل مآسي شعبنا من (بن غوريون)، والذي سنتطرق إليه لاحقاً إلى (إيهود باراك)، السفاح الذي قتل بدم بارد 13 شهيداً من فلسطينيي الداخل عام 2000 وغيرهم كثير.

وهو نفسه من نعى- اليسار الإسرائيلي- بتصريحه الشهيـر، بعد مؤتمر 2000م أنه (لا يوجد شريك فلسطيني) وبمقولته هذه لم يبقَ مسوغ لبقاء اليسار كفاعل على الحلبة السياسية، والانتخابات الأخيرة خير شاهد على ذلك.

نعم هناك خطر دائم على شعبنا، وعلى وجودنا، ولكن هل الحل بتأجيله من خلال أدواته وشروط اللعب التي نظمها هو لنا؟ حتى من حاول التزلف أدرك بسرعة أنه خارج لعبة المعسكرات، وخارج الإجماع الصهيوني، ولكنهم- للأمانة- نجحوا مرة أخرى بتجزيء المجزّأ.

المطلوب برأيي: التوحّد تحت راية واحدة خارج مشروعية الكنيست لانتزاع حقوقنا القومية، وعلى رأسها حق تقرير المصير على أرضنا، وفي أماكن تواجدنا، والحد الأدنى يكون باستطاعة هذا الجسم تحديد المخاطر، والتحرك الجماعي في الوقت المناسب، دون إضاعة وقت ثمين، باعتقادي هذا ليس بمثابة إنذار، أو إن كان فعلاً سيحصَل، وإنما متى سيحصل؟ بالنسبة ليوفال؛ يرجّح بقوة حدوث السيناريو السنة المقبلة عام 2023، تماماً كما يعتقد علماء الجيولوجيا بوقوع هزّة أرضية عنيفة في المنطقة مرة كل مئة سنة تودي بحياة الآلاف.

أحداث سيف القدس دقّت ناقوس الخطر لدى الشارع الإسرائيلي كما يعتبرها المحللون الإسرائيليون، وترجمت الانتخابات تلك الأحداث عبر صناديق الاقتراع، ومهّدت الطريق أمام اليمين الشعبوي لمضاعفة جماهريته واستغلها نتنياهو كقارب نجاة للعودة لسدَة الحكم، بعد أن كادت قضايا الفساد المتهم بها تودي بمستقبله السياسي ويا لسخرية القدر ودهاء الرجل، حيث تناست الجماهير أن المواجهات اندلعت أثناء ولايته نفسِه.

مصطلح إدارة الصراع الذي تبنّته “إسرائيل” منذ زمن، بدل من مصطلح (حل الصراع) استنفد تماماً شعار حل الدولتين، أما ميدانياً المسألة متشابكة والأمور تسير باتجاه الدولة الواحدة من البحر للنهر، يتساوى بها عدد اليهود والعرب، هذا على الأقل ما نشاهده ظاهرياً، وهذا ما يثير مخاوف الإسرائيليين بمختلف أطيافهم، ويعتبرونه بمثابة الكارثة والكابوس، ولطالما شكّل رحم المرأة العربية مصدر قلق، ومعدل خصوبتها وإنجابها معيار لتحديد الخطر، وتعمل المؤسسة بشتّى الطرق لكبح نسبة التزاوج الطبيعي للعرب، ولا نبالغ إذا قلنا إنً “إسرائيل”َ الكيان الوحيد الذي يجري إحصاء يوميا للسكان العرب، شبّههُ أحد الزملاء بالعدد الذي تجريه مصلحة السجون للأسرى بشكل يومي.

إن قيام دولة (أبرتهايد) كما هي موجودة اليوم، ولكن على نطاق أوسع، تضم قومية (أ) ذات العرق الأبيض النقي، تستأثر بمراكز القوة، وقومية (ب) تقريباً المعدمين والمهمّشين، لن تكون نهاية المطاف، وإنما بداية لنمط جديد من الصراع لن ينتهي كما انتهى في جنوب إفريقيا، وإنما نتاج معادلة صفرية لم تكن لصالحهم.

من السذاجة الاعتقاد أنّ الصهيونية تسير على (بركة الله) أو بناءً على مقولة (دع الأيام تفعل ما تشاء) وأكثر سذاجة مَن يعتقد أن المشروع الصهيوني قد اكتمل وحقق الأهداف التي أُنشئ من أجلها وهذا إن دل فإنما يدل على أن هناك شيئا يحاك بليل…؟

لحظة.. لحظة عن أي ليل تتحدث؟ ولماذا يضطر لحياكة المؤامرات بالليل وما الداعي؟!

(لا بد من تصحيح الخطأ) إنه الليل الذي وقع عام 1948م وهو ما آمن به دافيد بن غوريون، ليل ليس فيه لحظة ضمير، بل ندم فيه على إبقاء جزء من عرب الفلسطينيين البالغ عددهم بحوالي 160,000 نسمة داخل حدود الكيان العتيد، أما لماذا لم تُنَجز المهمة حينها بالرغم من توافر الإمكانية العسكرية لإلحاقهم بباقي إخوانهم إلى ما وراء الحدود المصطنعة؟ جواب لا جواب مقنع عليه، فالمخطط لطرد العرب لم يولد لحظتها، وتجاوز كونه مجرد فكره وبرسالة بعثها بن غوريون لابنه عام 1937م، لقد بدا مقتنعاً أن السبيل الوحيد المتوفر للصهيونية هو (رحيل العرب) ولكن المرء يحتاج إلى لحظة مناسبة لجعل الأمر يحدث، كأن تنشب حرب (مثلا؟) وجاءت الفرصة على طبق من ذهب، ولكن الخطط لتهجير العرب؛ أضخمها وأوسعها كانت خطة نُفِّذت بشكل جزئي، تداركت الزعامات الصهيونية الخطأ، ووعدت بتصحيحه، وإنجاز المهمة تحت غبار أي معركة قادمة، ولم تطل المسألة، وجاءت مجزرة كفر قاسم عشيّة العدوان الثلاثي على مصر 1965م لخدمة الهدف نفسه: ترهيب السكان وإرغامهم على الهجرة.

الصهيونية حركة استعمارية بريطانية إحلاليه قائمة على اقتلاع الآخر، ولو بشكل متدرج والإحلال مكانه، أما حدود الكيان فهي حيث يصل حذاء آخر جندي إسرائيلي، هكذا كانت إجابة بن غوريون عن سؤال سُئل له، ويظهر الأرشيف حديثاً طبيعة النقاشات الدائرة في اجتماعات الحكومة قبل حرب الـ 1973م حيث نوقشت كيفية السيطرة على آبار النفط في العراق والكويت، أرض إسرائيل الخرافية من النيل إلى الفرات؟ وهذا ما يرمز له علمهم وما بينها، أضف إلى ذلك رغبة الصهيونية السيطرة على أكبر كم من الأرض، مع أقل عدد من السكان، ولا كلام عن اكتمال المشروع الصهيوني إلا بنفيه نفسه، أي بجمع شتات اليهود من الجلاء إلى أرض الآباء والأجداد، وأين يمكن إسكان أكثر من 8,000,000 يهودي موزعين بالعالم؟ بالعودة للمقال المذكور، يدّعي كاتبه:” أنتم غير مدركين خطورة المرحلة التي تمرون بها”، ويُعبِّر عن قلقه من إمكانية حدوث نكبة جديدة للعرب داخل إسرائيل، وطردهم من البلاد، وقد توفرت كل الشروط لحدوث ذلك وقريباً، وإنها ليست أحلام يقظة لدى السياسيين أو أفكار مبعثرة، وإنما خطة عمل غير مخفية وصفها الكاتب بالسر المعلن، مبنيّة على ركيزتين أساسيتين الأولى: توفر القدرات اللوجستية لإفراغ مناطق مدنية مأهولة جداً بالسكان خلال 48 ساعة فقط، وهنا يتم الحديث عن إفراغ سكان وادي عرّابة البالغ عددهم مئتان ألف نسمة إلى سهل دوتان الواقع بأراضي عرّابة داخل حدود الـ67 أي ما وراء جدار الفصل العنصري، الثانية: التصريحات المتعددة من قبل قادة من حزب الليكود وعوتسماه يهوديت هدسون هادي واليمين الخلاصي بشكل عام، فهؤلاء لا يحاولون إخفاء مخططاتهم المتعلقة بعرب الـ48، وإنما يصرحون بها على الملأ، إذ أنهم كما يدّعون (لا يهمهم قتل العرب) وإنما تهجيرهم من بيوتهم، وضمان عدم عودتهم، وواضح أن بن غفير تعلم من أخطاء معلمه الروحي الراف كهانة، الذي تم حظر حزبه بسبب مواقفه المتضررة وانتهى مصيره بالقتل، ويتوعد بن غفير بحال دخوله للحكومة إقامة السلطة الوطنية لتشجيع الهجرة ووظيفتها إخراج أعداء أرض إسرائيل، أما يسرائيل كاتس عضو كنيست عن الليكود، ووزير المالية سابقاً، فيصرّح من على منصة الكنيست مخاطباً الجمهور العربي (تذكّروا الـ 48 تذكروا حرب استقلالنا ونكبتكم، فلا تشدّو الحبلَ أكثر من اللازم، وإذ لم تهدئوا فسنلقنكم درساً لن تنسوه) وميخائيل بن آريي يشجع تهجير عرب أم الفحم الذين يرقصون على أسطح المنازل عندما يُذبَح اليهود، وهذه الشواهد من باب المثال لا الحصر.

وفيما يتعلق بالإمكانيات اللوجستية والعسكرية، فهي ثنائية الاستخدام صُمِّمت بالأساس في التعامل مع الكوارث الطبيعية، بحال وقوع حرب تستوجب إفراغ عدد كبير من السكان لتفادي وقوع ضحايا.

أمّا السيناريو الافتراضي المحتمل حدوثه بقوة خلال الفترة القريبة يلخص كالتالي:

في 21/11/2022 تحصل الحكومة 37 على ثقة الكنيست بـ61 عضو ونضيف من الشعر بيتا، فقد حصلت بالفعل على 64 وليس 61، يتقلّد كل من سموتريتش وبن غفير حقائب وزارية سيادية ومؤثرة وها هو بن غفير مُصِرّ على وزارة الأمن الداخلي، وما لها من تأثير، وخصوصا على موضوع حديثنا وليس وزارة القضاء، كما توقع يورام يوفال أن ثلاثتهم يكونون أعضاء في الكابينت المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغّر.

ابتداء من شهر 12/2022 حتى 3/ 2023 يتصاعد القصف على سوريا، ومع بداية رمضان إسرائيل تقصف في لبنان، 27/3 اسرائيل تقتل 15 عنصرا من حزب الله خلال قصف ونصر الله يتوعد بالرد، وفي تلك الأثناء في سهل دوتان سهل عرابة بجانب جنين، في منطقة فيه يبدأ الحديث في بناء مدينة خيام في سهل دوتان، بمساعدة شركة بناء مدنية يستغرق البناء فيها 5 أيام وتضم المدينة 20000 خيمة مزودة ببنية تحتية لمساعدة 200000 شخص، في 28/3/2023 طائرة مسيرة تابعة لحزب الله، تهاجم معسكر للجيش وتقتل 8 جنود، ويخرج قرار من إسرائيل عن بدء عملية عسكرية في الشمال، تقوم خلالها بتدمير بُنى تحتية في لبنان وسوريا، وتستدعي جزءا من الاحتياط، وقال الكاتب أن الضفة ستعلن منطقة عسكرية مغلقة.

29/3/2023 أكثر من 5000 قذيفة تُطلَق اتجاه إسرائيل من لبنان، وتُحدِث خسائر في الأرواح، قوات من الجيش النظامي والاحتياط تبدأ بالتوجه في قوافل من المركز إلى شمال البلاد وتمُر بجانب البلدان العربية، وبطبيعة الحال، كما توحدت الجبهات في سيف القدس، وانتصر عرب الداخل لإخوانهم سوف يحاولون تفجير الشوارع وقذف الحجارة والعبوات الناسفة، وزير الأمن الداخلي يُصرّح بأنّه سيضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه الإخلال في النظام العام، وبعرقلة حركة القوات أثناء المعارك في الشمال، وبمبادرة من جانب بن غفير و سموتريتش والائتلاف الحكومي يوافق بإجراء خاطف نص قانوني في إطار قانون الطوارئ يعطي الحكومة صلاحية إفراغ فوري للمواطنين من أماكن سكناهم، لأن بقاءهم يعني تعريض مستخدمي الشوارع العامة في البلاد للخطر.

30/3/2023 إطلاق الصواريخ مستمر، طفل بعمر 12 سنة من أم الفحم، يلقي زجاجة حارقة على آلية عسكرية في شارع 65، وهو شارع حيوي يمر من وادي عارة، يتم إلقاء القبض على الطفل، وباليوم نفسه يتم تهجيره لمحافظة جنين مع بعض أفراد عائلته، وهناك آخرون كانوا بالقرب من الطفل، ولم يمنعوا وقوع الحادث، وعددهم 30 شخصا وكرد فعل على ذلك، تجتمع لجنة المتابعة وتعلن حالة إضراب شامل.

31/3 بعد انتهاء صلاة الجمعة، يخرج المئات من سكان أم الفحم ويغلقون شارع 65 احتجاجا على تهجير الطفل مع عائلته، وعلى إثر ذلك يأمر وزير الأمن الداخلي الشرطة، وباقي الأجهزة الأمنية في البدء بعملية مجين عيرون، وترجمتها (حامي البلدات) كناية لعملية إفراغ جميع سكان وادي عارة، ونقلهم إلى مدينة الخيام (دوتان) التي بهذه الأسماء انتهى بناءها.

1/4/2023 وفي ساعات الصباح المبكرة، تصل أم الفحم وباقي بلدان وادي عارة حوالي 400 حافلة تم استدعاؤها بأمر من وزارة الجيش، معززة بقوات شُرطيّة كبيرة، وجنود من حرس الحدود والاحتياط، مزودين بقرارات موقعة على يد وزير الأمن الداخلي، ويأمر كل سكان وادي عارة الخروج من بيوتهم بشكل فوري، فتحصل بعض الاعتراضات من قِبل السكان، تنتهي بإطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية وتؤدي لبعض الوفيات، مجندات إسرائيليات يوزعن الماء والغذاء وزجاجات الفورمولا للأطفال، الحافلات تخرج من وادي عارة، وتصل مدينة بيسان مباشرة، تحصل كل عائلة على رزمة غذائية تكفي لـ 24 ساعة ويتم توزيع المبعدين على خيم على أساس عائلي، الرحلة من أُم الفحم إلى مدينة الخيام تستغرق حوالي ساعة، كل حافلة تقوم بـ 6 رحلات يومية، بكل رحلة 40 راكب خلال يومين تُنجَز مهمة تهجير 200,000 نسمة، في هذه الأثناء الصواريخ مستمرة، ووزير الأمن الداخلي يتوعد باقي العرب، عرب الداخل بمصير مشابه لمصير وادي عارة، إذا تجرأوا على تعطيل حركة السير في إسرائيل، طبعاً هناك تحضيرات كثيرة كيف سيتم المماطلة في الحرب لحين الإعلان عن هدنة، وكيفية مواجهة الرأي العام العالمي والعربي من خلال الإبر المُخدرة وإنّ هذا الإجراء مؤقّت والمبعدين سوف يعودون بعد انتهاء المعارك، على غرار الجمعة المشمشية وهذه الجمعة تُؤجَّل مرة تلوَ الأخرى لحجُجُ مختلفة، وحتى الأمريكان هناك جواب جاهز في جعبتهم تذكرهم بأحداث الحرب العالمية الثانية عام 1942م عندما احتجز 100,000 أمريكي لا لشيء فعلوه، وإنما لكونهم من أصول يابانية داخل معسكرات مغلقة، خوفاً من تحولهم لطابور خامس، فأما الذين تحولوا ل طابور خامس أثناء المعركة وهم العرب في الداخل، تمرُّ الأيام وتُقَدّم كل الخدمات لمدينة الخيام من غذاء و دواء وحتى تفتح المدارس، وتوزع الكتب المدرسية، ويسمح لوسائل الإعلام الدخول للمكان ولكي يتم الحفاظ على البيوت والممتلكات من عمليات السرقة والنهب والتخريب، يستولي عليها بشكل مؤقّت الوصي على أملاك الغائبين، السلطة الوطنية لتشجيع الهجرة تجتمع للمرة الأولى، وتعلن أن كل عائلة من مبعدي وادي عارة، والتي توافق على الهجرة تحصل بشكل فوري على تعويض بقيمة 100% من قيمة الممتلكات المسجلة على اسمها، وأن هذا العرض السخي سيستمر لفترة زمنية مؤقتة…. وهكذا تنطوي صفحة جديدة من مسلسل النكبات والنكسات على شعبنا، تبقى لنا أن نجد لها الاسم المناسب.

أوافق من يقول إن الأمر ليس بهذه البساطة، وشعبنا أوعى من أي وقت مضى، ولن يقبل بتهجيره، لكن جوابي ماذا أعددنا لهذا اليوم؟ هل من الممكن أن تفي المواجهة الفردية بالغرض دون خطة وطنية؟ بالطبع لا، سيبقى لي أن أذكركِ يا أم أحمد أن لا تنسي كتلك المرّة، وتأخذي المخدة بدلاً من أحمد.