إن الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على سوريا، قد يكون آخر أوراق الضغط عليها، في محاولة لتركيع شعبها، وتأليبه ضد دولته. وقد تزيد واشنطن من حدة هذا الحصار، في إطار ممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية على الدول المكوّنة لمحور المقاومة، وفي مقدمها لبنان وسوريا، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، "موت الاتفاق النووي الإيراني"، في الأيام القليلة الفائتة. يؤشر هذا الإعلان إلى استمرار استعار الحرب الأميركية على هذا المحور، وما من بشائر حلٍ لأزمتي البلدين والمنطقة، تلوح في الأفق القريب.
وفي عرضٍ موجزٍ لما آلت إليه الأوضاع في سوريا، فمنذ اندلاع الأزمة السورية، راهنت كل الدول والجهات الداعمة للمجموعات المسلحة على سقوط الدولة السورية في غضون أشهرٍ قليلةٍ. واستخدموا الوسائل المتاحة لديهم كافة لتحقيق هذه الغاية، من التحريض المذهبي، وإثارة الشغب، واستخدام المال السياسي، إلى اللجوء للأعمال الإرهابية، كاستهداف الأماكن الآمنة بالسيارات المفخخة والانتحاريين، وصولاً إلى المطالبة بإقامة مناطقٍ عازلةٍ، لكنّ أشكال الحرب على سوريا بكل أنواعها وأشكالها، لا سيما، آخر فصولها، أي الحصار الاقتصادي، لم تحقق مبتغاها للأسبابٍ الآتية، وهي باختصار:
أولاً- لم تنزلق غالبية الشعب السوري إلى فخ الصراع المذهبي، الذي حاولت الجهات الشريكة في الحرب إيقاع السوريين فيه، ثم تهجير الأقليات، في محاولة لتكريس واقعٍ ديموغرافيٍ جديدٍ، يشكل منطلقاً لإقامة فيدراليات مذهبية، لكن النتائج جاءت معاكسةً لذلك، على اعتبار أن السواد الأعظم من السوريين لم ينجرّوا إلى أتون المذهبية والفتنة. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، نزح الجزء الأكبر من المواطنين في المناطق الساخنة في محافظتي إدلب وحلب في اتجاه الساحل السوري، حيث احتضنتهم الدولة والمنظمات الإنسانية والأهالي هناك.
ثانياً- فشل المسلحين ومن خلفهم، في تقطيع أوصال البلاد، ومحاولة إقامة حزام أمني بإدارة التكفيريين، لحماية الكيان الإسرائيلي يمتد من الغوطة الشرقية إلى درعا – القنيطرة، على غرار ميليشيا العميل أنطوان لحد في لبنان.
ثالثاً- تآكل المجموعات المسلحة: وفي هذا الصدد، يُسجل نجاح أمني نوعي للجيش السوري وحلفائه الذين نجحوا في تطويق المسلحين في محافظة إدلب وبعض المناطق المتاخمة لها، ومنعهم من التمدد في اتجاه المناطق الآمنة، وهي الآن في حال تآكل وصراع دائم، إذ تشهد إدلب وسواها، جرائم تصفياتٍ شبه يوميةٍ بين المجموعات المسلحة على خلفية "فرض النفوذ"، وتحقيق المكاسب، في وضعٍ مماثل، للممارسات الميليشياوية في إبان الحرب اللبنانية.
رابعاً- تأقلُم السوريين مع الوضعين الاقتصادي والمعيشي الراهن، بالرغم من قساوتهما وإيلامهما. لا شك في أن للحرب الكونية على سوريا، لا سيما في شقها الاقتصادي، أثراً سلبياً كبيراً في حياة السوريين، ولكنها ليست المرة الأولى التي يُشن فيها عدوان اقتصادي على بلدهم، يذكر (الحصار الأميركي على سوريا في ثمانينيات القرن الفائت). واليوم، بعد مضي نحو اثني عشر عاماً على بدء هذه الحرب، اعتاد السوريون التعايش مع "الاقتصاد الحربي" إلى حدٍ كبيرٍ، بالرغم من حجم معاناتهم الكبير، وعمق آلامهم.
وتعقيباً على ما ورد أخيراً، يعدّ مرجع في العلاقات الدولية، أن للحصار تأثيراً مؤلماً في حياة المواطن السوري، ولكن لن يغيّر في الواقعين السياسي والعسكري الراهنيّن. لكنه أكثر إيلاماً على حياة المواطنين في فصل الشتاء، حين يضطر المواطنون إلى استخدام المحروقات التي باتت شبه مفقودة من الأسواق السورية.
لا ريب في أن الإدارة الأميركية، تمارس الضغوط الاقتصادية القصوى على الشعب السوري، بعدما استنفدت الوسائل العسكرية في حربها على السوريين، علّها بذلك تنهكه، وتدفع دولته إلى الرضوخ لأي تسويةٍ تضعها هذه الإدارة، بما يخدم مصالحها و"مشاريعها" السياسية في المنطقة، وفي مقدمة هذه المشاريع تقسيم سوريا والمنطقة، في حال كتب لهذه "المشاريع" النجاح.
فهل تلاقي هذه الحرب الاقتصادية المفروضة على سوريا، المصير عينه كسابقاتها من أشكال الحروب التي شنت على هذا البلد، أي الفشل، خصوصاً في ضوء التوازنات الدولية القائمة على الأرض السورية، أي الحضور الروسي والإيراني؟ وهل لواشنطن مصلحة في إنهاء الحرب على سوريا، بالتالي انسحاب الاحتلال الأميركي من الأراضي السورية، وهو لا يزال يمعن في سرقة النفط السوري، والخيرات السورية؟
الجواب ستحمله التطورات في الأشهر المقبلة.