تعتبر شهادة المنشأ (Certificate of Origin) أو اختصارا CO من أهم الوثائق المطلوبة عند إتمام عملية التبادل التجاري وخاصة عملية التصدير والاستيراد لبلدين او عدة بلدان (منطقة اقتصادية) ترتبط مع بعضها البعض بعلاقات خاصة وتعطي لبعضها البعض مزايا تفضيلية متفق وموقع عليها من قبل الجانبين وبشكل رسمي بهدف تسيير التبادل التجاري وتسهيل انسياب السلع بين الطرفين المصدر والمستورد سواء كانوا اشخاص طبيعيين ام اعتباريين وتؤمن الشهادة من قبل المصدر بما ينسجم مع الاتفاقيات الموقعة وتقدم للبلد المستورد وخاصة لإدارة الجمارك للبلد المستورد، وتصدر عن جهة متخصصة وعادة تكون (غرفة التجارة للبلد المصدر)، وبالتالي هي بمثابة جواز سفر للبضاعة المعنية، ولكن هنا يمكن أن يكون (جواز السفر او الشهادة) غير مطابقة للمتطلبات المتفق عليها أي أنه يمكن تزويرها بهدف الحصول على المزايا التي ترتبط بالشهادة وتساهم بشكل مباشر في تخفيض التكلفة أي زيادة القدرة التنافسية للبضاعة المذكورة.
وتتجلى المزايا التفضيلية في عدة جوانب ومن أهمها [تسهيلات المرور وتخفيض الرسوم الضريبية والتعرفة الجمركية وتقديم خدمات لوجستية ...الخ]، ويجب أن تتضمن شهادة المنشأ كل الجوانب الهامة المتعلقة بالبضاعة المصدرة مثل [مكان إنتاج السلع المراد تصديرها وقيمتها ونوعها وكميتها وعددها ووزنها القائم والصافي وتاريخ وطريقة الشحن سواء كان برا ام بحرا ام جوا واسم وعنوان كل من المصدر والمستورد ومركز التصدير والاستيراد و العلامة التجارية المستخدمة ورقم الفاتورة وتاريخ إصدارها وأن تكون السلع المستوردة مسموح بها من قبل الدولة المستوردة ..الخ].
ولذلك فإنها تخضع للتدقيق الكبير من قبل الجمارك، ولذلك ترسل وثيقة شهادة المنشأ مع البضاعة المرسلة، ونظرا للمزايا المتحققة بموجبها فإن الحصول عليها من قبل أي مصدر يتطلب أن يحقق مجموعة من الإجراءات المطلوبة منه ومن أهمها (أن يكون المصدر مسجلا في غرفة التجارة وملتزما بتعليماتها ومسددا للرسوم المالية المترتبة عليه ويتعهد بضمان الالتزام بخصوص الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين ...الخ]، ونظرا لأهميتها فإنه يوجد نوعان من شهادة المنشأ وهما [شهادة المنشأ التفضيلية وبموجبها يتم الحصول على رسوم وجمارك مخفضة، وشهادة المنشأ غير التفضيلية وتعرف أحيانا باسم (شهادة المنشأ العادية) أي أن السلع لا تخضع لميزة إعفائها من الرسوم وتعريفة جمركية مخفضة]، ونظرا لأهمية شهادة المنشأ فإنها تخضع للتدقيق الشديد من قبل المؤسسات الجمركية، وتتشدد في مطابقتها مع المتفق عليه بين الطرفين ونذكر منها مثلا [صورة عن فاتورة البيع والاستمارة البنكية الخاصة بالبضاعة والبيان الجمركي ونوعية البضائع ...الخ].
أما إذا كانت البضاعة المستوردة سيتم تصديرها لبلد أخر أي (إعادة تصدير) ففي هذه الحالة تدخل ضمن إطار (شهادة منشأ للبضائع الأجنبية) ويتم الطلب عندها البيان الجمركي والفاتورة الأجنبية بوليصة الشحن من بلد التصدير، ومن هنا نتفهم لماذا اولتها الاتفاقيات العربية كل الاهتمام وخاصة قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يعمل بإشراف جامعة الدول العربية بقرارها تاريخ 1/1/1998 عندما تم الاتفاق على التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية وللرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل بنسبة 10% سنويا ابتداء من 1/1/1998، وذلك على أساس الرسوم النافذة من ذاك التاريخ وتم الاتفاق على إلغاء جميع القيود الغير الجمركية (الإدارية والكمية والنقدية) بهدف تسيير وتسهيل التبادل التجاري العربي وتشجيع التجارة البينية العربية أي بين الدول العربية وللأسف لاتزال أقل من /13%/ من قيمة التجارة الخارجية العربية الكلية، كما يوجد شرطا أخر للحصول عليها ان تكون القيمة المضافة في البضاعة المصدرة لا تقل عن نسبة /40%/ من قيمة السلع المصدرة، أي يجب أن لا تقل نسبة (المكون الوطني) في تكاليف السلعة المصدرة عن /40%/ عتد وصولها إلى مقصدها، وتشمل التكلفة هنا حسب تقرير الجامعة العربية المجموع التراكمي لعناصر التكلفة التالية [كافة الرواتب والأجور والتعويضات ونهاية الخدمة والتأمينات واقساط الاستهلاك السنوية للأراضي والمباني والأصول الإنتاجية والايجارات للأراضي والمستودعات والابنية وتكلفة التمويل والمواد الخام والوسيطة والكهرباء والماء والوقود ومصروفات عمومية وإدارية ...الخ]، وتسعر المواد المستوردة مجردة من الضرائب والرسوم المفروضة عليها ، وبعد ذلك يتم حساب القيمة المضافة للسلع المتبادلة في السوق العربية وفق المعادلة التالية:
القيمة المضافة = [القيمة النهائية للمنتج المصنع المصدر - (قيمة المواد المستوردة الداخلة في التصنيع - الرسوم والضرائب المفروضة عليها)] ÷ / القيمة النهائية للسلعة) ×100].
ومن هنا نقترح تشكيل لجنة عربية خاصة للتأكد من شهادات المنشأ في السوق العربية الكبرى المشتركة ولا سيما بعد الدعوة لزيادة التبادل التجاري في القمة العربية /32/ التي انعقدت في المملكة العربية السعودية في مدينة (جدة) بتاريخ 19/5/2023 وعندها نستطيع تجنب استفادة السلع الأجنبية من شهادة المنشأ العربية ولا سيما مع انفتاح الأسواق على بعضها البعض علما أن السوق العربية من أكبر الأسواق في العالم وتضم أكثر من /400/ مليون مستهلك، وهنا نشير إلى ان كل منتج هو مستهلك وليس كل مستهلك هو منتج.