• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
إصدارات الأعضاء

ما السر في نجاح الدبلوماسية الايرانية؟


شكلت الدبلوماسية الايرانية خلال حكومة السيد (الشهيد) ابراهيم رئيسي عمقا استراتيجيا لإيران بالمنطقة والعالم، حيث وبعد تعثر المفاوضات مع الغرب بالملف النووي وانسحاب امريكا من الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 واصدار عشرات العقوبات الاميركية بحق إيران، وجدت إيران نفسها في حال من الضغوطات الداخلية والخارجية، وان عليها ان تؤسس الى مرحلة جديدة بالانفتاح على اسيا وروسيا ودول الجوار بدلا من انتظار (وهم الغرب) وتعليق الآمال على اتفاقيات غير مضمونة التطبيق.

خلال اللقاء الذي جمعنا بوزير خارجية إيران (الشهيد حسين امير عبداللهيان) في طهران (مجموعة من المحللين السياسيين العراقيين بمقر وزارة الخارجية) أكد - رحمه الله - على ان إيران ستنفتح على اسيا بدلا من (الغرب) وفعلا ان حكومة السيد رئيسي (رحمه الله) قد باشرت الانفتاح على اسيا، فكانت الاتفاقية الايرانية الصينية والتوقيع رسميًا على خطة التعاون المشتركة بين إيران والصين لمدة 25 عامًا، والتي تسمى وثيقة التعاون الإيرانية الصينية، في مارس (آذار) 2021 من قبل وزيري خارجية البلدين، وكذلك اتفاقية التعاون الشامل لمدة 20 عاماً بين إيران وروسيا ومع الباكستان حيث تم توقيع وثائق التعاون بين وفدي إيران وباكستان بحضور آية الله السيد إبراهيم رئيسي، وشهباز شريف رئيس وزراء باكستان، فيما كان للصين دور في العلاقة بين السعودية وايران واتسعت العلاقة بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي ومع دول الجوار مثل العراق وارمينيا ودول اسيا الوسطى وافغانستان والهند فيما اعتمدت ايران منهج (المصالح الاقتصادية المشتركة) فالتجارة مع افغانستان حيث ان اكثر من ثلث الواردات الافغانية تأتي من ايران (افغانستان دولة حبيسة) لذلك تم حل مشكلة النهر المشترك مع افغانستان (نهر هلمند) ايضا وحصول ايران على حصتها المتفق عليها ضمن الاتفاقية القديمة عام 1973.

علاقة إيران مع الهند اخذت بعدا اقتصاديا والمصلحة المشتركة بين البلدين رغم موقف الرئيس الهندي (مودي) بالعداء للإسلام، وانزعاج إيران من سلوكه هذا، حيث يمثل ميناء (تشابهار)على المحيط الهندي جسر العلاقة بين البلدين، والأكبر من نوعه في إيران والوحيد بين نظرائه حيث يقع على مياه المحيط الهندي، ويزداد أهمية كونه جزءًا من الممر الدولي بين الشمال والجنوب ويشكل بوابة بوجه دول شرق آسيا عبر إيران نحو آسيا الوسطى والقوقاز وشرق أوروبا. وقد ابدت الولايات المتحدة انزعاجها من الهند بتوقيعها الاتفاقية بين البلدين.

شهدت العلاقة بين إيران وجارتها (اذربيجان) ازمات كبيرة الى الحد ارتفع فيه منسوب الخلاف الى ان يؤدي الى حرب بين الجارين المسلمين (الشيعيين) بسبب النفوذ الاسرائيلي الكبير داخل اذربيجان، وفعلا ارسلت ايران قواتها الى حدود اذربيجان بسبب توقع بإغلاق معبر صغير لنقل الشاحنات يؤدي الى ارمينيا (معبر زنغزور) الذي يلعب دورا حاسما في زيادة الاتصال الإقليمي، ويتسع تأثيره بحيث يربط أوروبا بآسيا، ويساهم في توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول، كما يعزز مكانة جنوب القوقاز في نظام العلاقات الاقتصادية الدولية.

فيما عملت حكومة السيد رئيسي الى فتح خمسة معابر مع اذربيجان ووجدت في سد (قيز قلعه سي) للسيطرة على الفيضانات، وتوفير مياه الشرب والزراعة والبيئة، بالإضافة إلى استغلال القدرات المشتركة للجانبين لتطوير التعاون، والذي حضر افتتاحه الرئيسان الايراني والاذري وشهد حادث استشهاد السيد رئيسي ووزير الخارجية حسين امير عبداللهيان والثلة من رفاقهم الاخرين.

كما وقع رئيسا إندونيسيا وإيران، اتفاقية تجارة تفضيلية للمساعدة في توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وذلك خلال زيارة رسمية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى اندونيسيا (رغم انزعاج امريكا) مثلما وسعت إيران علاقتها مع دولة سيريلانكا خلال زيارة وزير خارجية سيريلانكا الى طهران ولقائه

الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ورغبة بلاده تعزيز التعاون مع إيران في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والطبية..

على الرغم من الدبلوماسية النشطة التي تميز بها وزير خارجية ايران السابق (ظريفي) وابتسامته التي لفتت نظر الكثير من المتابعين للملف الايراني الا ان (الشهيد)عبد اللهيان فاق زملاءه الاخرين من خريجي الجامعات الغربية وهو الذي حصل على شهادته (الدكتوراه) من الجامعات الايرانية، فقد تميز بقوة الارادة والحزم ودقة اختيار العبارات في التعبير عن وجهة نظر بلاده فيما كسب احترام الاوساط الدبلوماسية والعامة، وقد نجح فعلا في ادارة ملف معركة (طوفان الاقصى) بمهارة عالية، ولم تؤثر على نشاطه الدبلوماسي علاقاته مع قادة المقاومة والاجتماع بهم بين الفينة والاخرى، كما عبر عن موقف بلاده الواضح في دعم المقاومة ونصرة الشعب الفلسطيني .

بقي السؤال: هل سيؤثر غياب (قادة الدبلوماسية) السيد رئيسي والسيد عبد اللهيان على مستقبل العلاقات الايرانية مع دول العالم؟

لا يمكن لنا ان نقول بانه ليس لكلا الشخصيتين من تأثير على مسيرة الدبلوماسية الايرانية، فهما تربا وكبرا في حجر الثورة الاسلامية واغترفا من فيضها وواكبا مراحل تطورها وازماتها ونجاحاتها ولقب عبد اللهيان بـ (سليماني الدبلوماسية الايرانية) لكن الثورة الاسلامية (ولاّدة) فقد تعرضت وعلى مدى عمرها الـ (45) الى ازمات واغتيالات لقادتها فخرجت معافاة وأكثر رشدا وفاعلية.

ان واحدة من تجليات نجاح الدبلوماسية الايرانية بعد استشهاد السيد رئيسي وعبد اللهيان هو الحضور العربي والعالمي للمشاركة في تشييع جثامين الشهداء حيث حضر قادة عرب وملوك وامراء ورئيس وزراء مصر ودول شمال افريقيا العربية بالإضافة الى روسيا والصين ودول شرق اسيا، ولم تغب سوى امريكا ودول الغرب، فيما تعهد الذين استلموا المناصب وكالة بعد الشهداء انهم سيسيرون على نفس المنهج في العلاقات مع دول الجوار والعالم، وليس غريبا ان يقول امير دولة البحرين في زيارته الاخيرة الى روسيا (لا يوجد ما يمنع العلاقة مع طهران).

وكذلك وزير خارجية مصر سامح شكري الذي اشار خلال وجوده بطهران للمشاركة في التشييع، إلى "العلاقات الطيبة والصادقة التي كانت بينه وبين الوزير الراحل حسين أمير عبد اللهيان"، مؤكدا "مواصلة المفاوضات المكثفة من أجل تعزيز وتطوير العلاقات على أسس ومبادئ ثابتة ومستقرة".

ونختم بما اكده سماحة السيد نصر الله: (إيران دولة مؤسسات وقانون ويوجد على رأسها قائد حكيم يدير هذه الدولة وإرادة شعبية وثقة شعبية عالية جدًا).

وما لفت اليه أحد كبار المفكرين (ان سر الدبلوماسية الايرانية صدقها في التعامل مع الاخرين، وثبات مواقفها ولم يُعرف عنها انها خذلت اصدقاءها يوما).