على الرغم من أن اتفاقيات السلام الإقليمية قد نجت من حرب غزة والأزمات الأخيرة الأخرى، إلا أن الخطوط الحمراء التي تضعها العواصم العربية بشكل متزايد يجب أن تؤخذ على محمل الجد في القدس وواشنطن.
عندما عقدت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي قمة طارئة مشتركة في قطر هذا الشهر، كان هدفهما الظاهري هو دعم جارتهما الخليجية بعد الغارة الإسرائيلية على قادة حماس في الدوحة. ومع ذلك، فإن محتوى بيانهم الصادر في 15 سبتمبر تجاوز ذلك بكثير - فبدل التركيز على قصف قطر، تناولت الوثيقة في معظمها القضايا الفلسطينية، مقدمةً قائمةً بالخطوات الجماعية والأحادية التي يمكن للدول السبع والخمسين الحاضرة اتخاذها "لمنع إسرائيل من مواصلة أفعالها ضد الشعب الفلسطيني". بالإضافة إلى المقاطعة، والخطوات القانونية، وحملة تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، دعت الوثيقة شركاء إسرائيل العرب في السلام إلى النظر في "مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها".
للأسف، هذه التحذيرات ليست مفاجئة بعد ما يقرب من عامين من الحرب في غزة. ومع ذلك، فإن الحديث عن إعادة نظر الحكومات العربية علنًا في اتفاقيات السلام مع إسرائيل ليس بالأمر الجديد. فقبل هجوم الدوحة بوقت طويل، لمّحت ثلاث من الدول الخمس التي كانت في حالة سلام رسميًا مع إسرائيل - مصر والأردن والإمارات - إلى أنها تفكر في إعادة تقييم علاقاتها. على الرغم من أن أياً منها لا يبدو مستعداً على الفور لتجميد أو التخلي عن وادي عربة، أو كامب ديفيد، أو اتفاقيات إبراهام، إلا أن التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين في كل دولة قد وضعت خطوطاً حمراء بشأن الإجراءات الإسرائيلية المحددة التي قد تحفز مثل هذه الخطوة.
عامان من التوترات المتراكمة
عندما اندلعت حرب غزة في أكتوبر 2023، دعت عمان والقاهرة وأبو ظبي في البداية إلى خفض التصعيد بدل انتقاد إسرائيل، أو، على وجه الخصوص، إدانة حماس على الهجوم الذي عجّل الصراع. ومع ذلك، مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين واستمرار ظهور الصور المأساوية من غزة، بدأت مواقفهم الرسمية في التماشي مع المشاعر العامة الغاضبة التي اجتاحت كل دولة. على سبيل المثال، نظمت الحكومة المصرية مظاهرات حاشدة بعد وقت قصير من بدء سلاح الجو الإسرائيلي قصف غزة؛ وسمحت السلطات الأردنية بسلسلة من الاحتجاجات الكبيرة بجوار السفارة الإسرائيلية الفارغة في عمان؛ وسحب الأردن مبعوثه من تل أبيب في نوفمبر 2023؛ وغادر كبير الدبلوماسيين المصريين في سبتمبر 2024؛ وغادر سفير البحرين في أبريل/نيسان الماضي. كما أفادت التقارير أن الإمارات تدرس إغلاق سفارتها بعد هجوم قطر، بينما لا يوجد للمغرب سفارة في إسرائيل رغم انضمامه إلى اتفاقيات إبراهام قبل خمس سنوات.
في الواقع، كان تأثير العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط تراكميًا. لا شك أن هجوم الدوحة صدم المنطقة، لكن العديد من الإجراءات الأخرى ساهم في تصاعد التوترات. بينها خطط الحكومة الإسرائيلية المعلنة لتشجيع التهجير الطوعي لجزء كبير من سكان غزة إلى دول ثالثة، بالإضافة إلى استيطان المنطقة E1، وهي جزء من الضفة الغربية يمتد من القدس إلى معاليه أدوميم، وقد يحول عمليًا دون قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. وقد أدت هذه المقترحات إلى تفاقم التوتر في المنطقة، وأثارت أسابيع من التصريحات الغاضبة، ولأول مرة في التاريخ الحديث، أثارت شبح التراجع عن اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية.
علاقات متوترة مع الإمارات
حتى وقت قريب، كانت الإمارات نقطة مضيئة نسبيًا وسط هذه التوترات، حيث حافظت على أدفأ علاقات في المنطقة مع إسرائيل منذ العام 2020 وحتى خلال حرب غزة. لكن قبل أيام قليلة من غارة الدوحة، صرّح مسؤول كبير في وزارة الخارجية لصحيفة تايمز أوف إسرائيل قائلاً: "الضم خط أحمر لحكومتي... سيُنهي فكرة التكامل الإقليمي".
في البداية، فُهم هذا التصريح على أنه تهديد بالانسحاب من اتفاقيات إبراهام. وأشارت تصريحات إماراتية لاحقة غير منسوبة إلى جهة ما إلى أنه إذا مضت إسرائيل قدمًا في الضم، فقد تُخفّض أبو ظبي مستوى العلاقات إلى "سلام بارد" على غرار مصر والأردن بدلًا من قطع العلاقات تمامًا. ومع ذلك، لا ينبغي أن يُقدّم هذا التوضيح الكثير من العزاء للقدس أو واشنطن، فكلاهما لايزال يبدو عازمًا على تعميق - وليس خفض مستوى - الاتفاقيات وضمّ المزيد من الدول الموقعة.
أدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تفاقم الوضع بعد ذلك بوقت قصير، إذ صرح في 10 سبتمبر/أيلول أن على المسؤولين الإقليميين الذين أدانوا ضربة قطر "أن يخجلوا من أنفسهم". كما تعهد بأن تواصل إسرائيل استهداف حماس في الخارج إذا لزم الأمر، بما في ذلك في قطر.
ردًا على ذلك، استدعت وزارة الخارجية الإماراتية نائب السفير الإسرائيلي للاحتجاج على تصريحات نتنياهو "العدائية والاستفزازية". وفي لمحة عما قد يبدو عليه السلام البارد، أعلن المسؤولون استبعاد الشركات الإسرائيلية من معرض دبي للطيران في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ومع ذلك، تبدو العلاقات الإسرائيلية الإماراتية جيدة نسبيًا مقارنة بالأوضاع المتدهورة مع الأردن ومصر.
صعوبات عبر النهر
لطالما جعل قرب الأردن وتركيبته السكانية من الضفة الغربية وغزة من أكثر المناطق حساسية تجاه التطورات فيهما. وتشير التقديرات إلى أن 60% من سكان الأردن من أصل فلسطيني، مع أن الغضب الشعبي لا يقتصر على هذه الفئة. فقد أطلق رجال قبائل بدوية النار مرتين خلال العام الماضي - كان آخرها في 18 سبتمبر/أيلول - على المعابر الحدودية الأردنية، ما أسفر عن مقتل جنود إسرائيليين. انتقدت الملكة رانيا (وهي فلسطينية أيضًا) ووزير الخارجية أيمن الصفدي بشدة الحملة الإسرائيلية على غزة منذ العام 2023، وتصاعدت حدة تصريحاتهما أكثر في الأسابيع الأخيرة عقب إعلانات إسرائيل بشأن الضم والتهجير.
على سبيل المثال، دعا الصفدي، في اجتماع وزاري لجامعة الدول العربية عُقد في وقت سابق من هذا الشهر، إلى "عمل عربي جماعي" و"استراتيجية شاملة - استراتيجية سياسية واقتصادية وقانونية ودفاعية - تستخدم جميع الأدوات المتاحة لحماية مستقبلنا ومصالحنا". كما عرّف "الخط الأحمر" للأردن بأنه "تهجير الفلسطينيين من وطنهم"، وقال إن الأردن سيواجهه "بكل قوتنا".
من المؤكد أن وزراء الخارجية الأردنيين دأبوا على لعب دور الشرطي السيئ في العلاقات مع إسرائيل، ما مكّن الملك من اتخاذ موقف أكثر اعتدالًا وتصالحًا. إلا أن هذا التقسيم الدبلوماسي القائم منذ فترة طويلة بدأ يتلاشى مؤخرًا. في القمة العربية الإسلامية، انضم الملك عبد الله إلى المطالبين باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، حاثًا زملاءه على "مراجعة كل أدوات العمل المشترك لمواجهة تهديد هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة". وفي رأيه، فإن هجوم الدوحة "دليل على أن التهديد الإسرائيلي لا حدود له. يجب أن يكون ردنا واضحًا وحاسمًا ورادعًا". وأعرب الملك عن مشاعر مماثلة هذا الأسبوع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، منتقدًا خطط اسرائيل لـ"إسرائيل الكبرى".
دبابات على حدود رفح
يحدث التدهور الأكثر إثارة للقلق مع مصر. فمنذ بداية حرب غزة، حذرت القاهرة من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، بينما اتهمت إسرائيل جارتها بتسهيل تهريب الأسلحة إلى حماس و"سجن" الفلسطينيين في غزة برفضها استقبال اللاجئين الفارين من القتال. وفي مايو/أيار 2024، اتخذت مصر خطوة أبعد بتوقيعها على قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ما أثار غضب إسرائيل.
ستزداد التوترات عام 2025. كرر وزير الخارجية بدر عبد العاطي في وقت سابق من هذا الشهر الخط الأحمر المصري، قائلاً: "التهجير ليس خيارًا... ولن نسمح بحدوثه". إضافةً إلى ذلك، أثار هجوم الدوحة وتعهد نتنياهو بمواصلة مهاجمة حماس خارج غزة مخاوف من أن إسرائيل قد تستهدف مصر، التي استضافت بعض قادة الحركة في إطار جهود الوساطة. وحذرت القاهرة إسرائيل لاحقًا من أن أي انتهاك لسيادة مصر سيؤدي إلى "تداعيات كارثية".
ولم يكن من المستغرب أن يكون خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الإسلامية قاسيًا للغاية. فقد حذر إسرائيل من أن استمرار مسارها الحالي لن يحدّ فقط من فرص إبرام اتفاقيات سلام جديدة، بل سيُجهض أيضًا "اتفاقيات السلام القائمة". ولتأكيد هذه النقطة الأخيرة، أشار إلى إسرائيل بـ"العدو" - وهي المرة الأولى التي يُقال فيها أن زعيمًا مصريًا فعل ذلك منذ العام 1977 - وأشار إلى اقتراح رفضته دول عربية أخرى على ما يبدو لإنشاء قوة عسكرية عربية موحدة لمواجهة التهديد الإسرائيلي بشكل أفضل. في هذه الأثناء، يناقش كبار المذيعين على التلفزيون الحكومي علنًا إمكانية المواجهة العسكرية، ما يُهيئ الرأي العام على ما يبدو للحرب.
يُثير هذا الخطاب القلق جزئيًا لأن سيناء أصبحت مُعسكرة للغاية في السنوات الأخيرة. ابتداءً من العام 2013، وافقت إسرائيل مرارًا وتكرارًا على طلبات مصرية لإغراق شبه الجزيرة بالقوات والدبابات وغيرها من المعدات العسكرية، متجاوزةً بشكل كبير بنود الملحق الأمني لمعاهدة كامب ديفيد. كان الدافع الأصلي وراء هذا الترتيب هو المساعدة في مكافحة التمرد الإسلامي المتصاعد في سيناء، نظرًا لعدم كفاية الأصول والأفراد المصريين الموجودين في المنطقة.
بحلول العام 2022، هُزم الإرهابيون إلى حد كبير بمساعدة إسرائيل، ومع ذلك لم تُطالب إسرائيل أبدًا بالعودة إلى الشروط الأصلية للمعاهدة - حتى هذا الأسبوع، عندما طلب نتنياهو، حسب ما ورد، من واشنطن التدخل في هذه القضية. في الوقت الحالي، لاتزال مئات الدبابات وآلاف الجنود المصريين متمركزين على طول الحدود، ما يزيد من احتمال نشوب صراع واسع النطاق إذا استمرت التوترات في التصاعد.
دور أميركا
على الرغم من كل الصعاب، صمدت اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية الخمس في وجه عامين من الحرب المروعة في غزة. وهذا هو الخبر السار. الخبر السيئ هو أن مجموعة من القضايا الشائكة - غياب نهاية وشيكة للحرب، وتوسع الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، والأفكار التي تتداولها أوساط كبار المسؤولين الإسرائيليين لضم أراضي الضفة الغربية وتسهيل تهجير سكان غزة - تدفع شركاء السلام هؤلاء إلى أقصى حدودهم. ينبغي أخذ تعبيرهم الصريح عن الخطوط الحمراء وتهديداتهم بإلغاء اتفاقيات السلام على محمل الجد.
خلال إدارة ترامب الأولى، أجبرت واشنطن وشركاؤها العرب إسرائيل على الاختيار بين الضم والتطبيع. اختارت القدس اتفاقيات إبراهام، فاتحةً بذلك عهدًا جديدًا من التكامل مع الشرق الأوسط. غيّر هجوم 7 أكتوبر نهج إسرائيل، لكن رغبتها في التكامل الإقليمي لاتزال قائمة ظاهريًا. من جانبها، استثمرت الولايات المتحدة رأس مال دبلوماسيًا كبيرًا ومليارات الدولارات من المساعدات الخارجية لتعزيز التطبيع، وبناء بنية استراتيجية عادت بالنفع الكبير على الأمن القومي الأميركي والإسرائيلي. يجب أن يكون عكس مسار هذه المكاسب، أو على الأقل وقف تآكلها، من أولويات الإدارة، لأن أي انتكاسات في اتفاقيات السلام التي تحققت بشق الأنفس لن تخدم مصالح أحد.