في الوقت الذي ظن فيه العدو الصهيوني أن احتلاله للبنان سيكون ضربة قاضية للثورة، وأن بيروت ستُطوى كصفحة منسية في سجل المقاومة، لم يكن يعلم أن على هذه الأرض يتكوّن فكرٌ متجذر، ضاربٌ في عمق القرآن، وسيرة الصحابة، وتاريخ الكرامة.
فكرٌ لا يُهزم لأنه يستند إلى عقيدة لا تموت، ويستمد جذوره من عدل السماء لا من موائد الأرض.
من هذا العمق، وُلد الحزب حزب الله، كجبهة حقيقية لا تعرف التراجع، يحمل سيفًا يُذكّرك بمعارك بدر، وخندق، وصفين، ويضرب بهجة اليقين لا بنشوة السلطة.
ثم جاء السيد حسن نصرالله الرجل الذي لم يضف فقط قيادة، بل أضاف شجاعة من نوع خاص، وجرأة لا تعرف التجميل.
كان بحق، خير خلف لخير سلف.
بمواقفه، وصموده، وصراحته، حوّل المقاومة إلى نهج، وأعاد للجهاد كلماته المشرّفة بعدما حاولت العولمة الممسوخة أن تُفرغه من معناه.
*فلسطين بالنسبة له لم تكن جغرافيا، بل عقيدة*
غزة لم تكن مجرد واجب، بل نبض قلبه، ورأس حربة الأمة في مواجهة طواغيت العصر.
ومن بيروت إلى طهران، ومن دمشق إلى غزة، عشقته جماهير الأمة من طنجة إلى جاكرتا، لأنه تحدث بلسانهم، وخاطب وجعهم، وواجه خصمهم دون مواربة.
في ذكرى استشهاده الأولى، نقف وقفة وفاء.
نُسجل أن العدو، كان يصدّق تصريحاته أكثر من قادته، وأنه حين قرر فتح جبهة الشمال دعمًا لغزة، ارتجّ الكيان بالكامل، وذُعر من عودة "رجل الكلمة الصادقة والسيف الوعد".
ذاك العمل لم تقدر عليه دول ولا محاور.
نم قرير العين. أنت لم تكن مجرد قائد، كنت نهجًا، ومشروعًا، وموقفًا يُبنى عليه المستقبل.
في زمن تنهش فيه الكلاب غزة، ويُنسى الأقصى على موائد التخاذل، يبقى أمثالك وقودًا لهذه الأمة، ودليلًا أن الكرامة لا تُشترى، وأن الشهادة طريق الأنبياء.
رحمك الله أيها السيد،
لقد أوفيت، فشهدت الأرض والسماء أنك صدقت ما عاهدت الله عليه.