• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: الانتخابات العراقية ومستقبل النفوذ الأميركي في المنطقة


مقدمة

تشهد المنطقة سلسلة من التطورات، بدءًا من الانتخابات العراقية التي جرت الأحد الماضي 10 تشرين الأول 2021، ورفضت كتل سياسية وأحزاب عراقية عديدة نتائج الانتخابات البرلمانية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة، وما رافقه من مخاوف من التوتر والفوضى وسط محاولات التجييش على الحشد الشعبي...

 مرورًا بالخوف نفسه على الساحة اللبنانية بعد إطلاق النار على المتظاهرين المتوجهين إلى قصر العدل في بيروت احتجاجًا على تسييس التحقيق في انفجار مرفأ بيروت من قبل المحقق العدلي طارق البيطار، مترافقًا مع محاولات التجييش على حزب الله.

وصولًا إلى العدوان الأميركي الصهيوني على نقاط تتبع للقوات الحليفة في منطقة تدمر في حمص وسط سوريا، وتوعدت قيادة غرفة عمليات حلفاء سوريا بـ "رد قاس" على الاعتداء...

 وذلك بالتزامن مع حدثين، هما:

ـ عملية فجر الانتصار في محافظة مأرب في اليمن، ووصول الجيش واللجان الشعبية الى مشارف المدينة.

ـ وصول وكيلة وزارة الشؤون الخارجية الاميركية المكلّفة الشؤون السياسية فيكتوريا نولاند الى بيروت وسط تسريبات عن شروط تحملها.

كل هذه التطورات، ناقشتها حلقة نقاش موسّعة نظّمتها الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين بعنوان: "الانتخابات العراقية ومستقبل النفوذ الأميركي في المنطقة"، وتمحورت حول:

ـ التزوير في الانتخابات العراقية، وشكل التحالفات المرتقبة في المرحلة المقبلة.

ـ سيناريوهات الأوضاع في العراق ولبنان

ـ مآلات التجييش السياسي والأمني على الحشد الشعبي وحزب الله.

ـ انعكاسات نتائج الانتخابات العراقية والتطورات في لبنان والعراق واليمن على مستقبل الحضور الأميركي عسكريًا وسياسيًا؟

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

نهار الجمعة 15\10\2021 (العاشرة صباحًا بتوقيت بيروت لغاية الثّانية عشرة ظهرًا).

المكان

Zoom Meeting

 

 

المشاركون الأساتذة السادة:

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح

2

عضو الرابطة في اليمن سفير الجمهورية اليمنية لدى سوريا الأستاذ عبدالله صبري.

3

عضوة الرابطة في العراق الأستاذة ضحى الخالدي.

4

عضو الرابطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية د. حسين ريوران

5

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط

 

ثانياً: وقائع الجلسة:

افتتح د. محسن صالح حلقة النقاش بالترحيب بالمشاركين، وطرح مجموعة من النقاط تتعلق بموضوع الحلقة، وقال:  إن أميركا تنسحب، أو تريد الانسحاب من المنطقة على الأقل لتترك اهل المنطقة في العراق وسوريا، وربما في بعض الأماكن في الخليج لتذهب إلى غرب آسيا في مواجهة الصين والحلف الجديد الذي يتقدم؛ وبالتالي هناك معضلات، حركات المقاومة في المنطقة قد تكون جاهزة من الناحية الميدانية لتعيد تشكيل المنطقة، ولكن دون ذلك عقبات نشاهدها في العراق ولبنان، وفي جنوب اليمن أيضًا من وجود اماراتي إسرائيلي وسعودي، ولايزال العدوان مستمرًا على الرغم من الانتصارات التي يحققها أنصار الله والقوى المتحالفة ضد العدوان السعودي الأميركي.

لقد استطاعت حركات المقاومة تشكيل حالة تستطيع التقدم، ولديها امكانيات التقدم نحو الوضع السياسي وإعادة تشكيله؛ ولكن من أهم التحديات ربما ما تركه الأميركي خلال أكثر من قرن من الزمن، فقد ترك الكثير من التناقضات في مجتمعاتنا العربية والاسلامية بما يشكل عقبات أو معوقات لتقدم حركات المقاومة.

لقد أصيبت أميركا بخيبات امل وانتكاسات متعددة، ولم تجد السهولة التي كانت تأملها، خاصة أن أدواتها أقوياء، لكن في المقابل هناك صبر وصمود وانتصارات تحققها الجمهورية الإسلامية في مواجهة هذه القوى، ومن الواضح أن ذهاب السعودية الى الحوار مع إيران هو نتيجة الإخفاقات.

ويجب أن نركز الآن على الأوضاع الداخلية وعلاقة حركات المقاومة في فلسطين واليمن لتكون كتلة واحدة في مواجهة التحديات المحلية، السؤال: كيف يمكننا تجديد خطاب قادر على مواجهة هذه المشكلات المحلية في الانتقال إلى مرحلة مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة.

ولعل العراق إحدى أعقد الساحات التي جاهدت وناضلت وقاومت ضد عهدين: عهد صدام وعهد الغزو الأميركي؛ حيث كان هناك شكل من أشكال الهيمنة الاستبدادية الصدامية البعثية التي لم ير العراق لها مثيلًا، والعراق قد يكون أكثر النقاط تعقيدًا في مشهد حركات المقاومة التي تسعى إلى التلاقي أولًا مع الجمهورية الإسلامية، هذه الدولة الجارة والثورة والدولة التي قدمت وتقدم ما أمكنها كي يكون هناك دور للقيم العادلة في المنطقة؛ ولكن المشكلة في العراق وعلى الرغم من كل هذا الحرص  الإيراني على علاقة مميزة ومتينة وثقافية ودينية نجد انتخابات الأمس كانت ضربة، مع أنه كان يجب أن يكون يوم الوفاء لدماء الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس، لكن لم نجد ذلك يتجسد في الانتخابات، وهذا امر يحتاج إلى الكثير من العمل الإعلامي والثقافي والسياسي.

يجب إيجاد قيادة مشتركة للقوى الفاعلة التي تريد تخليص العراق من آثار الغزو، وآثار الحكم الاستبدادي الذي أوجد شروخًا متعددة بين العراق والجمهورية الإسلامية من جهة، والعراق والقوى الثورية في المنطقة العربية وربما حتى القضية الفلسطينية من جهة أخرى، كيف يمكن ان يعاد الوصل ما بين العراق وإيران وفلسطين ولبنان وسوريا.

علمت من خلال بعض القراءات أن ما يسمى المشروع "الابراهيمي" يسير في بعض دول الخليج، وينشر عنه وله، وتُدفع أموال طائلة سواء في لبنان وسوريا والعراق وفي الدول المطبعة؛ وهذه الأمور تحتاج إلى تركيز وتخطيط استراتيجي واضح.

  مداخلة السفير الأستاذ عبدالله صبري

نحن أمام مشهد دراماتيكي فيه متغيرات متلاحقة يصب في الأغلب في خانة الهزيمة الأميركية، ولكن الأميركي وهو يخرج من المنطقة لا شك أنه لاتزال لديه أوراق كثيرة يستخدمها لإعاقة القوى المناهضة له، وبالذات محور المقاومة. وقد رأينا في العام 2011 عندما بدأ الانسحاب الأميركي من العراق كيف جاء الالتفاف على هذا الانسحاب من خلال صناعة "داعش"، وأصبح الوضع في العراق أكثر تأزمًا على الرغم من ان الأميركي انسحب منه.

اليوم يبدو أن هناك بدائل بالنسبة إلى الأميركي بعد الانسحاب من أفغانستان، وهو يريد إعادة خلط الأوراق مجددًا، وعلى الرغم من أنه ينهزم وينسحب من منطقة، ومن دولة، ومن جغرافيا احتلها لأكثر من 20 عامًا، وفشل، وأخفق اخفاقًا كبيرًا فيها فهو يريد اليوم أن يعوض عن فشله من خلال خلط الأوراق، ونحن نرى ما يحدث في العراق من خلال هذا اللعب على الانتخابات العراقية، واضعاف قوى المقاومة في العراق هو الجزء من الأوراق التي يلعب بها الأميركي وهو ينهزم وينسحب.

رأينا أيضًا عندما انتهت إدارة ترامب في البيت الأبيض وجاءت الإدارة الجديدة كيف أعادوا ترتيب بعض الأوراق من ضمنها المصالحة بين السعودية وقطر، لأنه في ظل خلاف ادواتهم ووكلائهم في المنطقة كان هناك تراجع أميركي واضح، واليوم هم يرتبون للعودة إلى الاتفاق النووي، ولكن من دون ان يكون للجمهورية الإسلامية اليد الطولى في المنطقة؛ وبالتالي يأتي الدعم لوكلائهم عبر السعودية وقطر وتركيا لمحاصرة نفوذ الجمهورية الإسلامية في إيران.

ما رأيناه وشاهدناه في الأيام الماضية والأسابيع الأخيرة بالانفتاح على سوريا ـ وقد كانوا مجبرين في أميركا على هذا الانفتاح الجزئي نتيجة الأوضاع المتردية في لبنان، خاصة الأوضاع الاقتصادية ـ أن الاتجاه نحو لبنان في الاحداث الأخيرة ومن اجل صرف الأنظار عن نجاح المقاومة الكبير وحزب الله تحديدًا في معالجة الملف الاقتصادي من خلال الانفتاح على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

قبل ذلك ببضعة أشهر أيضا كانت معركة سيف القدس التي قدمت المقاومة الفلسطينية أنها لاتزال قادرة وقوية ويمكن البناء على المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني، ولكن للأسف لم يستثمر هذا النصر العسكري الى حالة سياسية، لم يستثمر في الداخل الفلسطيني، ولم يُستثمر في قوى المقاومة الا عبر خطاب سماحة السيد حسن نصرالله عندما تحدث عن أن معركة القدس، وأن القدس ستقابل بحرب إقليمية مستقبلًا، لكن هذا التوجه لم يتحول إلى برنامج عامل بين قوى المقاومة التي يجب ان تكون اليوم اكثر تكاملًا وتنسيقًا في ما بينها، خاصة أن الملف الاقتصادي هو ملف ضاغط، وملف يحتاج الى عقليات جديدة، والى التفكير خارج الصندوق.

نحن كقوى مقاومة استطعنا، ونستطيع المواجهة من خلال الإطار العسكري والصبر الاستراتيجي في اليمن، والحشد الشعبي حقق انتصارات كبيرة في العراق على "داعش"، واليوم أصبح هناك إيقاع يتحدث عن الخروج الأميركي من العراق مرة أخرى، هذه الانتصارات تحت الإطار العسكري التي تتعلق بالصمود الشعبي لا يجب تركها من دون ملء الفرغات السياسية، وملء الفراغ السياسي في العراق كان واضحًا أن العمل لم يكن بالشكل المطلوب، نريد عملًا منظمًا متناسقًا يدفع ويدعم في اتجاه حركات المقاومة كلها، ويفتح الافاق نحو كسر الحصار الاقتصادي على اليمن، وسوريا ولبنان وفلسطين، ويربط الشارع العربي أيضًا. وقد اتضح في معركة سيف القدس أن الجماهير العربية متعطشة إلى انتصارات على العدو الصهيوني، وأنها قادرة على التحرك والدعم.

عندما يرتبط محور المقاومة بنجاحات متوازنة في الملفات السياسية والاقتصادية فإن هذا يجعلنا أمام حالة عامة، وأمة مقاومة، والمخطط الأميركي البريطاني منذ سايكس بيكو، يريد لكل دولة عربية أن تواجه المشكلات على حدى، بل أصبحت الدولة القطرية مهددة اليوم بكثير من مشاريع التقسيم والتجزئة، كالحالة الكردية في العراق، وحالة جنوب اليمن، والحالة في شمال سوريا.

هذه التحديات مشتركة، وبالتالي يجب أن نواجهها بعقلية وأفكار وآليات مشتركة، وأن نتنبه إلى أن لكل تحدي أسلوب معين للمواجهة، فالتحدي العسكري فرض علينا مواجهة عسكرية، ولكن التحدي السياسي والاقتصادي يفرض علينا متغيرات ويفرض علينا التفكير بأساليب مختلفة، وأن نكمل بعضنا البعض؛ فالعدو يضغط ويتعامل مع هذه الملفات، لأن المواطن العربي في النهاية، حتى الذي يدعم المقاومة ويتضامن معها، فإن العدو قد نفذ من الظروف الاقتصادية عندما تكون ضاغطة، ويغير القناعات.

لقد أدى المال السياسي دورًا كبيرًا في العراق، وأدى إلى هذه النتيجة، ومحاولتهم في لبنان كانت استكمالًا لما هو في العراق، ولكن من المفترض أن نتنبه الى هذه الفجوة، ونعمل على ردمها بمختلف الوسائل.

هذا المشهد يدفع بنا الى الاستفادة من هذه الأخطاء التي تمت، واستثمار الفرصة المقبلة، لأن كل القراءات تؤكد أن الأميركي ينسحب من المنطقة رغمًا عنه، وهذا الانسحاب سيولد فراغًا، ولا شك أن هناك من سيملأ الفراغ؛ فالروسي متأهب، والصيني كذلك الأمر؛ لكن أين المشروع العربي والقومي؟، وأين المقاومة من هذا الفراغ المقبل؟، ان لم نستطع أن نملأ هذا الفراغ على المستويين الرسمي والشعبي، فإننا سنظل في دائرة مفرغة وسنبقى نعالج أزمات وراء أزمات.

هناك طرح مهم في ما يتعلق بسلوكية في الانتخابات في العراق ومدى تأثير قانون الانتخابات الجديد، أو الحالة الاجتماعية العامة في العراق على هذه النتائج بغض النظر عن التدخلات والاتهامات في التزوير؛ ولكن الواضح أننا أمام إشكالية معقدة ضاعف منها أن القوى العراقية المرتبطة بمحور المقاومة لم تكن على تنسيق كامل في ما بينها لمواجهة الاستحقاق الانتخابي؛ فالانتخابات معركة بكل ما تعنيه الكلمة، لكنها معركة سياسية سلمية، وبالتالي التعامل معها فقط من خلال العواطف والمشاعر هو تعامل منقوص، ولا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.

أمام كل هذه القوى استحقاق مهم ما بعد هذه الانتخابات، الآن في السياسة تستطيع أن تواجه النتائج السلبية، ويمكن أن تحد من تأثيراتها، أتصور أننا أمام سيناريو يجب أن يُدرس بعناية كاملة، بحيث تكون خارطة القوى المقاومة بشكل فاعل في الحكومة المقبلة، سواء بالتنسيق مع التيار الصدري، أو التنسيق مع بقية الأطراف والقوى السياسية.  إذ يكفي تشتتًا، ومن المهم من الآن وصاعدًا أن تستثمر كل المواضع التي تصب في محور المقاومة بحيث نصل الى مرحلة تدار بها الأمور بأقل الخسائر.

  مداخلة عضوة الرابطة في العراق د. ضحى الخالدي

يجب أن لا نعزل الوضع العراقي عن ما تمر به المنطقة، ولا ننسى أن صعود اية الله رئيسي إلى رئاسة الجمهورية، والخط الثوري عمومًا في البرلمان الإيراني مشابه تقريبًا مع وجود فارق بسيط لأحداث 1979 والثورة الإسلامية في ايران. ليس بالسهولة بمكان تترك اميركا المنطقة مستقرة مع وجود هكذا قيادة ثورية قوية في الجمهورية الإسلامية، ومخططات الولايات المتحدة لتقسيم العراق، ربما هي لا ترغب بتقسيمه بقدر ما ترغب أن يبقى الوضع على ما هو عليه مع اثارة الفوضى داخله.

الصين لا ترغب في حدوث فوضى في العراق وتعمل على استقراره، وهي لا تريد أن يكون طريق الحرير الذي يمر بأراضي كردستان هو الطريق الوحيد، وإلى الآن مصرة على أن يمر طريق الحرير عبر الطريق البري من إيران وميناء الفاو أيضًا؛ لذلك هي تصر وتدفع من وراء الكواليس في اتجاه أن تكون سنجار المنطقة غرب الموصل تحت سلطة بغداد، وليس تحت سلطة حزب البرزاني حتى لا تضع بيضها كله في سلة واحدة.

في ما يتعلق بالانتخابات والنتائج المخيبة للآمال، كنا نشك بحدوث تزوير، ولكن ما حدث خلال هذه الأيام الاخيرة يكشف بوضوح عن وجود تلاعب في هذه الانتخابات، وتتحمل مسؤوليته بعثة الأمم المتحدة التي واكبت هذه العملية منذ الإعلان عن رغبة المتظاهرين بإجراء انتخابات مبكرة، والحكومة العراقية أيضًا، لاسيما جهاز المخابرات، وكذلك الكتل السياسية كلها، وليس التيار الصدري فقط، حتى الكتل السياسية التي خسرت هذا السجال الانتخابي هي مسؤولة بشكل كبير.

كان هناك تلاعب واضح في النتائج، خصوصًا مع وجود السيرفرات في دبي، ونحن نتكلم الآن بطاقم طبقة سياسية هي أعلى من الماكنة الانتخابية، والمفاوض الذي مثل هذه الكتل كيف رضيت؛ ونحن حذرنا منذ أشهر من أن السيرفرات التي تستقبل المعلومات والبيانات المقبة من بغداد تكون في دبي، والقمر الصناعي الذي ترسل له المعلومات مملوك للأمارات ثم تعاد الى بغداد، كيف لك أن تثق بالإمارات وأنت تتحدث صباحًا ومسًاء عن دور الامارات التخريبي سواء الأمني، أو الاقتصادي في العراق؟، كيف تثق بقانون انتخابي فُصّل على مقاسات التيار الصدري؟، وإن كان ما حصل من انخفاض وضمور لشعبية السيد مقتدى ربما لم ينفعه هذا القانون بقدر غباء الكتل السياسية المناوئة، لقد تشتت أصوات جمهور المقاومة ما بين كتلة الفتح وكتلة حقوق وكتلة العقد الوطني التي يرأسها فالح الفياض، كذلك وجود المستقلين ووجود قوائم مزيفة للقوائم الاصلية كل هذا شتت جمهور المقاومة.

لاحظنا وجود عزوف من عامة الجمهور الذي يوصف بالأغلبية الصامتة أو الأغلبية الرمادية وهذا العزوف ينم عن عدم اطاعة لمرجعية السيد السيستاني، أو السيد الحائري بعد بياناتهم الأخيرة بوجوب المشاركة والاختيار الصحيح ووضع معايير خاصة لهذا الاختيار؛ وهذا يمثل منعطفًا كبيرًا في الأيام المقبلة بعدم اطاعة أوامر المرجعية على المستوى المتوسط والبعيد، ولهذا مآلاته الخطيرة، ناهيك عن أن بيان المرجعيتين جاء متأخرًا وفي الوقت الضائع.

أيضًا هناك فجوة هائلة بين الجمهور والسياسيين، لم يعد وهج الانتصار كافياً، لا خدمات ولا فرص عمل، ولا تواصل مع الجمهور، وضمور شعبية مقتدى الصدر إزاء ارتفاع عدد المقاعد التي حظي بها بوسيلة أو بأخرى، فجمهور مقتدى في هذه الانتخابات نصف جمهوره في 2018 لكنه منظم بعكس جمهور الحشد المشتت بين انقسامات الكتل التي يفترض أن تمثله، بالإضافة إلى عدم وضوح البرامج الانتخابية، وتأخر إعلانها، واختيار وجوه لا تحظى بثقة الجمهور.

إن العمل الميداني هو الكفيل برأب الصدع ما بين الكتل السياسية وبين الجمهور، ليس فقط العمل الميداني الثقافي والتوعوي والإعلامي؛ بل يجب أن تقدم الكتل السياسية شيئا الى الجمهور كي لا تبقى متذرعة بأن اميركا وإسرائيل تمنعها من تقديم الخدمات، أو تدوير عجلة الإنتاج في العراق، والعمل الميداني هو الكفيل أيضًا برأب الصدع بين العراق وإيران والعراق وسوريا.

إن أميركا لن تغادر، وستترك بؤرًا لها في كردستان وفي غرب العراق، ولكن الملف العراقي هو ملف بريطاني، وبدأ هذا التمدد البريطاني منذ العام 2014 من "داعش".

 أما ما خصّ شكل التحالفات المقبلة، فهناك مساران: مسار ضاغط الخطاب الخشن الذي أعلنت عنه تنسيقية المقاومة والمسار السياسي، والإطار التنسيقي ليس للمقاومة، بل للكتل السياسية الشيعية أعلن أنه وصل الى 84 مقعد؛ بمعنى أكثر من مقاعد مقتدى، وإذا ما انضمت اليه حركة بابليون المسيحية وحركة تصميم الشيعية الليبرالية سيصبح 93؛ وبذلك سيصبح الكتلة الأكبر قبل التحالف مع السنة والكرد.

قد نشهد تكرار أحداث العام 2010 حين تشكل التحالف الوطني على الرغم من كتلة اياد علاوي الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، لكن هل سيستسلم مقتدى الصدر؟، هذا هو السؤال. ربما ستبحث الكتل السياسية عن مشتركات مع مقتدى الصدر.

إن اللجوء الى العد والفرز اليدوي بالكامل بنسبة 100في المئة، او إعادة الانتخابات احتمال ضعيف لكنه وارد. كما أن مسألة الإطار التنسيقي للكتل الشيعية، وتشكيل كتلة أكبر ينبئ بنوع من القبول بالنتائج، وهناك احتمال بأن تقبل بهذه النتائج، وتشكل تحالفًا أكبر من تحالف مقتدى، لكن سنشهد سيناريو مشابه لما حصل بعد العام 2018، ويتشكل برلمان متشظٍ متشرذم ينتج حكومة هشة توافقية ضعيفة لا تلبث أن تستقيل، أو تُقال، أو تُسحب منها الثقة خلال أشهر؛ وقد نشهد أحداثًا مشابهة لتشرين بالتزامن مع الانتخابات اللبنانية المقبلة.

  مداخلة عضو الرابطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية د. حسين ريوران

هناك تحولات مهمة في إيران، وصعود رئيسي محطة مهمة جدًا في الجانب السياسي، هناك انسجام كبير في السلطة في إيران لم يكن موجود سابقًا، جزء كبير من الجهد السياسي كان بسبب التلاسن والتعارض بين التيارات السياسية والآن هذا غير موجود تقريبًا، ولكن هناك إشكالية لم تتبلور حتى الآن استراتيجية كبيرة واضحة للسيد رئيسي امام التحديات المقبلة، هناك إرادة للتعامل مع الأزمات، وهذا ما يضعف موقع السلطة، صحيح أن هذه الإرادة قوية في التعامل، ولكنها ليست متكاملة في إطار استراتيجية واحدة.

في الداخل أثر الحصار في جزء من المجتمع الإيراني، وكورونا أثرت على المجتمع وهذه كلها بحاجة الى إدارة لهذه الازمات في الداخل حتى يكون جمهور الثورة الإسلامية في الداخل اقوى مما كان سابقًا، هناك مقاربات تطرح في إطار توفير المساكن الرخيصة للمواطنين وفي مواضيع مختلفة، ولكنها لم ترق إلى الطموح، ولايزال من اختار رئيسي لرئاسة الجمهورية يطمح إلى أكثر من ذلك.

هناك برامج اقتصادية واجتماعية لتجاوز ما حدث خلال فترة كورونا وفترة حصار الحد الأقصى الذي استعمله الغرب ضد إيران التي تمتلك إمكانات، فهي تمتلك بنية صناعية واسعة جدًا، وتمتلك قوة عسكرية وصناعات عسكرية متقدمة في المجالات المختلفة، وتمتلك أراض زراعية خصبة، والنظام السياسي بعد الثورة بنى أكثر من 50 سدًا للاحتفاظ بالمياه وهذا وفر لإيران إمكانية الاكتفاء الذاتي في المجالات المختلفة. والاكتفاء الذاتي في إيران هو حجر الزاوية في مقاومة مشروع الحصار الذي يستعمله الغرب ضد الجمهورية الإسلامية.

من الجانب الخارجي هناك مقاربة لتحسين الوضع الخارجي لإيران من خلال التواصل بشكل أكبر مع محور المقاومة والتنسيق بين الطرفين بشكل أكبر، هناك مستجدات كثيرة في التعامل مع إيران منها ما طرح من قبل بينت في زيارته للولايات المتحدة، وهي استراتيجية الالف سكين، وإيجاد انشغالات جانبية لإيران وازمات في الداخل والخارج، وفي المحيط السياسي والجغرافي ومحور المقاومة، وهذا ما يدفع في اتجاه معالجة القضايا الجانبية من دون نسيان القضايا الكبرى. 

نرى الآن جزءًا من تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال ما يحدث في أفغانستان، فهل هروب اميركا من أفغانستان هو انكفاء من دون برنامج عمل؟ إن اميركا تملك برنامج عمل في تحويل أفغانستان إلى بؤرة تهديد للمحيط، وهي واقعة بين الصين وروسيا وإيران، وأي تهديد من قبل هذه البؤرة يهدد دولًا تعارض اميركا، وتحاول ايجاد مقاربة تنسيق في ما بينها في مواجهة السطوة والهيمنة الأميركية. ومن هنا نقل الداعشين من سوريا إلى أفغانستان قائم على قدم وساق؛ إذ لم يكن في أفغانستان شيء اسمه "داعش" إلى حد كبير؛ بل إن "داعش" ظاهرة جديدة في المجتمع الافغاني تم زرعها بضغط أميركي وبمال كبير يدفع لها للقيام بعملية تغيير أفغانستان إلى بؤرة توتر إقليمي تهدد كل الكيانات السياسية.

وكان للكيان الصهيوني دور من خلال توفير المسيّرات لأذربيجان لمواجهة ارمينا؛ من هنا هناك تماهي كبير بين حكومة عليوف مع الكيان الصهيوني، وهناك وصل الى حد استقدام أكثر من ألف مستشار عسكري إسرائيلي تم زرعهم على الحدود مع إيران، وهذا ما لا يمكن ان تقبل به إيران لأنه تهديد للأمن القومي.

لا يمكن لأي دولة أن تقوم بانتخابات الكترونية من دون وجود بنية تحتية داخلية، بمعنى أن تكون السيرفرات في الامارات، وهناك العملاء من العراق من سرب أسماء كل عدد السكان في العراق الى الامارات، وما قامت به الامارات مسألة ناعمة جدًا، هي تمتلك كل المعطيات والداتا حول العراقيين، ومن خلال الانتخابات هي تمتلك المعطيات حول من أدلى بصوته، بقي من يستطيع أن يصوت ولم يصوت، والامارات قامت بزيادة اكثر من 3 مليون شخص على العدد من خلال المجسات التي تمتلكها هذه الاجهزة، وهي تمتلك كل المعطيات الالكترونية من هنا زادت أكثر من 3 مليون ناخب عراقي على الانتخابات، موضوع الانتخابات الالكترونية مرتبط بعملية ضبط حالة الانتخابات وعدم التزوير، ولكن اذا لم يكن هناك بنية تحتية هو ارتهان كامل للإمارات.

إيران بنت الان مجموعة كبيرة من السيرفرات منذ أكثر من 8 سنوات، وعندما حدثت بعض الاعتراضات في إيران، وانقطع الارتباط بالسيرفر الدولي كانت كل الدوائر الرسمية والبنوك تعمل بشكل طبيعي، لأن هناك سيرفرات داخل إيران، وهذا موضوع مهم جدًا يعكس حاجة مستقبلية للتعامل مع بعض الاخطار الناعمة.

في ما يخص الانتخابات العراقية، فالعراق يعيش حالة تمزق وهناك ضياع وعدم وجود قيادة واعية وحكيمة متفق عليها. كان هناك طلب من السيد كاظم الحائري أن يدلي بدلوه في تصويب المسار، ولكن كان متأخرًا ولم يؤثر كثيرًا في المشهد السياسي، وكذلك دعوة المرجعية في النجف للانتخابات، العراق بحاجة الى جهد كبير جدًا، والمشكلة ليست في عدم وجود الإمكانات، الان قد تكون قنوات المقاومة هي الأكثر كمًا ولكنها الأقل تأثيرًا، وهذا يعكس الحاجة الكبيرة في كيفية إيجاد مقاربة تستعمل كل الإمكانات القائمة في العراق في رفض مستوى ارتباط هذا البلد في محور المقاومة.

إن المشكلة في العراق أن أحدًا لا يملك استراتيجية والتعامل بشكل يومي مع الأحداث، وليس هناك برنامج عمل لأي تيار سياسي، والمشكلة في التشتت، والمشكلة الثانية في وجود شرخ كبير بين المجتمع والنظام السياسي، وقد أصيبت الجمهورية الايرانية بخيبة امل من نتائج الانتخابات في العراق.

بما أن هناك تناغم بين الشيعة وإيران ومحمور المقاومة، فقد ركزت كل المؤامرات على هذا الموضوع، بمعنى إيجاد حركة تشرين التي جاءت لإيجاد تيار علماني يستطيع أن يتجمع غير المتدينين في مقابل التيار المتدين، وفي هذا الإطار هم نجحوا في الاستقطاب، وطرحوا مواضيع تلامس الحياة في العراق، واستطاعت أن تستجلب الكثير إلى ساحة التحرير وساحات أخرى في المحافظات، خاصة في الناصرية، واستطاع هؤلاء اسقاط عادل عبد المهدي، وطرحوا وجوهًا جديدة كلها مرتبطة بالغرب، وكان في النهاية وصول الكاظمي الى الحكم. وأخفق الكاظمي في ايجاد حكومة تحارب الفساد، وتقدم خدمات للمجتمع، بل خلقت حكومته طبقة جديدة من الفاسدين والمفسدين.

إن حركة تشرين حركة تواصلت فيها مجموعة كبيرة من السفارات، وكان هناك دفع أموال، وصُرف كم هائل من الأموال لإيجاد حالة علمانية عراقية؛ ولهذا كانت الشعارات تتركز في مواجهة المرجعية والحشد وإيران، ولكن الكاظمي لم يستطع أن يخلق نموذجًا وأعاد الحياة لكل المكونات السياسية التي تهمشت، ولكن بعد ان ظهر الوضع الحالي من مفاسده عادت الناس إلى الاحزاب الدينية بشكل كبير، وكان هناك توقع بأن تكون الانتخابات لصالح الإسلاميين.

ما حدث الآن أن الموضوع ليس تغيرًا في المزاج الشعبي؛ بل تغير في قانون الانتخابات، ومتغيرات جديدة دخلت في الانتخابات القوى السياسية التي لم تحسب مدى التأثير في الانتخابات.

وعلى الرغم من كل هذا الظرف، فإن مجموع كتلة القانون زائد الفتح والمستقلين يتيح القول إن إمكانية تشكيل حكومة لاتزال قائمة وبقوة، من دون أن نُغفل المشكلة في وسائل الاعلام التي لها دور كبير جدًا

الانسحاب الاميركي نهاية السنة سيتم، لأن سياسات بايدن هي في هذا الاتجاه، ولكن هل سيكون الانسحاب كاملًا؟؛ فأميركا تسيطر الآن على النفط العراقي بشكل كامل، وهي أوجدت اليات كانت مدعومة بقوة عسكرية قائمة، وأتصور أن الانسحاب الكامل ليس في محله، وأميركا ستحاول أن تبقى، وتعامل العراقيين مع أميركا سيختلف، أتصور أن المشهد اختلف وتفكير الكثير من القوى السياسية اختلف، والوقوف في الوسط بين إيران وأميركا لم يكن صائبًا، هذه ستكون أقرب الى محور المقاومة لكنها لن تقطع العلاقة والتواصل واتعاون مع الطرف الأميركي.

في مقابل استراتيجية عقوبات الحد الأقصى هناك حاجة الى تنسيق الحد الأقصى داخل محور المقاومة، وهناك ضرورة في ان يكون التنسيق بين محور المقاومة في حده الأقصى لتقليل الضغوط أولًا، وإيجاد حالة استقلال أكبر ثانيًا، ولإيجاد ربط بين الجماهير في هذه الدول.