يعيش العالم لحظات قاسية مع تقدم شبح المجاعة العالمية، وبنفس الوقت يزداد التفاوت بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، وهذا بفعل عامل الاستقطاب الغربي ونهب ثروات الدول الفقيرة، وكأننا على أبواب مرحلة عالمية متفجرة، وأمام تطبيق نبوءة أبي ذر الغفاري الذي قال (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهر سيفه)، تتجسد معالم هذه المجاعة في عدة مؤشرات في مؤشر أساسي وهو تعرض أغلب دول العالم لأزمة الغذاء بسبب عوامل داخلية وعوامل خارجية أو كليهما معا، ومن أهم العوامل الداخلية هي الظروف الطبيعية من فيضانات وأعاصير وتفشي الحشرات والأمراض الزراعية للثروة النباتية والحيوانية والأوبئة البشرية مثل (كورونا) وغيره وزيادة الجفاف وفشل السياسات الحكومية الزراعية والحروب الداخلية وتراجع القاعدة الإنتاجية من زراعية وصناعية وخدمية وإهمال الزراعة بسبب زيادة الهجرة غير المنتظمة من الريف إلى المدينة وإهمال الأرض الزراعية، كما يمكن أن تكمن عوامل خارجية وراء المجاعة مثل الإرهاب الاقتصادي من عقوبات وحصار اقتصاديين جائرين مفروضين من طرف واحد أو زيادة التدخلات الخارجية وتوسيع دائرة بؤر التوتر أو وضع قيود على الصادرات والمستوردات ...الخ.
ومن هنا نتفهم أنه مع بداية سنة /2021/ بدأ المسؤولون في برنامج الأغذية العالمية يشيرون إلى أن المجاعة تدق أبواب العالم بأكمله، وقد صدر تقرير عن (الفاو) جاء فيه أن ما لا يقل عن /155/ مليون شخص واجهوا جوعًا حادًا سنة /2020/ بزيادة قدرها /20/ مليونًا عن سنة /2019/، وبأن مناطق الجوع الساخنة تتوسع وتزداد وتتعمق مستويات انعدام الأمن الغذائي وسيتوسع هذا في المستقبل، تؤكد المعلومات الاقتصادية على أن /41/ مليون شخص في جميع أنحاء العالم معرضون الآن لخطر السقوط في المجاعة أو الظروف الشبيهة بالمجاعة وهم في عداد من سيزداد على قائمة الجياع ما لم يتلقوا مساعدة فورية لإنقاذ الحياة والمعيشة، وأن أكثر من /113/ مليون شخص في /53/ دولة يعانون من جوع حاد، وأكد التقرير على أن ظاهرة الجوع لا تتفاقم فقط من حيث الأعداد والحجم ولكن أيضاً في شدتها وقسوتها، علماً أن برنامج الأمم المتحدة في برنامجها (التنمية المستدامة) بتصفير الجوع حتى سنة /2030/ أي انعدام الجوع في العالم، ولكن على الصعيد الواقعي لأن الأمم المتحدة حذرت من إمكانية ارتفاع نسبة الجوع في /23/ بؤرة ساخنة في العالم في الأشهر الثلاثة المقبلة ومنها (إقليم تغيراي في إثيوبيا وجنوب مدغشقر واليمن وجنوب السودان وشمال نيجيريا)، كما بدأت أغلب المنظمات الدولية تشير إلى إمكانية انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب تغير المناخ والعوامل المرتبطة والمتعلقة بالتغيرات المناخيّة، وبدأ الكثير من الباحثين الاعتماد على مقارنة ضحايا المجاعة مع الأوبئة ويشيرون إلى زيادة عدد الوفيات بالمقارنة مع الأوبئة، فقد أكدت منظمة مكافحة الفقر البريطانية (أوكسفام) أن /11/ شخصاً يموتون كل دقيقة في العالم جراء المجاعة ونقص التغذية مقابل /7/ وفيات بسبب الإصابات بفيروس كورونا لسنة /2021/ ، لهذا دعت الدول الغنية والمانحين إلى توفير مساعدات غذائية عاجلة من أجل وضع حد لهذا، ولكن بقي هذا عبارة عن طروحات نظرية فقط لا غير، بل بالعكس استخدم للابتزاز السياسي خاصة من قبل الدول الأطلسية الغربية (أمريكا والكثير من دول الاتحاد الأوروبي) وهي نفسها التي تخلق المشاكل وبؤر التوتر لكي تستثمر في الإرهاب، ثم تطالب لاحقاً بحلها كما حصل في (سورية واليمن والعراق وليبيا والسودان وأفغانستان وبوركينا فاسو وفنزويلا) وغيرها، من هنا نتفهم لماذا (فيروس المجاعة) يتوسع على كوكبنا، زادت نسبة عدد الجائعين في سنة /2020/ بالمقارنة مع سنة /2019/ بنسبة /200%/، وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في اجتماع قمة العشرين G20 وقمة غلاسكو للمناخ في اسكتلندا خلال هذا الشهر بأن كوكب الأرض في خطر، ورغم ذلك إلا أن دول الاستكبار العالمي لا تعطي أي أهمية لذلك، من هنا يتبين لنا أن المجاعة لا تكمن بتراجع الموارد بل بسوء توزيعها واستثمارها، كما قال الفيلسوف الساخر (برناردشو) مشيراً إلى رأسه الأصلع وقال عبارته المشهورة (أرى كثافة الإنتاج ولكن مع سوء التوزيع)، ومن هنا نتوقع أن مؤتمر المناخ في باريس لن يكون سوى تكرار للاجتماعات الدولية السابقة.