• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: "الموجة الاستعمارية الجديدة: النموذج الإنكليزي"..


مقدمة

هناك تعاون أميركي-بريطاني، مخابراتي ثقافي وسياسي لإعادة الهيمنة إلى زخمها السابق مع الانسحاب العسكري الأميركي لجهة نشر الفوضى والتخطيط لاستدعاء الاستعمار القديم، خاصة أن الساحات العربية في أكثرها لم تخلو يومًا من هذا النفوذ القديم، لاسيما دويلات الخليج التي كانت ملتزمة بث ثقافة وارتباط العرب بالغرب، والعلاقة الاميركية-البريطانية التي تسعى لمواجهة الصين تتبع الآن نهج بعث الفتن في المنطقة لإنهاكها وترتيب العودة مجددًا.

وهو ما ناقشته حلقة نقاش نظّمتها الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين عبر الفضاء الافتراضي بعنوان: "الموجة الاستعمارية الجديدة: النموذج الإنكليزي".

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

الخميس 23\12\2021

المكان

Zoom Meeting

مدة اللقاء

من الثانية عشرة ظهرًا لغاية الواحدة والنصف ظهرًا

 

المشاركون السادة:

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح.

2

القيادي في المعارضة البحرينية د. سعيد الشهابي.

3

عضوة الرابطة في العراق الأستاذة ضحى الخالدي.

4

عضو الرابطة في لبنان د. جمال واكيم.

5

عضو الرابطة في لبنان العميد الركن المتقاعد الياس فرحات.

6

عضو الرابطة في لبنان الأستاذ خليل القاضي.

7

عضو الرابطة في لبنان الأستاذ هادي قبيسي.

8

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط.

 

ثانياً: مجريات اللقاء:

افتتح رئيس الرّابطة د. محسن صالح الحلقة بالترحيب بالمشاركين، وقال في شهر اذار من هذا العام 2021 الذي بدأ بالأفول قدم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون امام البرلمان خطة تتضمن رؤية المملكة المتحدة القادمة عن الجغرافيا السياسية الجديدة التي تنظر اليها هذه المملكة ضمن استراتيجية اسماها بريطانيا العالمية، وهي دراسة قام فيها أكاديمي في جامعة "كينغز كولج"؛ تتألف هذه الورقة من حوالي 114 صفحة، ومن اهم بنود أولها تعزيز نفوذ المملكة المتحدة، وإعادة موضعة دورها العالمي، ومواجهة التحديات التي تمثلها روسيا والصين وإيران، وتعميق التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والارتقاء بالحضور البريطاني مجددًا في افريقيا، والتعاون و الحضور في منطقة الشرق الأوسط، وما يسمى غرب اسيا.

هناك دراسات بريطانية متعددة ظهرت خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واقامتها حلفًا مع الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، وهنا نطرح سؤال لماذا استراليا؟!، وهذا امر مهم جدًا، حتى فرنسا باتت تشعر بخطر وهناك محادثات مكثفة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيجاد حل ما.

وما خص دول الخليج التي لا تزال تحافظ على وجودها فهي صناعة بريطانية، وتطورت علاقاتها مع اميركا نتيجة تراجع الدور البريطاني ولكن بقي في التكافل والتضامن، ولكن الدور البريطاني وإعادة تزخيمه أصبح في أدوات مختلفة. كما أن بريطانيا لديها قصور ما عن ان تكون قادرة على تمثل الولايات المتحدة الأميركية في قوتها وهيمنتها وانفتاحها، لكنها تمثل دورًا خبيثًا جدًا جدًا جدًا وهذا هو العقل البريطاني.

مداخلة الأستاذة ضحى الخالدي

 اميركا إمبراطورية قصيرة العمر دفعت ثمن انفرادها في إدارة العالم في وقت مبكر، ولربما هي أكملت المهمة الموكلة اليها لحين استعادة بريطانيا عافيتها بعد الحرب العالمية الثانية، ومنذ العام 1945 وحتى اليوم بدأت المخالب البريطانية تنمو من جديد. وفي العراق يوجد عقيدة بأن التحركات الأميركية هي عبارة عن ظل للأوامر البريطانية، فأميركا تعمل بإمرة بريطانية وليس العكس.

بريطانيا تتعامل بذكاء ولها معرفة بدواخل العراقيين وطريقة تفكيرهم، حتى ان الظاهر من سياساتها في العراق تمثل العشرة بالمئة من جبل الجليد و90 بالمئة من سياساتها تكون مخفية بعكس الطريقة الأميركية.

ويتمظهر الدور البريطاني في العراق بأربع نقاط رئيسية: الدور السياسي، الدور الثقافي، الدور الأمني والاستخباري، والدور الاقتصادي، وهي وفق الآتي:

برز الدور السياسي لدينا في العام 2014 بعد تنظيم "داعش" والإصرار على تغيير رئيس الوزراء السيد نوري المالكي رغم فوز كتلته بأكثر من 103 مقاعد وهذا تقريبا يعادل ثلث المقاعد البرلمانية، ولكن مع ذلك استبعد، وصحيح انه كان هناك إرادة أميركية وإرادة لدى المرجعية باستبعاد السيد نوري المالكي من الولاية الثالثة لكن الحقيقة كانت هناك إرادة بريطانية خلف ذلك وجاءت بالسيد حيدر العبادي، والعبادي يمثل بالنسبة للعراقيين الذين ينتمون الى محور المقاومة مشروعا بريطانيا أكثر من ما هو مشروع عراقي او مشروع تابع الى حزب الدعوة.

حاليًا تدعم بريطانيا السيد مقتدى الصدر وتدعم السيد جعفر الصدر، ولا اعتقد ان اختيار السيد جعفر الصدر كسفير للعراق في المملكة المتحدة قد جاء اعتباطًا، وكان هناك لقاء سري مع السيد احمد الصدر في بريطانيا من اجل الترتيب لرئيس وزراء صدري بعد هذه الانتخابات، وكان مفترض ان يحضر هذا الاجتماع السيد مقتدى الصدر لكنه منع من دخول الأراضي البريطانية، ومصطفى الكاظمي هو ليس مشروعا اميركيا بل هو مشروع بريطاني بامتياز.

في ما يخص المشروع الثقافي البريطاني، فالإبراهيمية ليست مشروعا أميركيًا في العراق بقدر ما هي مشروع بريطاني، وعلينا ان نحترس من الرعاية البريطانية لهذا المشروع. فبريطانيا تخترق النجف الاشرف والبيوتات الكبيرة فيه منذ زمن طويل وذلك حتى قبل احتلال العراق عام 1914، لذلك لديها أذرعها ولديها مخططات قديمة جدا. كما إن السفارة البريطانية ومنذ سنوات طويلة ترعى المهرجانات الشبابية في بغداد، وكانت بريطانيا ترعى الصراع الديمقراطي الجمهوري على الأراضي العراقية، وبريطانيا كانت حليف أساسي استراتيجي للحزب الديمقراطي في صعوده.

في ما يخص الجانب الأمني والاستخباري في العراق، هناك تجديد لعقد شركة "سبكو" البريطانية الأمنية في مطار بغداد الدولي، رغم ان هذه الشركة مع خلاف شركات بريطانية أخرى من ضمنها شركة "4GF" والتي تشرف على امن المطار ولها علاقة باغتيال الشهداء القادة.

في ما يخص المشروع الاقتصادي، هناك غزو لشركات امارتية للأسواق العراقية، ولكن الحقيقة هي ليست شركات إماراتية خصوصا في البصرة وانما هي شركات بريطانية والامارات هي ليست أكثر من واجهة.

هناك دور كبير للسفير البريطاني السابق في محاولة اللعب على عنصر الحرب الناعمة وكسب ود الشباب، وأدّت السفارة البريطانية دورًا كبيرًا لا يقل عن دور السفارة الأميركية في دعم تظاهرات تشرين عام 2019 التي نسميها في العراق فتنة تشرين. 

الكيان الصهيوني في منطقة غرب اسيا هو أولوية بالنسبة لبريطانيا وأميركا، وهما لا تستطيعان بعد اليوم ان تقاتلا بجنودهما، وهما يقاتلان بأذرعهما المحلية سواء أذرع عسكرية او اقتصادية او سياسية او ثقافية، لذلك الوجود لهما حاليا هو وجود أمنى واستخباري، بمعنى وجود محدود للإشراف فقط وليس وجودا عسكريا.

فرنسا تحاول الحصول على فتات اميركا وبريطانيا في المنطقة، وتتواجد في العراق تحديدا لتصفية حسابات مع تركيا خصوصا حول موضوع الغاز شرق المتوسط.

يجب ان لا ننسى المشاكل الفرنسية الأميركية وليست أولها مشكلة الغواصات ولن تكون الأخيرة، واعتقد ان فرنسا بعد الغدرة الأخيرة الأميركية البريطانية في موضوع الغواصات، أصبحت مستعدة للتعاون مع الصين في منطقة غرب اسيا والعراق تحديدا وان يكون لها نصيب من الكعكة الصينية الكبيرة شريطة ان تكون إسرائيل جزءا من هذا المشروع.

أوكرانيا بالنسبة لأميركا وبريطانيا والغرب هي ورقة ضغط باتجاه التمدد الروسي في غرب اسيا.

أما العراق فقد أصبح أولوية بعد سوريا بالنسبة الى روسيا، وبغض النظر عن كون العراق هو أولوية اقتصادية رقم 1 بالنسبة الى روسيا، ولكن روسيا حاليا مستعدة بأن تجعله الأولوية السياسية الرقم 1واحد.؛ ونحن اليوم أمام ثلاث أنواع من الحروب الجغرافية حاليا: المرتفعات والمياه والموانئ والمضائق البحرية.

مداخلة د. سعيد شهابي

لا تزال العقلية الاستعمارية موجودة لدى بعض الساسة في بريطانيا، خصوصًا من حزب المحافظين الذين يتطلعون بدافع الحنين للماضي الى استعادة الدور الاستعماري البريطاني. ومع ذلك لا أعتقد ان بريطانيا ستستطيع ان تكون دولة استعمارية بالمعنى التقليدي، فبريطانيا على الرغم من ما يخالج بعد مفكريها ومخططيها لاتزال اقل قدرة من استعادة الدور الذي كانت فيه تمثل بريطانيا العظمى، وبالتالي هذا الطموح قد لا يتحقق في المستقبل المنظور. وإن كانت بريطانيا تعد لذلك وتمارس بعض السياسات والادوار التي تهدف من خلالها للعودة الى ذلك الدور، ففي العام الماضي دشنت بريطانيا حاملتي طائرات قيمتهما 10 مليار دولار، وقد ذهبت احداهما الى بحر الصين الجنوبي جنوب شرق اسيا للانضمام الى الاساطيل الاميركية، وهذه محاولة لإبقاء بريطانيا على تواصل مع العقلية الاستعمارية.

لطالما كانت بريطانيا تاريخيًا وحاضرًا ضد التغيير السياسي في منطقة الشرق الأوسط كما اميركا، وتتماهى مع إسرائيل ومع من اسميهم قوى الثورة المضادة التي تشمل 5 دول، السعودية والامارات ومصر والبحرين وإسرائيل وهذه الدول التي تنقض على الشعوب العربية لتمنع أي تغيير فيها، وهي تعمل بشدة.

حاكم الامارات اليوم هو اقوى حاكم عربي وهو شخصية حديدية وكيف أصبحت هذه الدولة التي لم تمر عليها سوى 50 عاما ان تغير الأنظمة في عدد من الدول العربية، وجزء كبير هو سياسة بريطانية عن طريق الامارات.

الانسحاب الأميركي ربما فتح بابًا صغيرًا لبريطانيا ولكن بريطانيا عجوز ولا اعتقد انها تستطيع النهوض، وخروجها من أوروبا أضعفها ولأسباب كثيرا منها جائحة كورونا، والنمو الاقتصادي الذي كانت بريطانيا تتطلع اليه غير موجود، فالتوقعات كبيرة جدًا ولكن الإنجاز قليل جدًا، والفقر منتشر في بريطانيا، والعائلات الفقيرة تعيش على الدعم الرسمي البريطاني وهذا الدعم يأتي من الأموال الخليجية.

استبعد ان تعود بريطانيا قوى عالمية وامبراطورية من جديد، واستبعد ان تُشفى من تبعات خروجها من أوروبا بسهولة، وبريطانيا تواجه منافسة شرسة خصوصا من فرنسا التي تعود الى المنطقة بشكل قوي. ومع ذلك لا يمكن اغفال أن الوجود الأمني والاستخباري هو اقوى لدى بريطانيا وتعتمد كثيرا على الوكلاء.

ما خص الظاهرة الابراهيمية فهي إحدى الأسلحة التي تتوجه الى منطقتنا لإضعاف وهج الإسلام والمقاومة ورفض الاحتلال ورفض الاستبداد، والهدف الأساسي للمشروع الإسرائيلي البريطاني وبقية دول الثورة المضادة ثلاث اهداف: ضرب المشروع الإسلامي ومحوه، ودعم الاستبداد، واستهداف المقاومة لأنه من الضروري في نظرهم دفع ظاهرة التطبيع واعتبار إسرائيل الواجهة الأساسية لمواجهة ما يسمى الإسلام السياسي. اطرح ضرورة ان يضغط المثقفون لقيام تحالف عربي إسلامي خصوصًا أن هناك الكثير من المشتركات.

مداخلة د. جمال واكيم

ما نشهده الآن من ابراز لدور بريطاني يأتي في الوقت الذي تعي فيه الولايات المتحدة انها تمددت أكثر من اللازم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وكتلة الدول الاشتراكية ونهاية الحرب الباردة لغاية العام 2008، ووعت الولايات المتحدة انها وصلت الى حدود التمدد القصوى وهذا أدى الى تعرضها لأكلاف كبيرة جدا، وهنا بدأت اميركا توزع ادوارًا على القوى التي تعتبرها تدور في فلكها وهذا ما يفسر الضوء الاخضر لدور فرنسي في شمال افريقيا وفي منطقة المشرق العربي.

تعتبر أميركا أنها ورثت الإرث البريطاني لجهة أن تكون قوى بحرية، ولجهة التعامل مع البر الأوراسي من ضمن المنطق البريطاني نفسه. فقد طورت بريطانيا فكرة الاحتواء، وكانت تتعامل ضمن منطق ان أوروبا الغربية تعيش وفقًا لتوازن بين قوتين قاريتين آنذاك: المانيا وفرنسا، ومنع وحدة أوراسيا التي تعتبر الكتلة البرية الأكبر في العالم تحت هيمنة قوة برية واحدة واحتواء روسيا ومنعها من الوصول الى المياه الدافئة؛ وهذا كان سر الدعم البريطاني للدولة العثمانية ومد النفوذ الى فارس وأفغانستان في إطار المسعى البريطاني لمنع روسيا من الوصول الى المياه الدافئة ان كان شرق المتوسط او المحيط.

وقد ورثت اميركا هذه الاستراتيجية التي تم التعبير عنها في نظرية نيكولاس فيتمن بالدرجة الأولى، وهذه النظرية تقول إن اميركا بالاستناد الى الإرث البريطاني يجب أن تحافظ على هيمنتها على طرق الملاحة البحرية بصفتها السبيل الأمثل والأنجع للوصول الى السيطرة على التجارة الدولية، وهنا يطور الاستراتيجيون الاميركيون نظرية عدم التغلغل بعيدا في اللب الأوراسي وذلك لعدم تحمل اكلاف زائدة، والسيطرة على المنافذ البجرية ومنع أي كتلة برية من الوصول اليها.

ما حصل في العقدين الماضين (من 2001 الى 2021) أن القوى البرية التي انطلق منها مشروع السيطرة على البر الاوراسي بدأ في إطار رد محاولات الهيمنة الأميركية عنها وتظافر جهودها لتشكيل ائتلاف؛ وهذا بالنسبة للغرب يهدد بإعادة إقامة ما يسمى بالنطاق المغولي في اوراسيا، بمعنى توحيد اوراسيا تحت مظلة ائتلاف قوى واحد وهم الصين، وروسيا، وإيران.

بعد ثلاثة أشهر من الإعلان عن منظمة "شنغهاي للتعاون" في 13 حزيران 2001 وقعت احداث 13 أيلول في اميركا التي استغلتها لاجتياح أفغانستان، وبعد ذلك العراق في إطار السيطرة على منطقة الشرق الأوسط الممتدة من الأطلسي الى حدود الصين، وكان الهدف الاستراتيجي بالنسبة لأميركا أن السيطرة على هذه المنطقة يتيح لها الفصل بين أوروبا من جهة وافريقيا من جهة أخرى، ويدخل مدخل أوروبا الى افريقيا واشنطن، وتمنع روسيا من الوصول الى شرق المتوسط وبالتالي افريقيا، وتمنع الصين وإيران من الوصول الى شرق المتوسط، وبنفس الوقت تصل عبر أفغانستان الى مناطق وسط اسيا التي تعتبر الخاصرة الرخوة بالنسبة لإيران والصين وروسيا.

كانت الأكلاف كبيرة في إطار هذا التغلغل البري خلافًا للتوجهات التقليدية الاستراتيجية الأميركية، وهذا يفسر لاحقًا الانسحاب من أفغانستان، وحتى الإعلان عن مسعى لتخفيف التورط في العراق، وفي تقديري لن يكون هناك انسحاب لا من العراق، ولا من لبنان بسهولة إلا من خلال ضغط.

التوجه الاستراتيجي الأميركي الآن هو تخفيف التورط في العمق البري الاوراسي، ولكن احتواء اوراسيا في الوقت نفسه عبر السيطرة على المنافذ البحرية: قناة السويس من جهة وجبل طارق للتعويض عن الاختراق الذي احدثته اوراسيا نحو شرق المتوسط عبر سوريا، والتخفيف من أعباء التورط في البر الأوروبي والاعتماد على العلاقة مع بريطانيا لتشكل جسر عبور بالنسبة لأميركا نحو أوروبا الغربية، وفي هذا الإطار هناك إعادة تعليب لدور استراليا لتشكل الدور البريطاني، فكما أن بريطانيا تشكل رأس الجسر الأميركي باتجاه أوروبا الغربية والبر الاوراسي من الغرب، فإن استراليا ستشكل بالنسبة لأميركا رأس الجسر نحو آسيا؛ وبذلك يتم احتواء روسيا من الغرب والصين بالنسبة لاحتوائها تحديدا بمنطقة جنوب بحر الصين.

لذا لا أرى أن هناك إعادة لدور بريطانيا على حساب اميركا بقدر وجود دور بريطاني ممنوح من قبل اميركا يتكامل مع مشروع الهيمنة الأميركي العالمي، وبنفس الوقت يخفف أعباء عن اميركا في بعض الدوائر التي تهمها وتوكلها لبريطانيا. ولا يجب المبالغة في الخلاف الفرنسي البريطاني او الخلاف الفرنسي الأميركي، فالفرنسيون يلعبون في منطقة بضوء اخضر أميركي بما يتكامل مع المشروع الأميركي الامبريالي العالمي.

أما ما خص الدور الاماراتي فإن الاستثمارات في ابوظبي ودبي هي بريطانية وجزء أساسي من توظيفات الرأسمالية البريطانية في دبي وأبو ظبي وسنغافورة هي في إطار عملية الاحتواء، وهذا يفسر تضخم الدور الاماراتي، فهذا الدور الاماراتي المتضخم لا يعود لعوامل قوة ذاتية بمقدار انهم يلعبون دور قوة الوكيل في منطقة غرب المحيط.

  مداخلة العميد الركن المتقاعد الياس فرحات

إن بريطانيا ليست دولة عادية، بل هي دولة استعمارية منذ القرن الثامن عشر في مناطقنا، ودولة استيطان في الولايات المتحدة الأميركية، استطاعت نقل الثقافة الإنكليزية الى نصف القارة الشمالي الأميركي، والى نحو مليار و600 مليون في شبه القارة الهندية، بينهم 500 مليون مسلم.

استعملت بريطانيا المسلمين في جيشها عام 1914 في الحرب العالمية الأولى ضد الخلافة الإسلامية، وكان معظم الجيش البريطاني من مسلمي الهند يقاتل مع التاج البريطاني ضد الدولة الإسلامية، وبريطانيا دولة عرفت كيف تستخدم مثقفيها وعباقرتها في نشر سياستها الاستعمارية والاستيطانية وقمع الشعوب.

بريطانيا هي دولة استعمارية بمخططاتها طويلة الأمد، ولكن اليوم الاستعمار البريطاني شبه منتهٍ كاستعمار عسكري ومادي في العالم، وتحول الى استعمار فتن وانقلابات، واستغلت كل ما زرعته من تقسيمات جغرافية سياسية في المنطقة لاستثماره في هذه الأيام، فالربيع العربي صحيح أنه من فكر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وادارته لكن فيه نكهة بريطانية، وقد دمر البنى والمؤسسات والمجتمع والجيش ورفع الطائفية والمذهبية والاثنية والقبلية في العالم العربي، وضرب المجتمع اخطر من ضرب الأنظمة فإعادة بناء المجتمع عملية صعبة جدا.

بعد انشاء حلف "AUUKUS" في المحيط الهادئ من اميركا وأستراليا وبريطانيا وهو حلف أطلسي ضد الصين، واستبعاد فرنسا بشكل مهين من صفقة الغواصات بمحركات نووية، نستطيع القول إن هناك نوايا تجاه الصين، وبريطانيا تشارك بثقافتها كمحتلة للصين في القرن التاسع عشر، وكونها موجودة ثقافيًا وسياسيًا في استراليا ونيوزيلاندا، لذلك يأتي توظيف التراث والتاريخ البريطاني والخبرة السياسية مع الحملة العسكرية في سبيل التصدي لأي نمو صيني في تلك المنطقة.

لم تعد الأدوات البريطانية عسكرية وجيش اميركا وبريطانيا في العالم جيشان:

ـ الجيش الأول هو التنظيمات الإسلامية" المتشددة، وما نراه هو استخدام هذا الإسلام السياسي بطرق متعددة، والسلاح الامضى في بريطانيا الذي تعطي خبرته في الاستخدام والفعالية لأميركا هو استعمال هذه التنظيمات وأبرزها "داعش" والقاعدة.

ـ الجيش الثاني فهو جيش المجتمع المدني ويطالب بالحريات وقد شاهدناه في العراق ولبنان وهونغ كونغ وفي إيران بشكل او بأخر، واستطاع هذا الجيش اسقاط رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي واسقاط الصفقة العراقية الصينية معه وهذا هو الهدف، فأميركا لا يمكن أن تسمح بذلك، وفي لبنان نشاهد ماذا يفعل المجتمع المدني من قطع للطرقات ومضايقة الناس.

لا مجال لعمليات عسكرية، وأصبحت القوى العسكرية ضرورية ولكنها ليست كافية، فالضروري هو القوى العسكرية والكافي هو التحرك بجيوش "إسلامية" و"المجتمع المدني".

الدور البريطاني في منطقتنا العربية حاليًا دور خبيث جدًا، وأبراج المراقبة البريطانية في لبنان تأسست لمراقبة والتأكد من عدم ورود سلاح من سوريا الى لبنان، ثم توقفت عن العمل عام 2011 عندما أصبح السلاح من لبنان الى سوريا لدعم الإرهاب، والان بريطانيا تريد أن تستعيد نشاطها وتحاول جاهدة أن تدخل الى الجنوب كي تؤثر على المقاومة، وهذا الخبث البريطاني يجب الانتباه له كثيرا في لبنان على الاقل اما في المنطقة العربية فإن الجيش البريطاني وهو لديه خبرة كبيرة مع الحركات "الإسلامية".

الدولة البريطانية التي استطاعت نشر ثقافتها في أكثر من نحو مليارين في العالم ليست سهلة ولديها من المخططات والارشيف والخبرات ما يمكن ان يقوم بأكثر مما نتصور، ولكن العمل العسكري حاليًا لم يعد ولا المواجهة العسكرية، بل أصبحت ترسل مجموعة من قادة "داعش" وتفجر في هذه المنطقة وتتمرد في هذه المنطقة...، ما زرعه الاستعمار البريطاني بات يحصده اليوم في تأخير المنطقة العربية.

مداخلة الأستاذ خليل القاضي

إن الاستعمار البريطاني الذي انطلق في 927 للميلاد لايزال مستمرًا حتى الساعة بأشكال وادوار والوان مختلفة، واخذ في المنطقة العربية تحديدًا شكلًا مبطنًا من خلال امتيازات النفط. ففي موضوع امتيازات النفط في كل دول الخليج العربي وحتى إيران نجد أن بريطانيا لاتزال تمتلك الامتيازات النفطية الاساسية في هذه الدول ومنحت اميركا عقود تشغيل، وبالتالي أصبح الأميركي منفذًا للأجندة الاقتصادية البريطانية، واللافت في العمل البريطاني يستوقفني العمل الأمني البريطاني الذي هو الاستعمار الناعم. فعندما أنشئت الأبراج البريطانية في شمال لبنان استحضروا البريطانيين الات مسح زلزالي من اجل تركيب الأبراج، وهل يستدعي الات مسح زلزالي لتركيب أبراج، ام ان هناك استغلال للنفط، او انجاز دراسات نفطية في منطقة البقاع الشمالي.

إن الدور البريطاني الخفي في ما يسمى الربيع العربي جاء في سياق إعادة انتاج الاتفاقيات الدولية من جديد وتساهم في محافظة على النفوذ الاستعماري الغربي في المنطقة العربية ولكن هذه المرة برضى الشعوب.

أما الدور الاميركي في المنطقة فهو تحت العباءة البريطانية وليس العكس، فالقرار يخرج من الدوائر البريطانية من الدولة العميقة في بريطانيا، والولايات المتحدة تنفذ في إدارة هذه المستعمرات التي أصبحت خارج الحدود.

الاستعمار الذي نشهده بإشراف بريطاني هو استعمار ناعم وهذه خطورته، وعلينا ان نكون متيقظين لان الأدوات التي تستخدم هي ادوات ممكن ان تترك تأثير في المجتمع أكثر من الحرب الصاروخية، وهذا يؤدي الى بسط سيطرة أكبر في الـ 100 سنة القادمة ان تكون بريطانيا هي الحاكم الفعلي المستمر منذ 100 عام بالنسبة للمنطقة العربية، وهذا الموضوع يحتم علينا ان نواجهه بنفس الطريقة.

بريطانيا هي الملاذ الامن لكل الجماعات المتطرفة الإسلامية سواء سنية ام شيعية، حتى إن توجهات رجال الدين الشيعة الموجودين في لندن العامة تتناقض مع النسيج العربي والشيعي الموجود في الدول العربية، وما ازكاء الخلاف بين المرجعية العربية والمرجعية الفارسية الا بذور بريطانية.

مداخلة الأستاذ هادي قبيسي

إن خفاء الدور البريطاني وخروجه من خلال واجهات وتلطيه خلف الأميركي لا يمكن توقع حركته واستيعابها كما يلاحق الأميركي ونفهمه. والتشبيك مع الوكلاء التابعين للمناخ الغربي في منطقتنا سيتطور بأشكال جديدة وبفاعلية مختلفة، وبالتالي علينا ان نتخيل بأن لاعبًا جديدًا دخل في اللعبة وهي لعبته قد تكون متمايزة. لابد من الإشارة إلى مجموعة نقاط:

ـ هناك توزيع للأدوار بين البريطاني والأميركي وهذا يزيد من فعاليته ومباغتته للقوى الأخرى. هناك الطموح البريطاني لإثبات وجوده بعد الانكفاء الطويل. لكن عدم امتلاكه لقوى عسكرية متفوقة كالأميركي، وبالتالي نقص القوة يغير بدوره وبقابليته الذهاب الى المخاطرة من جهة ومن جهة أخرى لا يتحمل مسؤوليات كثيرة. وإن كان الاختراق الاستخباري وقدرته على نقل الخبرة بين أجيال الدبلوماسيين والخبراء يعطيه القدرة على التأثير.

ـ إن مصالح البريطاني في المنطقة ليست كالمصالح الأميركية من حيث الحجم وبالتالي حجم تأثره بردود الفعل في المرحلة الانتقالية الحالية إذا قرر الاندفاع ستكون اقل عرضة للمخاطر وستتشكل بشكل تدريجي مع تصاعد نفوذه بحيث اننا خلال المرحلة لا نستطيع ان نواجه مصالحه كما تعاملنا مع الأميركي.

ـ البريطاني لديه خبرة كبيرة وثقافة كبيرة على مستوى البيئات الاجتماعية والمدنية والعشائرية ومتجددة ومتراكمة.

ـ امتلاك الضباط البريطانيين الميدانيين قدرات على التأثير سواء في عالم الاشاعة وعالم خلق النزاعات وعالم استحداث التنظيمات والتيارات الفكرية والثقافية والدينية.

ـ احتمال أن يصبح الدور البريطاني مؤثرًا جدًا بسبب الشراكة مع دول الخليج، فهذه الدول وجدت أن الأميركي يتلكأ على مستوى التسلح والتحرك الديبلوماسي والسياسي والأمني والدعم اللوجيستي، لذا سيذهب جزء من التمويل الخليجي الى البريطاني، قد يكون البريطاني يعول على هذا العامل ليقوم بنقلة نوعية على مستوى التسلح وعلى مستوى حجم الحضور، وعلى صعيد الموارد المكرسة للحضور في الشرق الأوسط.