لفتني في كتاب شرق الجامع الأموي لسامي المبيض قصة السلطان عبد الحميد الذي تورط بالعملاء عندما كان منفتحاً في بداية حكمه ليجد نفسه قد سمح للغرب بالتغلغل بالبلاد ومن ثم ينقلب على نفسه ليصبح متشككاً في كل شيء بعد ذلك لكن يكون الأوان قد فات بسبب كثرة الخونة في مفاصل الدولة القريبة منه، والمقاصد تحدد النوايا ونحن لا نشق على قلب أحد.
كذلك الفقرة المتعلقة بحكم أديب الشيشكلي الذي سحب الصلاحيات ليعزز صلاحيات الرئاسة ويعلق عمل البرلمان وغيرها من الاجراءات المتشددة التي لا تتفق مع كونه ماسونياً كما وصفته في كتابك يا سيد مبيض، فمن الصعوبة بمكان لشخص حارب في فلسطين أن يكون كذلك، وحده الذي نفيت عنه انتماءه للماسونية حسني الزعيم، ربما لأن أفعاله متفق على لا وطنتيها، وأنت تريدنا أن نستنتج وطنية الماسونية أو اسمها الرنان المناسب لأفكار المرحلة ((البناؤون الأحرار))
ذلك ورد في كتاب لا أعرف الغرض منه إلا إذا اقترضناها عملية ترويجية لقدرة الماسونية على التحكم بالمصير السياسي للبلاد وإعادة إحياء المخيلة لتطويع الأجيال، ورغم أن المؤلف أبرز تساؤلات ليوحي بحيادية لا يلمسها المتلقي، كان أن ضيعت أمسيتي على كتاب ليس معداً للتداول الثقافي بل لتصنيف غير منصف، وبما أنى سبق وحاكمت الكاتب منذ اطلعت على مقالته التي انتقدتها مؤخراً، لكن قلقي على أن يكون حكمي متسرعاً دفعني لتنزيل الكتاب: سامي المبيض (شرق الجامع الأموي).
يتجاهل الكاتب شهادة السيدة كوليت خوري التي أوردها بنفسه عن أن جدها الزعيم فارس خوري منع ابنه من الانتساب للمحفل الماسوني واصفاً المحفل بالمرتبط بالصهيونية والمعادي لمصالح البلاد الوطنية، وأنه عندما انتمى له لم يكن يعرف حقيقة أهدافه، لكنه يكمل الكتاب مكرساً وجود الزعيم فارس خوري بالمحفل ونافياً أن يكون غادره وموجهاً القارئ إلى أن عدم ذكر الانتماء للمحفل جزء من الطقوس السرية.
الكتاب حافل بالتناقضات والمغالطات فحيث يترك السؤال للقارئ عن أن مبادئ الماسونية تمنع الحديث أو العمل بالسياسة، يعود ليصم كافة الشخصيات الفاعلة بالانتماء للمحفل إما الفرنسي أو الأسكتلندي، ورغم السرية التي يتحدث عنها إلا أنه يعود ليقول أن فلان وفلان كانوا يفاخرون بلبس اللباس الماسوني. ونسب للماسونية انتماء العائلات التي تمثل الإقطاع المالي والسياسي في البلاد.
ويبلغ من الجرأة أن يصف أنطوان سعادة بالماسونية وهو الذي كتب مؤلفات دامغة في شرح موقفه من الماسونية وعدائه لها ووجود شخصيات يهودية تدعو لإعادة بناء هيكل سليمان .
وطبعاً يكمن التضليل هنا في أن سعادة حسب مقالات في جريدة البناء هو نفسه قال انه انتسب للمحفل في سن الثانية والعشرين ثم غادرها باستقالة منشورة ومدوية، وهذا ما نسميه التضليل والتعمية.
لاشك أن الماسونية جديرة بالشك في تقييمها اليوم بعد هذا التضليل والتطبيع والفوضى الهدامة وخلط المفاهيم ، ولكن أيضاً ومن كتاب المبيض نفسه أن مؤسس أول المحافل جاء من الولايات المتحدة حاملاً معه المال لإنشاء المحفل فيتحقق شرطان للشك هما المال المشبوه والعلاقات المشبوهة.
والأهم أن تلك الماسونية هي أساس تثبيت الملوك وتعيين الرؤساء كما هي رسالة المبيض التي فهمناها والتي هي اصطناع تمثال من صلصال لإعادة بناء الهيكل المزعوم والتي طورت نفسها لتصير المشروع الابراهيمي والذي لاشك أيضاً يلقى رواجاً في ظل موجات التكاذب حول السلام الوهمي خاصةً وأن الماسونية كانت تريدك أن لا تكون ملحداً بل مؤمناً بالخالق فالقسم على أحد الكتب السماوية الثلاثة ، ولكنها حالة علمانية حسب مبادئها ، ومع أن النادي الذي أسسته شركة شل على الأقل ضم أعداداً من الاخوان المسلمين ومنهم أحد الذين صاروا في الحرب السورية رئيساً للائتلاف برعاية إمارة قطر .
عملياً مر الكاتب على تهمة الماسونية التي ألصقها بالطبيب الوطني عبد الرحمن الشهبندر ثم برر عدم حمايته بضعف محفل دمشق مقابل محافل أخرى بينما كنت أود لو أنه قارب عملية اغتياله والتآمر الذي تعرض له الطبيب الشهيد.
وبكونه صور لنا النخبة السورية ماسونية حسب الأعداد التي اوردها وأصر على أنها لو أنكرت ذلك فهو بسبب الشارع السوري الغاضب منها بعد أن اتهم الماسونية بضياع فلسطين عام ١٩٤٨. وأن اثنان فقط اعترفا بتلك العضوية للمحفل شجاعةً منهما، لكن الحقيقة أن معظم ذوي العلامات الوطنية الفارقة قد يكون بعضهم انتسب كموضة معينة لكن بلا شك غادرها ووحده المؤلف والوثائق البريطانية التي استند إليها لا يعترفون.
السيد المؤرخ سامي المبيض قد تكون حاولت أن تكون موضوعياً وقد تكون حاملاً لنظرة برجوازية ترفض القيامة الوطنية بدون نظرية الارتباط بمنظمات دولية ، لكن هذا الذي تكتب فيه ظلم للشخصيات الوطنية منها وفيه حقيقة عن عمالة بعضها الآخر، وقد تكون المرحلة مواتية لتغرس في عقل الجيل نظريات طبقية معينة لكن باعتقادي أنك صدقت في تجسيد الفساد والنصب والاحتيال الذي شكا منه من كتبوا عن اعتناق ثلة من الكاذبين الماسونية وتقاضيهم مبالغ مقابل تنسيب أشخاص للمحفل ، فذلك يمكن أن تسقطه على حجم الاستفادة من كتابك، فهو سيكون وثيقة مضللة جديدة تضاف للتضليل في تاريخ سورية الحديث، لكن حركة العالم اليوم في إطار الانقلابات الاقتصادية العالمية أكبر بكثير من حجم المكاسب مهما بلغت من العبث بالتاريخ فالاصطفافات تقلب الطبقات وتغير الأسماء وتخلط الأعراق، و الكتابة صارت مهنة، لم تعد صناعة تاريخ.
وربما لو كان كتابك هذا صدر في الخمسينات لوجدت نفسك صانعاً لاصطفافات متطرفة، أما اليوم فنحن نستمتع بمسلسل الزند ذئب العاصي أكثر من قصة المحافل التي غابت عنها جوانب كثيرة من الموضوعية.
ملاحظة أخيرة لعلني قد فهمت من الكاتب أن هناك ماسونية عميلة تنتمي للمحافل الفرنسية وأخرى وطنية تنتمي لمحافل اسكتلندا وبريطانيا.