• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات عربية

ما طبيعة الصراع في السودان وعليه؟... والمخاطر!


في الوقت الذي لاحت فيه بوادر إنفراجات في المنطقة خاصة غربي أسيا ووضعت ملفات كبرى كمسألة اليمن وسورية قيد النظر الجدي والعملي لمعالجتها وإيجاد المخارج لها إنفجر صراع في السودان بين القوى العسكرية الرسمية (الجيش السوداني بقيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان) والقوة شبه العسكرية وشبه الرسمية (قوات الدعم السريع بقيادة الفريق اول محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي) إقتتال انتشر بسرعة كبيرة ليدخل بعد العاصمة الخرطوم معظم المناطق التي للطرفين وجود فيها.

لقد نشب الصراع  بين الطرفي من دون مقدمات منظورة، صراع بين القائد ونائبه اتخذ بسرعة مساراً دموياً شرساً و مأسوياً لم يكن أحد يتوقع او ينتظر ان يكون بمثل هذه الحدة بين من هم مفترضون اخوة في السلاح والقضية او شركاء في الوطن او فريقاً واحداً في السلطة التي قامت بعد اسقاط عمر  البشير، لكن بعد أيام من إشتعال الميدان بدآ يظهر ان لكل طرف من المتنازعين جهة خارجية يتكئ عليها او يصغي الى "توجيهات" او "إرشادات" او الاصح يعمل بإملاءاتها، والأخطر في الأمر هو علاقة الطرفين بإسرائيل، حيث ان السلطة المستندة الى الجيش ويمارسها قائده الفريق البرهان تقوم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، اما قيادة الدعم السريع بقيادة حميدتي فإنها تبني جسورا وتشبك علاقات متينة مع الموساد الإسرائيلي الذي يتغلغل في افريقيا ويشتد نشاطه في السودان ومحيطها بعد ان "نجح" في اقتطاع الجنوب منه ليقيم دولة الجنوب التي تشكل قاعدة ومتكئا رئيساً لإسرائيل في العمق الافريقي.

اما عن أسباب انفجار الصراع الان بين مكونات الفريق الواحد او المفترضون أنهم فريقاً واحداً فإن أحداً لا يستطيع ان يقطع بصحة ما يدلي به أي من الطرفين من اتهامات للآخر لكن ظاهر الامر هو صراع على السلطة وعبرها صراع على المال والثروات واستجابة للإيحاءات الخارجية خاصة وكما يبدو ان الجيش يستند الى دعم مصر واميركا بينما قوات الدعم السريع تراهن على علاقة استثمارية مع الامارات العربية وكيانات استثمارية دولية اخرى في روسيا وغيرها.

اذن رغم المشهد المحلي للصراع فإننا لا يمكن ان نسقط العامل الخارجي في الامر، حيث يستفيد كل طرف من دعم خارجي يرى أصحابه مصلحة استراتيجية لهم في هذا النزاع الذي يفضي الى بسط نفوذهم في السودان او تشظي السودان لتقسيمه وفقا لخطة التقسيم القديمة التي كان السعي الى تنفيذها احد اهم أسباب اضرام النار في الجسد العربي لتفكيكه وإعادة تركيبه وفقا لما يحقق مصالح المشروع الصهيواميركي وينهي خمس دول عربية كبرى قوية  ليقيم مكانها ١٤ دولة صغيرة واهنة متناحرة (مشروع تقسيم العراق وسورية ومصر والسودان والسعودية الى ١٤ دولة على أساس عرقي او ديني).

اما عن موازين القوى بين الطرفين المتناحرين فإنها تكاد تكون من حيث القدرات او الامكانات العسكرية متقاربة وهذا امر سلبي خطير في المشهد لان تقارب القدرات يمنع إمكانية الحسم ويطيل امد الصراع ويمكن المتناحرين من القيام بعمليات التدمير المتبادل دون ان يصرف هذا التدبير في حلول  سياسية مقبولة مع وجود العامل الخارجي المحفز على القتال مستفيدا من الرغبة لدى كل من الطرفين بالاستئثار والسيطرة، فالجيش السوداني بقيادة البرهان الذي يمثل السلطة الشرعية المعترف بها دوليا يبلغ من حيث اجمالي العديد ما يقارب ١٧٥ الف عسكري وقادر على تجهيز واعداد تشكيلات قتالية ثقيلة تضم حوالي ١٠٠ الف عسكري، ويترك الاخرين للعمل في المجال الإداري واللوجستي، بينما قوات الدعم  السريع بقيادة حميدتي فإنها قادرة علي اعداد وتجهيز تشكيلات قتالية خفيفة تناهز الـ ٧٥ الف مقاتل ذوي خبرات في حرب المدن وقتال الشوارع .

وبالتالي وفي ظل هذا الواقع ومع استبعادنا لاحتمال الحسم الميداني السريع للصراع فإننا نخشى إطالة امد الصراع وتحوله الى حرب أهلية يدخل فيها العامل القبلي الذي يستفيد منه بشكل أكبر حميدتي القادر على شراء الذمم ورشوة الضمائر وهو المتربع على مناجم الذهب ومليارات الدولارات، والذي يشبك علاقات استثمارية قوية مع الخارج ويفتح قناة الاتصال الدائمة مع الموساد الإسرائيلي.

و اذا انزلقت الامور في هذا الاتجاه المأسوي أي الحرب الاهلية فإننا نكون في السودان امام احد خطرين لا بل نكون امام مأساة كبرى تحل بالسودان و بالعرب تتمثل بـ:

1. تقسيم ما تبقى من السودان الى دولتين او ثلاثة وهنا تكون كل دولة وليدة تابعة او مسيطر عليها من قبل جهة اجنبية تتقدمها اميركا واسرائيل ويكون التطبيع الذي أغري السودان به من اجل رفعه عن لائحة الإرهاب، يكون هذا التطبيع الوصفة السحرية للإجهاز على الدولة الواحدة عبر تفتيتها والسيطرة على ثرواتها، وستكون إسرائيل واميركا سعيدتين بامتلاك السيطرة على ٥٠٠ كلم تقريبا من الشاطئ الغربي للبحر الأحمر.

2. بسط السيطرة الخارجية على الدولة بعد افراغها من محتواها السيادي والاستقلالي وتكرار الحالة الليبية فيها وهنا يكون في طليعة المتضررين بعد السودان مصر التي ستجد نفسها محاصرة بسور من فوضى وحزام من نار من الغرب والجنوب يمتد من لبيبا على المتوسط ويصل الى السودان على البحر الأحمر ما يؤثر سلبا على دورها وموقعها الاستراتيجي الإقليمي والدولي لا بل وعلى امنها واستقرارها العام.

ان الاقتتال في السودان الان لا يقل خطرا عن الحرب التي استهدفت سورية واليمن وليبيا لا بل تتقدم عليها في مخاطرها في بعض الوجوه وهنا تكمن ضرورة الحاجة الى البحث العربي والافريقي عن حل سريع لهذه المأساة التي لن تبقى في مفاعيلها التدميرية محصورة بالسودان فقط بل سيتحول السودان معها الى مرتكز للإرهاب العالمي الذي سيهدد كامل افريقيا أيضا.