• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
مقالات عربية

تواجه السودان أزمة خانقة تعززها حالة الانسداد السياسي التي تفاقمت بانطلاق الاشتباكات المسلحة في 15 أبريل الفائت (2023) في عدد من الولايات والمدن السودانية بين القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وسط إخفاق في احتواء الصراع برغم التحركات الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج للأزمة في البلاد.

وتكشف تطورات المشهد العملياتي على الساحة السودانية عن إصرار لدى طرفي الصراع على حسمه عسكريًّا والتغاضي عن دعوات المجتمع الدولي لوقف القتال المحتدم في البلاد، أملًا في بدء المفاوضات بشأن تسوية الصراع بشكل نهائي، وهو ما يعزز المخاوف لدى دول الجوار المباشر للسودان من استمرار الصراع الذي يهدد استقرار المنطقة ككل.

ملامح المشهد السوداني الراهن

يتسم السياق العام في السودان بمزيد من التعقيد، وهي سمة صاحبت المشهد السوداني منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ في أبريل 2019 وصولًا إلى تفجر الصراع العسكري الراهن في البلاد. ويمكن الإشارة إلى أبرز ملامح المشهد الراهن في السودان على النحو التالي:

1- معركة نفوذ بين مشروعين متضادين: وهما مشروعان يتزعمهما البرهان وحميدتي حتى أن السودان بات يُنظر إليها على أن بها نظام حكم انتقالي ذو "رأسيْن" عقب سقوط نظام الإنقاذ في عام 2019 وبدء المرحلة الانتقالية، وهو ما أفضى إلى اندلاع صراع سياسي سرعان ما تحول إلى صدام عسكري بين الطرفين الأكثر نفوذًا في الداخل السوداني خلال السنوات الأربع الأخيرة.

إذ يطمح كل طرف في الإطاحة بالطرف الآخر بهدف فرض رؤيته على المشهد السوداني وتشكيل مستقبله تمهيدًا للاستحواذ على السلطة في البلاد بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الجارية.

وفي ضوء صعوبة التقاء المشروعين عند مساحة مشتركة للحوار على الأقل في المدى المنظور، يُرجح أن تستمر المواجهة العسكرية لحين إقصاء أحد طرفي الصراع للآخر من المشهد السياسي برمته.

2- استمرار الاشتباكات المسلحة: تركزت المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاعها في العاصمة الخرطوم على عدد من المواقع الاستراتيجية مثل المطارات وبعض المقار السيادية، في محاولة للسيطرة عليها من أجل تأكيد التفوق النوعي على حساب الطرف الآخر. وسرعان ما تمددت المواجهات إلى عدد من الولايات والمدن السودانية في تصعيد متوقع للصراع.

وتسبب ذلك في مقتل نحو 387 شخصًا وإصابة 1928 آخرين بحسب تصريحات نقابة الأطباء السودانيين. وبرغم محاولات المجتمع الدولي للتوصل للهدنات الإنسانية بين طرفي الصراع منذ بدايته، استمر الاقتتال بين القوات المتحاربة في بعض المناطق السودانية مثل الخرطوم وأم درمان ودارفور، وسط اتهامات متبادلة من جانب الطرفين بخرق الهدنة.

3- حرب المعلومات: وهي معركة موازية للصراع العسكري الدائر في البلاد، يحاول من خلالها طرفا الصراع وبخاصة الدعم السريع إخفاء الحقيقة حول تطورات المسرح العملياتي بهدف تضليل الرأي العام السوداني وتحييد المجتمع الدولي خوفًا من ممارسة المزيد من الضغوط على طرفي الصراع، بالإضافة إلى إضعاف الروح المعنوية للجنود السودانيين تمهيدًا لاحتمال انسحابهم وحسم الصراع بشكل نهائي.

في المقابل، انتبه الجيش السوداني لمساعي الدعم السريع لتشويه صورته على المستويين المحلي والدولي من خلال نشر معلومات مضللة، وقام بحملة مضادة من خلال إصدار عدة بيانات متتالية لنفي الادعاءات التي تزعمها قوات الدعم السريع بشأن تطورات الصراع على أرض الواقع وطمأنة الرأي العام السوداني خوفًا من زعزعة الثقة وبث الخوف لدى المواطنين.

4- غياب القوى السياسية عن المشهد: يستمر تجاهل طرفي الصراع السوداني للدعوات المتكررة من جانب معظم القوى والأحزاب السياسية السودانية بوقف الاقتتال فورًا والبدء في عملية تفاوضية لإنهاء الصراع وتسويته، وهو ما أدى إلى تدويل الصراع بعيدًا عن محاولات الداخل للاحتواء، إذ يتضاءل وزن هذه القوى في اللحظة الراهنة كونها تعد الطرف الأقل نفوذًا في خضم تطورات الصراع العسكري الراهن. وربما يتأثر مستقبل القوى السياسية والمدنية في المشهد السياسي السوداني خلال المرحلة المقبلة بما سيؤول إليه الصراع الراهن.

5- استمرار عمليات الإجلاء للرعايا الأجانب: وهو مؤشر مهم يعكس حجم التطورات على صعيد المسرح الميداني في مناطق القتال، كما أنه ينذر بتصعيد الاشتباكات المسلحة بين طرفي الصراع في المدى القريب. فقد أعلنت عدد من الدول إجلاء رعاياها من السودان خلال الأيام القليلة الماضية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا وتركيا واليابان وإسبانيا واليونان وليبيا والأردن وجنوب أفريقيا وكينيا وغيرها.

6- تدهور النظام الصحي: تسبب الصراع في سقوط العشرات من الضحايا والمئات من الإصابات، وهو ما شكل ضغطًا على المستشفيات السودانية التي توقف نحو 71% منها عن العمل في مناطق القتال بحسب تصريحات نقابة الأطباء السودانيين، وذلك بسبب نقص الأدوية والمساعدات الطبية، الأمر الذي يهدد بانهيار النظام الصحي في البلاد، وانعكاساته على الأمن المجتمعي هناك.

حسابات البرهان وحميدتي في الصراع

تعكس تكتيكات وسياسات الطرفين منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة في البلاد تحول الصراع إلى مباراة صفرية ربما تطيل أمده خلال الفترة المقبلة. إذ يملك كل طرف حساباته الاستراتيجية الخاصة في هذا الصراع الدائر بالبلاد. فمن ناحية، يدرك الجيش السوداني ضرورة أن يستأثر وحده بالقوة العسكرية، وعدم السماح بوجود جيش موازٍ له في الداخل، كما أن حسم الصراع عسكريًّا لصالح الجيش السوداني يمنحه المزيد من الشرعية والنفوذ في الداخل السوداني.

لذلك، يعزز الجيش مساعيه في خضم هذا الصراع لنزع الشرعية السياسية التي تعتمد عليها قوات الدعم السريع في شرعنة وجودها في الواقع السوداني، والدفع نحو تفكيكها أو على الأقل إجبارها على الاندماج في القوات المسلحة السودانية بشروط الأخيرة، وهو ما قد يترتب عليه إقصاء حميدتي من المشهد السياسي برمته خلال المرحلة المقبلة، إضافة إلى القضاء على الحواضن الإقليمية والدولية الداعمة لقواته، علاوة على حماية السودان من معضلة الاصطفاف الإقليمي والدولي وأن تصبح ساحة مفتوحة للتجاذبات بين الدول الطامحة للعب دور إقليمي في المنطقة. وفي ذات الوقت يدعم الطموح السياسي للمؤسسة العسكرية السودانية بتقديم مرشح لها تتعزز فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة بالبلاد.

أما على الجانب الآخر، يسعى حميدتي بقوة إلى تأكيد شرعيته هو وقواته كرقم صعب في المعادلتين السياسية والعسكرية بالداخل السوداني، وذلك في إطار تنامي الطموح السياسي لقائد الدعم السريع ربما وصولًا إلى قيادة البلاد مستقبلًا بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وهو ما دفعه إلى تبرير انخراطه في هذا الصراع بمزاعمه حول الدفاع عن الديمقراطية وحماية التحول الديمقراطي في البلاد وانتقال السلطة إلى المدنيين. كما يدرك حميدتي جيدًا أن تعزيز قوته العسكرية وموازنتها للجيش السوداني سوف تخدم طموحاته المستقبلية في المشهد السوداني.

لذلك، يحاول حميدتي هز ثقة قطاع كبير من المواطنين في القوات المسلحة، وتأليب الرأي العام ضد قادتها في ضوء توجيه المزيد من الاتهامات لهم بانتمائهم إلى النظام السابق واستهداف المدنيين في القصف الجوي، مستغلًا الآلية الإعلامية التي تمتلكها الدعم السريع منذ بدء الصراع، والتي تشير إلى احتمال استعانتها بشبكة من الخبراء في المجال الإعلامي لإدارة المعركة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على الصعيدين المحلي والدولي. وحتى في حالة عدم حسم الصراع، قد يضغط المجتمع الدولي من أجل التفاوض بين طرفي الصراع، مما قد يمثل فرصة لحميدتي للمساومة بشأن بقائه في المشهد السياسي دون تقديم تنازلات كبيرة، والحصول على ضمانات بشأن مستقبل قواته ومستقبله خلال المرحلة المقبلة.

حسابات دول الجوار في الصراع

لدى دول الجوار السوداني حساباتها الاستراتيجية تجاه تصعيد الصراع العسكري واحتمال تمدده إلى خارج الحدود السودانية بما يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، خاصة أن السودان تحظى بأهمية استراتيجية متنامية بفضل موقعها الجغرافي الذي يجعلها بمثابة نقطة اتصال استراتيجي بين منطقة شرق أفريقيا - بما في ذلك القرن الأفريقي والبحر الأحمر - ومنطقتي الساحل ووسط أفريقيا، حيث تتماس السودان مع خمس دول في أفريقيا جنوب الصحراء هي إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد. ويمكن الإشارة إلى حسابات تلك الدول تجاه الصراع السوداني على النحو التالي:

1- جنوب السودان: تعد هي المتضرر الأكبر من استمرار الصراع في الداخل السوداني، خاصة أنه يهدد نحو 800 ألف لاجئ من جنوب السودان يتمركزون في الأراضي السودانية بالعودة مجددًا إلى جوبا بما يمثل ضغطًا متزايدًا عليها في ضوء ضعف البنية التحتية وتزايد معدلات الفقر وهشاشة الأوضاع السياسية والأمنية هناك. وتتخوف جوبا من توسيع رقعة الصراع ليصل عند الحدود بينها وبين الخرطوم، والتي قد تشهد تسلل بعض العناصر المسلحة إلى داخل أراضي الجنوب هربًا من القتال، مما قد يزيد من زعزعة الاستقرار.

كما يؤثر استمرار الصراع سلبًا في صناعة النفط، حيث يعيق عملية انتقال النفط من الجنوب إلى ميناء بورتسودان شرقي السودان - 170 ألف برميل يوميًّا - وهو ما يفاقم الخسائر الاقتصادية والمالية بالنسبة للبلدين. فيما تتزايد مخاوف جنوب السودان على مستقبل اتفاق السلام الهش المبرم في عام 2018، لا سيما أن السودان تعد أحد الضامنين لهذا الاتفاق، وهو ما يدفعها نحو تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة في الخرطوم أملًا في وقف إطلاق النار والبدء في تسوية الصراع.

2- إثيوبيا: تتخوف أديس أبابا من نشاط متزايد للحركات المسلحة عند الحدود مع السودان في حالة توسع رقعة الصراع في البلاد. وتخشى أيضًا من احتمال وجود مليشيا فاجنر في السودان خلال الفترة المقبلة، فهي لا تقبل بوجود المزيد من القوى الدولية في جوارها المباشر لما تشكله من تهديد لاستقرارها والنفوذ الإثيوبي في الإقليم. كما يتزايد قلق أديس أبابا بشأن عودة اللاجئين الإثيوبيين الذين نزحوا للسودان في خضم الحرب الإثيوبية الأخيرة لبلادهم مجددًا، وهو ما يمثل ضغطًا على الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، وربما يفاقم النزاعات والصراعات الإثنية في بعض المناطق الإثيوبية.

فيما يؤثر الصراع السوداني على الطرق الحيوية المؤدية إلى إثيوبيا لا سيما أنها تعتمد بشكل كبير على ميناء بورتسودان في عمليات التبادل التجاري مع العالم الخارجي عبر البحر الأحمر.

وقد تنظر إثيوبيا إلى الصراع في السودان بمثابة نقطة انطلاق جديدة للنفوذ الإقليمي في شرق أفريقيا، وذلك عبر مساعيها للعب دور في الوساطة أملًا في وقف القتال بين طرفي الصراع، والذي ربما توظفه أديس أبابا في فك الارتباط بين السودان ومصر بخصوص ملف السد الإثيوبي خلال الفترة المقبلة، إلى جانب تخفيف حدة الموقف السوداني تجاه أزمة منطقة الفشقة المتنازع عليها بين البلدين والوصول إلى تفاهمات ودية بشأنها.

3- إريتريا: يتزايد القلق الإريتري من احتمال عودة اللاجئين الإريتريين البالغ عددهم أكثر من 234 ألف لاجئ من السودان نتيجة تفاقم الصراع هناك. وتتخوف أسمرة من تهديدات الحركات المسلحة - التي ربما تنشط بسبب الصراع السوداني - للداخل الإريتري. وربما تتورط بعض العناصر الإريترية في الصراع - حال تفاقم الوضع في المرحلة المقبلة – في القتال إلى جانب أحد الطرفين المتحاربين وبخاصة الدعم السريع، في محاولة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لتعزيز نفوذه في الداخل السوداني ليصبح جزءًا من معادلة تسوية الصراع في المستقبل.

4- تشاد: تعد هي الأخرى أكثر عرضة للمخاطر، خاصة أنها تشترك مع السودان في حدود طولها أكثر من 1400 كيلومتر، وهو الأمر الذي يعزز المخاوف من تسلل المزيد من المتمردين إلى الأراضي التشادية، واحتمال انضمام بعض الحركات المتمردة التشادية إلى الصراع في السودان لصالح أحد أطرافه، مما قد يشكل نواة من المجموعات المتمردة في المستقبل لتهديد الدولة التشادية. وتتخوف نجامينا من احتمال تراجع الدعم السريع إلى إقليم دارفور، وما يمكن أن يفرضه من تداعيات أمنية تهدد أمن واستقرار الجانب التشادي الذي يخشى أيضًا مخاطر انخراط مجموعة فاجنر الروسية الأمنية في الصراع لتصبح على مشارف الحدود التشادية من ثلاث جهات هي ليبيا، السودان، وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى تزايد القلق من احتمال إقامة علاقات تعاونية بين فاجنر وبعض الحركات التشادية المسلحة النشطة في المنطقة.

كما يعرقل الصراع السوداني استفادة الدولة التشادية من الموانئ السودانية لا سيما ميناء بورتسودان، وهو ما قد يشكل أزمة اقتصادية لتشاد باعتبارها دولة حبيسة في الساحل. فيما تتزايد المخاوف التشادية من امتداد الصراع إلى حدودها عند المناطق التي تستقبل اللاجئين، خاصة أن تشاد قد استقبلت حتى الآن أكثر من 20 ألف لاجئ من السودانيين، مما قد يعزز الضغوط الاقتصادية والأمنية على حكومة نجامينا خلال الفترة القادمة.

5- أفريقيا الوسطى: تخشى نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين إلى داخل البلاد، وما يمثله من ضغوط على البنية التحتية الضعيفة والاقتصاد الوطني. إضافة إلى التخوف من نشاط العديد من الحركات المسلحة على الحدود بين البلدين، واحتمال انخراط بعضها في الصراع السوداني، مما قد يفاقم الأوضاع الأمنية هناك إلى جانب توتر العلاقات مع الخرطوم. في المقابل، ربما يمثل انخراط فاجنر في الصراع وانتشارها في السودان رسالة طمأنة للنظام الحاكم في بانجي الذي يستعين بقوات فاجنر لمواجهة الحركات المسلحة المتمردة في البلاد، وتأمين النخبة الحاكمة هناك.

6- الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيجاد): قدمت الهيئة مبادرة في 27 أبريل الفائت (2023) في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة السودانية، وفي إطار العمل بمبدأ الحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية الذي يتبناه الاتحاد الأفريقي، حيث تضمنت المبادرة مقترحيْن أساسيين بشأن تمديد الهدنة الإنسانية لمدة 72 ساعة إضافية في البلاد بهدف استمرار عمليات الإجلاء للرعايا الأجانب في البلاد والمساعي المستمرة لوقف إطلاق النار. إضافة إلى إيفاد ممثلين عن الجيش السوداني والدعم السريع إلى جنوب السودان من أجل التفاوض.

وتهدف مبادرة إيجاد - التي ترأسها حاليًّا السودان (مجلس السيادة الانتقالي الحاكم) وتتمتع فيها إثيوبيا بنفوذ قوي -إلى تعزيز حضورها في الساحة السودانية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع تمهيدًا للتوصل لاتفاق وقف النار قريبًا، لا سيما بعدما أقر مجلس الأمن الدولي بأن ما يجري هو شأن داخلي سوداني يمكن حله عبر المنظمات الإقليمية، وهو ما يغلق المجال أمام التدخل الدولي- على الأقل في المرحلة الراهنة - وتوسيع المجال أمام الأطراف الأفريقية الإقليمية لاحتواء الصراع وأطرافه أملًا في إيجاد تسوية شاملة له في المدى القريب. ومع ذلك، فإن إحدى الإشكاليات التي تواجه المبادرة تتمثل في غموض مساراتها المحتملة، فهل ستقتصر على التوافق حول تمديد الهدنة الإنسانية أم يكون لها دور فعلياً في الوصول إلى تسوية سياسية.

مخاطر محتملة

قد يعصف استمرار الصراع العسكري الراهن في السودان بمكتسبات المرحلة الانتقالية التي تلت سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وهو ما يعود بالدولة السودانية للمربع الأول، ويهدد مستقبلها بمزيد من التوتر والاضطرابات السياسية والأمنية، على نحو يفاقم المخاوف الإقليمية لدول الجوار من تمدد الصراع وتهديد أمنها واستقرارها على المدى القصير.

وفي ضوء توسع الصراع وإصرار طرفيْه على الاستمرار في القتال لحين حسم المعركة عسكريًّا، ربما يصعب أن يكون هناك مجالًا لأي وساطة من قبل المجتمع الدولي في المدى المنظور، إلا إذا لوحت القوى الكبرى بتطبيق عقوبات رادعة - وفق مدى زمني قصير - على الطرفين المتحاربين لإجبارهما على الانصياع للدعوات الإقليمية والدولية بإنهاء القتال فورًا.

وإجمالًا، تعد السودان وفقًا لمعطيات اللحظة الراهنة بمثابة "قنبلة" إقليمية موقوتة، لا سيما أنها تقع جغرافيًّا ضمن حزام إقليمي مفخخ بالأزمات والصراعات، وهو ما قد يجعل استمرار وتفاقم الصراع نقطة محورية في تحول السودان إلى بؤرة إقليمية لاستقطاب المزيد من الحركات المسلحة والتنظيمات الإرهابية النشطة في مناطق الجوار الجغرافي مثل منطقة الساحل وليبيا؛ الأمر الذي يهدد بدوره الأمن الإقليمي لدول الجوار المباشر.