يُشكّل التصويت في الأمم المتحدة مؤشّراً على التوجّهات العامة للسياسة الخارجية لدولة ما، وتتحكّم في عملية التصويت هذه متغيرات عديدة، كما أنّ أوزان هذه المتغيرات تتغيّر من وضع لآخر طبقاً لتفاعلات الظاهرة موضع التصويت. ويمكن تقسيم هذه المتغيرات استناداً إلى التقسيم الذي قدّمه إميل دوركهايم Émile Durkheim في دراسته عن الروابط بين المجتمعات؛ فهناك روابط آلية كاللّغة، والدِّين، والعرق، واللون…إلخ، وهناك روابط عضوية كالتجارة، وشبكات الترابط التقني، والمشروعات المشتركة، والأحلاف، وتشكيل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية…إلخ. ويرى دوركهايم أنّ تنامي الروابط العضوية يُضعف الروابط الآلية، ولعلّ مثال التطوّر الذي شهدته أوروبا في روابطها العضوية عبر الانتقال من الدولة القومية الصرفة، نموذج ويستفاليا Westphalia، إلى السوق الأوروبية المشتركة، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي European Union الحالي بعملة واحدة وبرلمان مشترك…إلخ، هو المتغيّر المعتمد لتفسير عدم وقوع أيّ حروب بين دول الاتحاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. وتكفي الإشارة في ذلك إلى ارتفاع التجارة البينيّة بين دول الاتحاد سنة 2024 إلى نحو 61.65% من إجمالي تجارة المجموعة مع العالم.